شهدت الساحة الإعلامية لألعاب الفيديو خلال الأيّام الأخيرة حالة من الفضول بعد ظهور خطوة جديدة من استوديو Remedy Entertainment، حين تقدّم بطلب رسمي لتسجيل العلامة التجارية Control Resonant. هذه الحركة لم تمرّ مروراً عابراً على مجتمع اللاعبين، خصوصاً أن التسمية ذات طابع واضح يشير إلى عالم Control، تلك اللعبة التي نجحت في ترك أثر خاص منذ صدورها قبل سنوات، سواء بأسلوبها الفني أو بطريقة روايتها أو حتى بالجو العام الذي يطغى عليها، والذي يمزج بين الغموض والخيال العلمي والنبرة النفسية المقلقة. ومع أن الطلب مجرد خطوة قانونية، إلّا أن الكثيرين رأوا فيه إشارة لإعلان بات أقرب مما نتوقع، وربما أقرب مما يتخيّله اللاعب نفسه.
من يتابع Remedy يعرف أن الاستوديو أصبح يبني هويته حول عالمين رئيسيين يتقاطعان بطريقة أو بأخرى: عالم Control وعالم Alan Wake، وهما مشروعان استطاعا أن يثبتا نفسهما داخل الصناعة بفضل المعالجة السينمائية والسرد المشوق. سبق للاستوديو أن أكد بالفعل أن العمل جار على جزء ثان من Control، وكان ذلك بحد ذاته كافياً لإشعال الترقب في أوساط عشاق اللعبة. لكن دخول اسم جديد إلى المشهد، وهو Control Resonant، أعاد الحديث إلى الواجهة بنبرة أكثر جدية، لأن خطوة تسجيل علامة تجارية ليست مجرد تلميح عابر، بل رسالة واضحة بأن شيئاً ما يتحرك في الكواليس. وقد لا يكون مفاجئاً أن نرى الاستوديو يستعد لكشف مشروع ضخم خلال حفل The Game Awards، وهو موعد تعودنا فيه على مفاجآت ضخمة لها وزنها في الصناعة.
حين ننظر إلى إرث Remedy، من Max Payne إلى Alan Wake ثم Quantum Break وصولاً إلى Control، سنلاحظ أن هذا الاستوديو لا يعمل على ألعاب تُستهلك سريعاً ثم تُنسى. هناك دائماً خيط مشترك يربط بين作品ه، سواء عبر الأسلوب أو الأجواء أو حتى من خلال تفاصيل صغيرة قد لا ينتبه إليها اللاعب إلّا عند إعادة التجربة. Control قدّمت عالماً غريباً ومختلفاً، وكانت واحدة من الألعاب التي جعلت الكثير من اللاعبين يشعرون بأنهم يقفون على حدود الواقعي واللامرئي في لحظة واحدة. فكرة “البيت الأقدم” وما يدور فيه من ظواهر غير طبيعية كانت كافية لمنح اللعبة هويتها الخاصة، كما أن شخصية Jesse Faden حظيت بتعاطف كبير بفضل رحلتها المعقدة. لذلك، ليس من المستغرب أن اللاعب يشعر بأن هناك مساحة ضخمة غير مستكشفة في هذا العالم، وأن جزءاً ثانياً ليس مجرد خيار، بل ضرورة للسرد الذي بدأ قبل سنوات.
العلامة التجارية الجديدة تحمل كلمة Resonant، وهي كلمة قد تحمل لتفسيرات عديدة. قد تكون إشارة إلى عنصر داخل اللعبة، أو حالة، أو قوة، أو شيء له علاقة بالترددات والاهتزازات، وهي مفاهيم سبق أن ظهرت في بعض وثائق Control داخل اللعبة وبشكل غير مباشر في أسلوب السرد. ومع أن الأمر قد يبدو مجرد اجتهادات من اللاعبين، إلّا أن تجربة Remedy دائماً ما دعت إلى قراءة ما بين السطور. الاستوديو يحب أن يترك اللاعب يشعر بأن كل تفصيلة لها معنى، وأن العالم الذي يبنيه ليس مجرد خلفية، بل جزء حي يتنفس ويتفاعل. أحد التصريحات القديمة للمخرج Sam Lake يلخّص هذا النهج حين قال: “نحن لا نصنع عوالم صغيرة. نحن نصنع عوالم واسعة، وقد لا نكشف كل أسرارها في لعبة واحدة”. هذا الاقتباس يلائم أجواء Control بشكل مثالي، ويبدو الآن أكثر قرباً من الواقع مع بروز اسم Control Resonant في الساحة.
الانتظار الطويل بين الإعلانات والتحديثات ليس شيئاً جديداً على Remedy، فهم عادة يعملون وفق نسق هادئ ودقيق، دون استعجال أو سباق زمني مع بقية الاستوديوهات الكبرى. اللاعبون تعودوا على هذا النسق، وربما لهذا السبب يثقون بأن أي خطوة جديدة من الاستوديو تأتي مدروسة للغاية. استوديو مثل Remedy لا يتحرك بلا سبب، ولا يطلق إسماً جديداً لمشروع إلا إذا كان يملك خطة واضحة له، سواء كان لعبة كاملة، توسعة سردية، مشروعاً تلفزيونياً مرتبطاً باللعبة، أو حتى امتداداً لعالم Control الذي أصبح يشكّل محوراً رئيسياً للهوية الجديدة للاستوديو. وإذا جمعنا هذا مع النجاح النقدي والتجاري للعبة الأصلية، فإن عودة Control تبدو خطوة منطقية ومرغوبة على حد سواء.
من جانب آخر، قد يكون لهذا التوجه ارتباط مباشر بخطط الاستوديو الرامية إلى بناء ما يشبه “الكون المشترك” الذي يجمع Control و Alan Wake في إطار واحد. هذه الفكرة لم تعد مجرد نظرية بين اللاعبين، بل أصبحت جزءاً معلناً من الخطة طويلة الأمد للاستوديو، خصوصاً بعد إطلاق Alan Wake 2 الذي حمل إشارات واضحة تربطه بعالم Control، حتى في تفاصيل صغيرة لا ينتبه إليها اللاعب إلا بعد قراءة الوثائق أو مشاهدة مشاهد معيّنة مرة أخرى. هذا الاندماج المتدرج بين العنوانين يعطي وزناً إضافياً لاحتمال أن Control Resonant ليست مجرد لعبة منفصلة، بل ربما جزء من بناء سردي أكبر.
وعلى الرغم من أن ما نملكه حالياً لا يتجاوز طلب تسجيل علامة تجارية، إلا أن ردود فعل مجتمع اللاعبين تعكس حجم الترقب القائم. كثيرون يتوقعون أن نسمع الاسم مجدداً خلال شهر دجنبر إذا ظهر الاستوديو على منصة The Game Awards، وهو احتمال وارد جداً بالنظر إلى علاقة Remedy الطويلة بالحفل. وإذا حدث هذا بالفعل، فقد نكون أمام واحدة من أكثر اللحظات إثارة خلال نهاية هذا العام، خصوصاً أن اللاعبين يبحثون دائماً عن عنوان جديد يحرّك الساحة بشكل مختلف عن بقية الألعاب المتكررة.
في النهاية، يبقى إعلان Control Resonant خطوة أولى في مسار قد يكون طويلاً، وربما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الإصدارات التي تربط عوالم Remedy بشكل أوسع. ورغم أن التفاصيل ما تزال في مرحلة الغموض، إلا أن مجرد الحديث عن المشروع يكفي لإشعال الخيال حول ما ينتظر اللاعبين. قد تكون لعبة جديدة بالكامل، أو توسعة ضخمة، أو حتى مشروع جانبي يساهم في بناء العالم الأكبر. لكن مهما كان شكل المشروع، من الواضح أن Remedy يواصل رسم ملامح مرحلة جديدة ستجمع بين الطموح السردي والتوجه السينمائي الذي تميز به دائماً. ومع ازدياد قوة هذه الاستوديوهات المتوسطة التي تتحدى الشركات العملاقة بإبداعها، قد نجد أنفسنا أمام فصل جديد يضيف المزيد من العمق إلى عالم Control الذي بدأ صغيراً، لكنه لم يعد كذلك اليوم.