تقنيةمقالات تقنية

(ح1-ج1) مقدمة في الذكاء الاصطناعي.. تاريخ حلم قديم العهد  بات اليوم حقيقة !

  “.. بات الكثير من الناس حول العالم، مدركين للحضور الوازن للذكاء الإصطناعي و تطبيقاته في حياتهم، التي أضحت موجودة في كل مكان حولنا.. مع هذا الإنتشار الواسع، يخطر على بال الأفراد أسئلة متعددة تخص هذه التقنية من قبيل: “كيف بدأ كل هذا؟”، “في أية مجالات يمكن أو سيستخدم فيها الذكاء الإصطناعي؟”، “ماذا يعني ذلك حقا؟”، “ما أخلاقيات عمل و تطبيق الذكاء الإصطناعي؟” و غيرها من التساؤلات التي سنتطرق لها في هذه السلسلة من المقالات حول “الذكاء الإصطناعي”، منطلقين من كونه كان موضوعا للخيال العلمي إلى جزء لا يتجزء من حياتنا اليوم، مرورا بتطور هذا المجال على مر السنين و ما ساهم به في حياتنا، و وصولا إلى ما قد يشكله من خطر علينا الآن أو مستقبلا..”

  يعرف “الذكاء الاصطناعي” (AI) على أنه “قدرة الآلات على تقليد التفكير و التعلم من التجربة مثل العقل البشري”.. تم إستخدام الذكاء الإصطناعي في المجالات المتعلقة ببرامج الحواسيب لسنوات، غير أنه الآن يتم تطبيقه على العديد من المنتجات والخدمات الأخرى. على سبيل المثال، يمكن لبعض الكاميرات الرقمية تحديد الكائنات الموجودة في الصورة بإستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ذلك يتوقع الخبراء العديد من الإستخدامات المبتكرة للذكاء الإصطناعي في المستقبل، بما في ذلك الشبكات الكهربائية الذكية.

يستخدم “الذكاء الإصطناعي” لتحقيق هذه الإنجازات، تقنيات تتنوع بين نظريات “الإحتمالات” و “الإقتصاد” و “تصميم الخوارزميات” لحل المشكلات العملية، و غيرها.. بالإضافة إلى ذلك، يعتمد هذا المجال على “علوم الكمبيوتر” و “الرياضيات” و “علم النفس” و “اللغويات”. توفر علوم الكمبيوتر (على سبيل المثال) أدوات لتصميم و بناء الخوارزميات، بينما تقدم الرياضيات أدوات لحساب الإحتمالات و النتائج و التوقعات بشكل دقيق. و على الرغم من أن مفهوم الذكاء الإصطناعي (AI) كان موجودا منذ القرن 19، عندما إقترح “آلان تورينج” لأول مرة – ما بات يعرف ب”إختبار تورينج” – لتقييم ذكاء الآلة، إلا أنه أصبح من الممكن تحقيقه فقط في العقود الأخيرة بسبب زيادة توافر قوة الحوسبة و البيانات لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

  لفهم الفكرة وراء الذكاء الإصطناعي، يجب أن تفكر في ما يميز “الذكاء البشري” عن ذكاء المخلوقات الأخرى، و هو قدرتنا على التعلم من التجارب و تطبيق هذه الدروس على المواقف الجديدة، و تمكننا من القيام بذلك بسبب قوتنا العقلية المتقدمة و لما لدينا من خلايا عصبية أكثر من أي نوع حيواني. ما يميز أجهزة الكمبيوتر اليوم، أن لها “شبكات عصبية إصطناعية” (Neural Networks) تحاكي نظيراتها “العصبية البيولوجية البشرية” (لكن لا تقترب من قوتها) غير أنها تتغلب علينا بميزة واحدة مهمة: قدرتها على تحليل كميات هائلة من البيانات بشكل أسرع بكثير مما يمكن أن يحققه البشر.

  تتيح لنا قدرات الذكاء الإصطناعي “التركيز على المهام الأكثر أهمية و إتخاذ قرارات أفضل بناءا على البيانات المكتسبة المتعلقة بحالة الإستخدام”، كما يمكن إستخدامه للمهام المعقدة مثل “إكتشاف الإحتيال على بطاقات الإئتمان”، أو بمعنى آخر، يمكن للذكاء الاصطناعي أتمتة العديد من العمليات بمختلف أنواعها مما يتيح للمستخدم التركيز على مهمته الأساسية، و لهذا يهتم البحث في هذا المجال ب”إنتاج آلات لأتمتة المهام التي تتطلب سلوكا ذكيا”و فيما يشمل جوانب “التحكم” و “التخطيط” و “الجدولة” و “القدرة على الإجابة على أسئلة المستهلك” و “الكتابة اليدوية” و “معالجة اللغة الطبيعية” و “الإدراك” و “التعرف على الكلام” و “القدرة على مقارنة المعطيات و معالجتها”.

* تاريخ الذكاء الإصطناعي.. و كيف تقدم على مر السنين؟

  مع الكثير من الإهتمام بالذكاء الإصطناعي (بشكله الحديث) بات من السهل أن ننسى أن المجال ليس جديدا تماما، لكونه مر لفترات و متغيرات كثيرة و مختلفة، تميزت بمدى التركيز على إثبات النظريات المنطقية أو محاولة تقليد الفكر البشري عبر “إستنساخ” نظامه العصبي. يعود تاريخ الذكاء الإصطناعي، إلى أواخر عام 1940 عندما بدأ رواد الكمبيوتر مثل “آلان تورينج” و “جون فون نيومان” لأول مرة في دراسة كيف يمكن للآلات “التفكير”. ومع ذلك، كان “الحدث المعلم” في عالم الذكاء الإصطناعي في عام 1956 عندما أثبت الباحثون أن “الآلة يمكنها حل أي مشكلة إذا سمح لها بإستخدام كمية غير محدودة من الذاكرة”.

  على مدى العقدين التاليين، ركزت الجهود البحثية العلمية على تطبيق الذكاء الإصطناعي على مشاكل العالم الحقيقي. أدى هذا التطور إلى تطوير أنظمة تسمح للآلات بالتعلم من التجربة و إجراء تنبؤات بناء على البيانات التي تم جمعها. صحيح أنها ليست معقدة مثل الأدمغة البشرية، لكن يمكن تدريبها على تحديد الأنماط و إتخاذ القرارات بناء على تلك البيانات التي يشيع إستخدامها في “الطب” و “التصنيع” اليوم. كان ثاني حدث مهم في تاريخ “الذكاء الإصطناعي” ما حدث في عام 1965 مع تطوير برامج “الروبوتات” أو “البوتات” (Bots) مثل “شاكي” (Shakey) و “إيليزا” (ELIZA) التي تعمل على “أتمتة المحادثات البسيطة بين البشر والآلات”، و مهدت هذه البرامج الطريق ل”تقنية التعرف على الكلام” الأكثر تقدما المتواجدة في المساعدات الصوتية ك”سيري” (Siri) و “أليكسا” (Alexa).

  أدى كل هذا و ذلك، إلى تقدم كبير في تصميم “لغات البرمجة” و “إثبات النظريات العلمية” و “الروبوتات”.. بعد عقد من الزمان، و قلة التمويل المالي، و الإنحصار دون تقدم كبير، إنتعش الإهتمام في أواخر 1980. كان هذا الإنتعاش، مدفوعا في المقام الأول بالتقارير التي تفيد بأن الآلات أصبحت أفضل من البشر في المهام “الضيقة” مثل لعب لعبة “الداما” أو “الشطرنج” و “التقدم في التعرف على الكلام”، كما كان التركيز على بناء أنظمة يمكنها فهم بيانات العالم الحقيقي و التعلم منها بتدخل بشري أقل. إستمرت هذه التطورات ببطء حتى عام 1992، عندما بدأ الاهتمام في الزيادة مرة أخرى، خاصة و عندما ساعد التقدم التكنولوجي في قوة الحوسبة و تخزين المعلومات على تعزيز الإهتمام بالبحوث المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

شهدت السنوات الأولى من القرن 21، فترة من التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي، أبرزها تطوير أو “شبكة عصبية” (Neural Network) ذاتية التعلم، التي و بحلول عام 2001 تجاوز أدائها بالفعل البشر في العديد من المجالات المحددة مثل “تصنيف الأشياء” و “الترجمة الآلية”. على مدى السنوات القليلة التالية، قام الباحثون بتحسين أدائها عبر مجموعة من المهام مستعينين بالتحسينات في التقنيات الأساسية. كان الطفرة الثانية المهمة في هذه الفترة، هي تطوير خوارزميات التعلم المعزز القائمة على “النماذج التوليدية” الجديدة بحسب كل فئة، مما يساعد على تعلم “السلوكيات المعقدة” حتى و إن كانت البيانات الأساسية قليلة جدا.

بالإضافة إلى هاتين الثورتين، كانت هناك العديد من التطورات الهامة الأخرى في الذكاء الإصطناعي على مدى العقد الماضي، من بينها التركيز متزايد على إستخدام الشبكات العصبية العميقة في التعرف على الأشياء و فهم المشاهد، و التركيز المتزايد على إستخدام أدوات التعلم الآلي لمهام معالجة اللغة مثل “إستخراج المعلومات” و “الإجابة على الأسئلة”.

(يتبع)

المهدي المقدمي

شاب مغربي، محب للتقنية بصفة عامة، وخاصة العاب الحاسوب و الهاتف النقال، كما اعمل كمترجم و صحفي في الشأنين الإقتصادي و العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

نكون شاكرين لو عطلتم مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا على الاستمرار وتقديم الأفضل لكم