في خطوة جديدة تسلط الضوء على عمق تفكير الشركات اليابانية الكبرى عند اتخاذ قرارات إطلاق منتجاتها عالميًا، كشفت دراسة يابانية حديثة أن Nintendo اعتمدت على منهج مزدوج في التعامل مع الطلبات المسبقة لجهاز Switch 2 في اليابان والولايات المتحدة. التحليل جاء نتيجة تعاون بين مركز ELSI في جامعة أوساكا وقسم الأبحاث التابع لمنصة Mercari، حيث ركز الباحثون على فهم الأسباب الثقافية وراء اتخاذ Nintendo قرارات مختلفة في السوقين رغم التشابه الكبير في التحديات، خاصة فيما يتعلق بالطلب المرتفع الذي فاق العرض بشكل ملحوظ.
ووفقًا للدراسة، فإن Nintendo لم تسعَ لتعظيم أرباحها عبر وسائل مثل التسعير الديناميكي أو المزادات المفتوحة، على الرغم من أن الظروف كانت ملائمة لذلك. بدلاً من ذلك، ركزت الشركة على محاولة إيصال الجهاز للاعبين الفعليين عوضًا عن السماح بتسلل المضاربين والسماسرة إلى دورة الشراء، وهو ما يظهر التزام الشركة بمبادئ تعتبرها أكثر أخلاقية في توزيع منتجاتها، بغض النظر عن المنطقة الجغرافية. هذه المقاربة بدت أكثر وضوحًا في اليابان، حيث طُبّق نظام قرعة شديدة التحديد.
Nintendo Japan اشترطت على كل من أراد الدخول في القرعة الخاصة بالطلبات المسبقة لجهاز Switch 2 أن يكون لديه حساب Nintendo فعّال منذ أكثر من سنة، بالإضافة إلى أن يكون قد أمضى على الأقل 50 ساعة من اللعب على جهاز Switch السابق. ووفقًا للدراسة، فإن هذه المعايير هدفت إلى تصفية المضاربين، وضمان أن يكون من يحصل على الجهاز بالفعل لاعبًا نشطًا وليس تاجرًا. الطريف أن الشروط نفسها طُبّقت أيضًا في الولايات المتحدة، ولكن ضمن سياق مختلف تمامًا.
في أمريكا، لم تلجأ Nintendo لنظام القرعة، بل اعتمدت على نظام الدعوات عبر البريد الإلكتروني بنمط “الأسبق فالأسبق” (first come, first served)، حيث تم منح الفرصة للمستخدمين الذين استوفوا المعايير ذاتها لكن بناءً على توقيت ردّهم وتفاعلهم مع الدعوة. الدراسة فسّرت هذا التباين في الاستراتيجية على أنه انعكاس مباشر للاختلاف الثقافي العميق بين السوقين: ففي اليابان، يُنظر إلى القرعة على أنها طريقة عادلة ومنصفة تضمن فرصًا متكافئة للجميع، وهي ممارسة مألوفة حتى في مجالات مثل شراء تذاكر الحفلات والفعاليات الرياضية. أما في الولايات المتحدة، فثقافة العمل الفردي والجهد الشخصي جعلت من نظام الأسبقية أكثر توافقًا مع ما يراه المستهلك الأمريكي معيارًا للعدالة.
ومن الملفت أن Nintendo لم تتوقف عن استخدام نظام القرعة في اليابان حتى بعد الإطلاق الرسمي لجهاز Switch 2. رغم تحسّن الإمدادات تدريجيًا، إلا أن الشركة واصلت الاعتماد على القرعة كوسيلة أساسية لتوزيع الأجهزة، وهو ما يعكس إيمانًا مؤسسيًا بجدوى هذا النموذج. مع ذلك، بدأت بعض المتاجر الكبرى مثل سلسلة Geo بالانتقال إلى نظام الأسبقية مع بداية منتصف يوليوز، وتحديدًا ابتداءً من يوم 19 يوليوز، وهو مؤشر واضح على تغيّر في آليات السوق المحلية مع استقرار العرض.
ما يثير الإعجاب في هذه الدراسة هو التركيز على أهمية البعد الثقافي عند إطلاق منتج عالمي. فبعيدًا عن الأرقام والتوقعات التجارية، فإن فهم سلوك المستهلك ومرجعيته الثقافية قد يكون العامل الحاسم في نجاح أو فشل المنتج. Nintendo، كونها شركة يابانية عريقة لها تاريخ طويل في السوقين، أظهرت في هذا السياق حسًا عاليًا بالتكيف مع البيئة الثقافية لكل بلد. فقد لا يكون النموذج الواحد ناجعًا في جميع الأسواق، ولذلك فإن تبني استراتيجيات مختلفة ليس فقط مقبولًا، بل مطلوبًا لضمان التفاعل الإيجابي مع المنتج.
في النهاية، يعكس هذا التحليل كيف أن العدالة ليست مفهومًا موحدًا عالميًا، بل هي نتيجة تركيبة ثقافية تؤثر في كيفية نظر الناس للفرص والتوزيع والمساواة. Nintendo، من خلال هذه الخطوة، لم تغيّر فقط أسلوب التوزيع، بل سلّطت الضوء على مدى عمق الفهم الثقافي المطلوب للنجاح في عالم المنتجات التقنية والترفيهية. فقد يكون الفرق بين النجاح والفشل في تفاصيل صغيرة كهذه، والقدرة على تكييف الاستراتيجية حسب السياق المحلي باتت سمة أساسية من سمات شركات التقنية العملاقة اليوم.