في خطوة وُصفت بالتاريخية داخل أوساط عشاق الألعاب، أعلنت شركة Nintendo عن افتتاح أول متجر مؤقت لها في لندن خلال خريف سنة 2025، لتمهد الطريق نحو حضورٍ أوروبي طال انتظاره لعلامتها التجارية العريقة. فمنذ عقود، ارتبط اسم الشركة اليابانية بأساطير مثل Super Mario وThe Legend of Zelda وPokémon وDonkey Kong، لكن المفارقة أن أوروبا — رغم جماهيرها العريضة — لم تحظَ أبدًا بمتجر رسمي دائم تابع للشركة. والآن، يبدو أن لندن ستكون المحطة الأولى لتغيير هذه المعادلة.
يُفتتح المتجر المؤقت في الفترة الممتدة من 22 أكتوبر إلى 16 نونبر 2025، في الطابق الأرضي من مركز Westfield London التجاري بمنطقة Shepherd’s Bush (Ariel Way، W12 7GF). واختيار هذا المكان ليس عشوائيًا؛ فهو أحد أكثر المراكز التجارية ازدحامًا في العاصمة البريطانية، حيث يتقاطع جمهور التسوق العادي مع عشاق التقنية والألعاب، ما يمنح التجربة طابعًا حيًا يجمع بين الثقافة الشعبية والتجارية في آنٍ واحد.
الحدث بحد ذاته يمثل أول ظهور رسمي لـNintendoبهذا الشكل في القارة الأوروبية، وهو ما يُعتبر لحظة رمزية تعبّر عن ثقة الشركة في توسّعها العالمي، وتؤكد على أهمية السوق البريطانية داخل استراتيجيتها المستقبلية.
ورغم أن مدة المتجر لا تتجاوز أربعة أسابيع تقريبًا، إلا أن الشركة تعاملت معه كما لو أنه متجر دائم، من حيث الإعداد والعرض والتفاصيل الدقيقة في التصميم الداخلي.
فالمتجر المؤقت، الذي أُطلق عليه رسميًا Nintendo POP-UP STORE in LONDON، سيُقدّم تجربة فريدة لا تقتصر على بيع المنتجات، بل تمتد إلى خلق فضاء تفاعلي يمكن للزوار فيه لمس جزء من “عالم Nintendo” المليء بالألوان والشخصيات والألحان التي رافقت الطفولة والمراهقة لجيلٍ كامل من اللاعبين.
من بين ما سيعرضه المتجر تشكيلة واسعة من المنتجات الرسمية: ميداليات، دبابيس، سلاسل مفاتيح، ملابس، حقائب، ومنتجات منزلية تحمل تصاميم مستوحاة من أشهر عناوين Nintendo. اللافت أن معظم هذه المنتجات لا تتوفر عادة إلا في المتاجر الدائمة للشركة في طوكيو وأوساكا وكيوتو داخل اليابان، أو في فرعيها الأمريكيين في نيويورك وسان فرانسيسكو. لذا فالمتجر المؤقت في لندن سيشكّل بالنسبة لعشاق العلامة في المملكة المتحدة وأوروبا فرصة نادرة لاقتناء بضائع حصرية دون الحاجة للسفر إلى الخارج أو الاعتماد على الشحن الدولي المكلف.
المتجر أيضًا سيكون بمثابة معرض مصغر يحتفي بأشهر شخصيات وألعاب الشركة.
فزوار المتجر سيجدون أنفسهم محاطين بعوالم مألوفة: من Super Mario وLuigi اللذين يقفزان بين الأنابيب الخضراء، إلى Donkey Kong وهو يتأرجح على البراميل، مرورًا بعوالم The Legend of Zelda المليئة بالأسرار والمغامرات، وصولًا إلى الهدوء المفعم بالدفء في Animal Crossing، وروح الإبداع اللوني في Splatoon، والمغامرات الوردية المبهجة لشخصية Kirby.
إنها بانوراما متكاملة لعوالم Nintendo تمتد على أرفف المتجر وتُجسّد ذاكرةً جمعية لعقود من الإبداع الياباني في عالم الترفيه الرقمي.
ومع أن الحدث يبدو احتفاليًا بالدرجة الأولى، فإن Nintendo لم تترك شيئًا للصدفة من حيث التنظيم. فقد أعلنت أن زيارة المتجر خلال أسبوع الافتتاح (من 22 إلى 26 أكتوبر) ستتطلب الحجز المسبق عبر نظام إلكتروني يفتح أبوابه يوم 7 أكتوبر، حيث يمكن للزائرين اختيار اليوم والساعة المناسبة ضمن جدول الافتتاح.
هذه الخطوة — رغم بساطتها — تعبّر عن حرص الشركة على تجنّب الازدحام وضمان تجربة مريحة وآمنة للجميع، خاصة وأن الإقبال المتوقع سيكون كبيرًا بالنظر إلى مكانة العلامة في أوساط اللاعبين البريطانيين.
ابتداءً من 27 أكتوبر، لن يكون الحجز ضروريًا، إذ سيتحول الدخول إلى نظام الطوابير التقليدي حتى نهاية فترة المتجر المؤقت في 16 نونبر. ورغم أن الانتظار قد يكون طويلاً في بعض الأيام، إلا أن التوقعات تشير إلى أن كثيرين سيعتبرون الزيارة “رحلة حج ننتندية” لا تُفوّت — نوع من العودة إلى الطفولة، حيث تُعيدك الألوان والملصقات والموسيقى إلى لحظات بسيطة كانت فيها متعة اللعب هي الغاية الوحيدة.
ومن المثير أن افتتاح المتجر يتزامن مع فترة حيوية في أجندة الشركة. فحسب المتابعين، تستعد Nintendo لإطلاق موجة جديدة من العناوين الكبرى قبل نهاية السنة المالية، إضافة إلى استمرار الشائعات حول الجيل القادم من جهاز Nintendo Switch 2. لذلك يرى بعض المحللين أن المتجر المؤقت ليس مجرد مبادرة تسويقية معزولة، بل جزء من استراتيجية ترويجية أوسع تهدف إلى إعادة إشعال الحماس حول العلامة في الأسواق الأوروبية قبل أي إعلان رئيسي مستقبلي.
ويشير مراقبون إلى أن نجاح التجربة قد يفتح الباب أمام متجر دائم في لندن أو باريس خلال السنوات المقبلة، خصوصًا وأن سوق الألعاب في أوروبا يشهد نموًا مطّردًا.
ويكفي النظر إلى الشعبية الواسعة التي تحظى بها سلاسل مثل Mario Kart وZelda وPokémon لتفهم حجم الطلب الكامن في المنطقة. ففي السنوات الأخيرة، أصبحت معارض الألعاب الكبرى مثل Gamescom في ألمانيا وEGX London في بريطانيا منصات محورية لإعلانات Nintendo، إلا أن غياب متجر رسمي دائم ظلّ يشكّل فجوة واضحة في علاقة الشركة بجمهورها الأوروبي.
من جهة أخرى، يُتوقع أن يستقطب المتجر المؤقت جمهورًا متنوعًا لا يقتصر على اللاعبين المخضرمين.
فالكثير من الزوار سيكونون عائلات وأطفالًا يبحثون عن تجربة مرحة ومختلفة.
المنتجات التي تحمل شخصيات مثل Kirby وAnimal Crossing بطابعها اللطيف تُعد مثالية للهدايا التذكارية، بينما ستجذب ملابس The Legend of Zelda وSplatoon الفئات الشابة التي تعتبر الموضة والألعاب وجهين لعملة واحدة.
ومن المرجّح أن يوفّر المتجر أيضًا نقاطًا مخصصة للصور التذكارية، وربما عروضًا مؤقتة تفاعلية كما حدث في متاجر Nintendo NYC سابقًا.
في خلفية هذا الحدث، يبرز سؤال منطقي: لماذا الآن؟ ولماذا لندن بالتحديد؟
الجواب يكمن في مزيج من العوامل الاقتصادية والثقافية. فبعد فترة من الانكماش في تجارة التجزئة، تشهد العاصمة البريطانية موجة انتعاش ملحوظة، خاصة في مراكز التسوق الكبرى مثل Westfield، التي أصبحت لا تكتفي بالعلامات التجارية التقليدية، بل تستضيف فعاليات وتجارب مؤقتة لجذب الزوار.
من جانب آخر، فإن الجالية اليابانية في لندن إلى جانب الحضور القوي لثقافة الأنمي وألعاب الفيديو جعلت من المدينة أرضًا خصبة لأي مشروع يحمل هوية يابانية. ومن هنا تأتي رمزية المتجر الذي يجمع بين شرقٍ وإبداعٍ غربي في قلب واحدة من أكثر المدن عالميةً على الكوكب.
وفي حديثٍ غير رسمي لأحد ممثلي Nintendo UK نُقل عن مصدر محلي، قال:
“نحن نعلم أن لدى جمهور المملكة المتحدة شغفًا استثنائيًا بعلامتنا، وهدفنا من المتجر المؤقت هو أن يشعر الزائر وكأنه دخل عالم Nintendo الحقيقي، ولو لبضع دقائق فقط.”
هذه العبارة تختصر الفلسفة الكامنة وراء المشروع: التجربة أولاً، والمبيعات تأتي لاحقًا. فالمتجر ليس مجرد مكان للشراء، بل مساحة تُمكِّن الزائر من عيش الخيال الواقعي لعالم Nintendo، واستحضار ذكرياتٍ ارتبطت بألعابٍ شكلت وجدان أجيال كاملة من اللاعبين.
وفي حين أن تفاصيل الديكور الداخلي لم تُكشف بالكامل بعد، تُشير بعض التسريبات إلى أن التصميم سيعتمد على مزيج من الألوان الحمراء والبيضاء المميزة لهوية الشركة، مع شاشات ضخمة تعرض لقطات من ألعاب حديثة مثل Super Mario Bros. Wonder وThe Legend of Zelda: Tears of the Kingdom، إضافة إلى مجسمات ضخمة لشخصيات محبوبة. هذه اللمسات ستجعل المتجر وجهة مثالية للصور ووسائل التواصل الاجتماعي، ما يمنح الحدث انتشارًا رقميًا يوازي انتشاره الواقعي.
من الناحية التسويقية، تُمثّل التجربة اختبارًا مهمًا لاستراتيجيات Nintendo في ما يُعرف بـ”البيع الغامر” (immersive retail)، أي الجمع بين التسوق والترفيه والتفاعل المباشر. فبدلاً من عرض المنتجات في أرفف جامدة، تسعى الشركة إلى خلق تجربة حسّية تربط المستهلك بعلامتها من خلال المشاعر والذكريات. وهي مقاربة أثبتت نجاحها في اليابان والولايات المتحدة، وقد تكون لندن المحطة الأوروبية الأولى لتطبيقها على نطاق أوسع.
ولا يمكن تجاهل التأثير الثقافي لهذا الافتتاح. فالأمر يتجاوز حدود التجارة إلى تعزيز حضور الثقافة اليابانية في المشهد الغربي. فكما كانت مطاعم السوشي والأزياء اليابانية رموزًا للحداثة العالمية قبل عقدين، تُصبح الآن ألعاب Nintendo جزءًا من التراث المشترك لجيلٍ عالمي تربّى على الأجهزة المحمولة وألعاب الكرتون الرقمي.
إن افتتاح هذا المتجر في لندن ليس مجرد حدث محلي، بل هو إعلان رمزي عن اندماج عالمي للثقافة الترفيهية تحت راية واحدة: راية اللعب.
وإذا ما حققت التجربة نجاحًا لافتًا — وهو أمر شبه مؤكد — فقد نرى نسخًا مشابهة في مدن أوروبية أخرى مثل باريس أو برلين أو مدريد خلال العامين المقبلين. وربما تكون هذه الخطوة مقدمة لافتتاح Nintendo Store Europe كعلامة دائمة تعزز وجود الشركة في القارة العجوز، تمامًا كما فعلت مع Nintendo NYC التي أصبحت مزارًا سياحيًا بحد ذاتها.
في نهاية المطاف، يُمكن القول إن متجر Nintendo المؤقت في لندن ليس مجرد حدث موسمي، بل خطوة رمزية ضمن مشروع طويل المدى يرمي إلى إعادة صياغة العلاقة بين الشركة وجمهورها الأوروبي.
فبين دفء الذكريات ورغبة الجيل الجديد في لمس ما كان يومًا جزءًا من أساطير طفولته، تجد Nintendo طريقها من جديد إلى القلوب قبل المحافظ، في رحلةٍ يبدو أنها لم تنتهِ بعد.