الصين تُسرّع وتيرة الذكاء الاصطناعي عبر نموذج جديد من الشراكة
مع نهاية عام 2023، استطاعت الصين تجاوز فترة الركود التي عصفت بشركات الذكاء الاصطناعي عقب الجائحة، من خلال إصلاحات تنظيمية وشراكات استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص. شركات مثل DeepSeek وMoonshot AI وZhipu AI نشأت أو أعادت هيكلة نفسها بالتعاون مع مؤسسات بحثية مرموقة مثل جامعة تشينغخوا ومراكز مثل CAICT وCAC. هذه الشراكات لم تكتف بتوفير الدعم المؤسسي، بل غيّرت بشكل عميق العلاقة بين القطاع التقني والدولة، موجهة التشريعات نحو تشجيع الابتكار عوض كبحه.
وبحسب تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ، فإن الاكتفاء الذاتي في التقنيات الاستراتيجية أصبح أولوية وطنية، وهو ما ترجمته السلطات بإزالة العراقيل أمام الشركات المطورة للنماذج الأساسية، والتركيز بدلًا من ذلك على تنظيم استخداماتها، لا مراحل تدريبها.
النماذج المفتوحة تفرض واقعًا جديدًا… والعالم يراقب
نجاح النماذج الصينية مفتوحة المصدر أصبح محط أنظار عالمي. شركة DeepSeek أطلقت نموذجًا متقدمًا بتكلفة تدريب لا تتجاوز 6 ملايين دولار—أقل بكثير من منافسيه الأمريكيين مثل GPT-4. أما Moonshot AI، فقد فاجأت السوق بإصدارها الأخير “Kimi K2”، وهو نموذج ضخم بمعمارية متعددة الخبرات (MoE) يحتوي على تريليون معامل، ويتوفّر كمصدر مفتوح.
في هذا السياق، قال الرئيس التنفيذي لشركة Nvidia، جينسون هوانغ، خلال زيارته الأخيرة إلى بكين:
“النماذج الصينية اليوم ليست فقط بديلة، بل متقدمة في بعض الجوانب. إنهم يلعبون الشطرنج بثقة”.
(المصدر: رويترز)
من جهته، أشاد وزير التجارة الصيني وانغ ونتاو بالمستوى الذي بلغه الذكاء الاصطناعي المحلي، مشيرًا إلى أنه “نتاج بيئة تنظيمية تراعي التحول الصناعي، لا تُعيقه”.
واشنطن تترنح بين التقييد والسيادة التقنية
على النقيض، تعيش الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب حالة من الارتباك التنظيمي. فرغم الترحيب الأولي بنهج “اليد الخفيفة”، أدى غياب سياسة واضحة إلى إحباط مجتمع المطورين. وشهدت المرحلة الأخيرة تقليصات في التمويل الفيدرالي للبحث، وقيودًا مشددة على الهجرة، ما أثر على تدفق المواهب نحو وادي السيليكون.
وحذر ألكسندر وانغ، الرئيس التنفيذي لشركة Scale AI، في تصريحات لصحيفة نيويورك بوست من أن:
“الصين تتحرك بخطة استراتيجية، بينما نحن ما زلنا عالقين في نقاشات بيروقراطية. إننا نحتاج إلى دمج الذكاء الاصطناعي في جميع مفاصل الدولة قبل أن يفوت الأوان”.
(المصدر: NY Post)
أما هوانغ، فرأى أن القيود الأمريكية على صادرات الرقاقات مثل حظر H20 لن تمنع الصين من التقدّم، بل قد تدفعها للاعتماد الكامل على نماذجها الخاصة.
معركة التنظيم… من سيملك المستقبل؟
رغم كل هذا، لا تزال الولايات المتحدة تمتلك أوراقًا قوية. هناك جهود في الكونغرس لتوحيد التشريعات الاتحادية للذكاء الاصطناعي، وخطة البيت الأبيض (AI Action Plan) المرتقبة خلال الأسابيع المقبلة قد تحمل توجهاً أكثر وضوحًا.
لكن في المقابل، تواصل الصين تعزيز تفوقها التنظيمي، رغم ظهور مؤشرات على عودة الرقابة التدريجية. إذ أفادت تقارير تقنية أن نماذج مثل DeepSeek بدأت تتغير ردودها “في الزمن الحقيقي” عند طرح أسئلة سياسية حساسة، في إشارة إلى تدخل محتمل من هيئة CAC.
الخلاصة؟ السباق لم يُحسم بعد. لكن إن لم تتدارك الولايات المتحدة الموقف، فقد تجد نفسها تلعب دور المتفرج في مرحلة التحول الكبرى التالية لعصر الذكاء الاصطناعي.