في خطوة مفاجئة تعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية في مجال التكنولوجيا المتقدمة، أقدمت الولايات المتحدة على تعليق صفقة بمليارات الدولارات كانت ستُتيح للإمارات العربية المتحدة اقتناء شرائح ذكاء اصطناعي عالية الأداء من شركة Nvidia وشركات أمريكية أخرى. ويأتي هذا القرار في وقت حساس، حيث تشتد المنافسة العالمية حول تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت محركًا حيويًا للاقتصاد والدفاع على حد سواء.
مصادر مطّلعة على الملف أكدت أن القرار الأمريكي لم يأتِ على خلفية توتر مباشر مع الإمارات، بل انطلق من مخاوف متزايدة لدى واشنطن من احتمال تسرب هذه الرقائق إلى الصين، سواء عبر شبكات تهريب أو عبر نقل غير مباشر للتقنية. ورغم أن المسؤولين الإماراتيين قد تعهدوا بوجود آليات صارمة لمنع إعادة تصدير هذه المكونات الحساسة، إلا أن الشكوك داخل وزارة التجارة الأمريكية والبنتاغون ما زالت قائمة، في ظل صعوبة مراقبة مسار الرقاقات بعد مغادرتها الأراضي الأمريكية.
يُذكر أن هذه الصفقة كانت ستمنح الإمارات إمكانية الوصول إلى رقاقات من طراز Nvidia H100 وA100، وهي رقائق تُعتبر الأحدث والأقوى في تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة، مثل تلك التي تعتمد عليها شركات مثل OpenAI وGoogle DeepMind. كما أن هذه التكنولوجيا تدخل في صميم تقنيات التعلم العميق، والرؤية الحاسوبية، وتحليلات البيانات المتقدمة التي تستفيد منها مجالات الأمن السيبراني، والدفاع، والطب، والتمويل.
الخطوة الأمريكية تأتي ضمن سلسلة من التدابير التي تتخذها واشنطن لتقييد وصول بكين إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت بالفعل قيودًا على صادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين منذ أكتوبر 2022، وشملت تلك الإجراءات منع بيع رقائق Nvidia المتقدمة مثل A100 وH100 إلى الشركات الصينية، إلى جانب اشتراطات صارمة في حالة التعامل مع دول ثالثة قد تعيد تصدير هذه المنتجات.
لكن الجديد في هذا التطور، هو أن واشنطن لا تستهدف بكين مباشرة هذه المرة، بل توسّع إطار التدقيق ليشمل حلفاءها في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. فقد ظهرت تقارير حديثة تفيد بأن إدارة الرئيس السابق Donald Trump تفكر الآن في فرض قيود إضافية على صادرات الرقائق إلى دول مثل ماليزيا وتايلاند، التي تنمو بسرعة في قطاع تصنيع الإلكترونيات، لكن دون وجود ضمانات أمنية كافية تريح صانعي القرار الأمريكيين.
في مقابل ذلك، عبّرت الإمارات عن “خيبة أملها” من هذا التعليق، مؤكدة أن استثماراتها في قطاع الذكاء الاصطناعي تستند إلى شراكات استراتيجية شفافة مع شركات أمريكية وغربية، مشيرة إلى أنها ليست وسيطًا لنقل التكنولوجيا إلى جهات ثالثة. أما في السعودية، فقد أشار مسؤولون حكوميون إلى أن هناك تعاونًا قائمًا مع شركات أمريكية مثل IBM وMicrosoft وNvidia في بناء مراكز بيانات متطورة ومشاريع حوسبة سحابية، وأن تلك الشراكات تخضع لرقابة واضحة ومعلنة.
هذا التوتر يُبرز حجم التعقيد في التعامل مع التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، حيث أن نفس الرقائق التي تُستخدم لتدريب نماذج لغوية متقدمة يمكن استخدامها في تطبيقات عسكرية حساسة مثل الطائرات المسيرة، وأنظمة المراقبة، وأسلحة الحرب الإلكترونية. وهو ما يدفع الولايات المتحدة إلى تبني سياسة “التحكم في التكنولوجيا” باعتبارها أداة استراتيجية في التنافس الجيوسياسي مع الصين، لا تقل أهمية عن العقوبات الاقتصادية أو التحالفات العسكرية.
ومن المتوقع أن تؤثر هذه الخطوة الأمريكية على خطط الدول الخليجية التي تسعى إلى التحول إلى مراكز عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أن الوصول إلى الرقائق المتقدمة يُعد أساسًا لأي تطور حقيقي في هذا المجال. ومع سعي الإمارات والسعودية إلى تقليص الاعتماد على النفط وبناء اقتصادات قائمة على المعرفة، فإن حرمانها من هذه التكنولوجيا قد يُبطئ من طموحاتها في هذا الاتجاه.
وتبقى الأنظار متجهة إلى نتائج المشاورات الجارية بين الجانبين، في محاولة لإيجاد صيغة توافقية تسمح باستمرار الشراكات التقنية، مع الحفاظ على مخاوف الأمن القومي الأمريكي. لكن في ظل التجاذبات المتصاعدة بين واشنطن وبكين، فإن التكنولوجيا قد تكون الضحية الأولى في هذا الصراع المعقد والمفتوح على احتمالات متعددة.