خسرت صناعة ألعاب الفيديو اليابانية اليوم أحد أكثر أسمائها تفرّدًا وإثارة للجدل، بعد الإعلان رسميًا عن وفاة المطوّر الياباني الشهير Tomonobu Itagaki، القائد السابق لفريق التطوير Team Ninja، والعقل الإبداعي وراء سلاسل مثل Dead or Alive وNinja Gaiden. رحل Itagaki عن عالمنا عن عمرٍ ناهز 58 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا يصعب نسيانه في ذاكرة اللاعبين حول العالم.
كان Itagaki أحد أبرز الشخصيات التي شكّلت ملامح الألعاب القتالية والحركية خلال أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، إذ كان يتمتع بشخصية فريدة تجمع بين الغرور الإبداعي والثقة المفرطة بنفسه، وهي السمات التي جعلت منه رمزًا مثيرًا للجدل داخل الصناعة. لم يكن مجرد مطوّرٍ يكتب الأكواد خلف الكواليس، بل كان حاضرًا دائمًا في المؤتمرات والمقابلات بإطلالته المميزة — نظاراته الشمسية السوداء، شعره الطويل، والسيف الذي كان يحمله في أغلب الصور الرسمية كأنه أحد شخصياته من Ninja Gaiden.
عرفه العالم أولًا عبر سلسلة Dead or Alive التي قدمت تجربة قتالٍ ديناميكية تعتمد على السرعة والتكتيك، إلى جانب أسلوب الرسومات الجريء آنذاك. ثم واصل تألقه مع إعادة إحياء Ninja Gaiden عام 2004 على منصة Xbox، حين أعاد تعريف معنى ألعاب الأكشن الصعبة والمليئة بالتحدي. كانت اللعبة حينها تجسيدًا واضحًا لروح Itagaki المتمردة، التي لا ترضى بالسهولة أو التنازل عن الجودة.
https://x.com/TeamNINJAStudio/status/1978756897231798606
ورغم أن السنوات الأخيرة من مسيرته لم تحمل مشاريع ضخمة كما في الماضي، إلا أن حضوره ظل حاضرًا في ذاكرة كل من عاش جيل PlayStation 2 وXbox. فقد كان من المطورين القلائل الذين تعاملوا مع الألعاب كفنٍ شخصي أكثر من كونها منتجًا تجاريًا، وكان يقول دائمًا إن اللعبة الناجحة هي التي “تجعل اللاعب يصرخ فرحًا بعد الانتصار أو يغضب بشدة عند الهزيمة.”
في سنة 2008، غادر Itagaki شركة Tecmo بعد خلافات قانونية تتعلق بحقوقه كمبدع ومكافآته على النجاحات التي حققتها سلسلتا Dead or Alive وNinja Gaiden. وبعدها أسس استوديوه الخاص باسم Valhalla Game Studios، حيث عمل على تطوير لعبة Devil’s Third التي صدرت لاحقًا على Wii U سنة 2015، لكنها لم تحقق النجاح التجاري الذي كان يأمله. ورغم الإخفاق، لم يفقد Itagaki حماسه، بل ظل يدافع عنها ويعتبرها “نتاج شغف، لا أرقام مبيعات”.
رحل الرجل بصمتٍ في السنوات الأخيرة، مبتعدًا عن الأضواء ومفضّلًا العمل على مشاريع صغيرة واستشارات تطويرية داخل اليابان. ومع ذلك، ظل احترامه حاضرًا بين محبي الصناعة الذين رأوا فيه رمزًا لحقبة لم تعد موجودة — حقبة المطورين الذين يعيشون ألعابهم بكل تفاصيلها، ويؤمنون أن كل حركة وسيف وضربة تحمل فلسفة خاصة.
اليوم، أعلن الحساب الرسمي لفريق Team Ninja عبر منصة X (تويتر سابقًا) خبر وفاته بكلمات مؤثرة، معبّرًا عن تقديرهم الكبير للرجل الذي أسس لهم هوية الفريق التي لا تزال مستمرة حتى اليوم. وجاء في البيان:
“لقد فقدنا قائدًا ومعلمًا ألهمنا جميعًا. Tomonobu Itagaki لم يكن مجرد مدير، بل كان قلب Team Ninja النابض. إرثه سيبقى خالدًا في كل لعبة نصنعها.”
اللاعبون من مختلف أنحاء العالم تفاعلوا مع الخبر بحزنٍ شديد، وتدفقت التعليقات التي تستذكر أيام المجد في Ninja Gaiden Black وDead or Alive 2، تلك الألعاب التي عرّفت جيلاً كاملًا على معنى التحدي الحقيقي. كتب أحد المعجبين: “لقد تعلمت من Itagaki أن الغضب بعد الخسارة ليس فشلًا، بل جزء من التجربة.” كلمات بسيطة لكنها تلخص تمامًا فلسفة الرجل في التصميم، التي كانت تقوم على جعل اللاعب يشعر بكل لحظة في اللعبة كما لو كانت معركة حقيقية.
من الصعب تخيل تاريخ Team Ninja دون Itagaki. فأسلوب الفريق في القتال السريع والمواجهات الحادة، وحتى جرأته في طرح الشخصيات الأنثوية بقوةٍ غير مسبوقة آنذاك، كلها تعود إلى رؤيته الخاصة. كثيرون يرون أنه رغم خلافاته مع إدارة Tecmo، إلا أن بصمته لا تزال واضحة في أعمال الفريق الحديثة مثل Nioh وWo Long: Fallen Dynasty، التي تحمل صدى تلك الروح القتالية التي أسسها.
برحيله، تفقد الصناعة اليابانية واحدًا من آخر رموزها “المتمردين” الذين لم يخشوا قول رأيهم علنًا أو تحدي قواعد السوق. كان دائمًا يصف نفسه بأنه “آخر الساموراي” في عالم الألعاب، وهي عبارة لم تكن مجازًا بقدر ما كانت انعكاسًا لطريقته في العيش والتفكير. ربما لم يكن محبوبًا من الجميع، لكنه كان صادقًا مع نفسه ومع جمهوره.
يبقى إرث Tomonobu Itagaki شاهدًا على مرحلةٍ من الإبداع النقي، حين كانت الألعاب تُصنع بالشغف والجنون قبل أن تتحكم الأرقام في كل شيء. وسيظل صوته يتردد في ذاكرة من أحبوا أعماله، تمامًا كما يتردد صدى سيوف Ryu Hayabusa في الظلام.
رحم الله المبدع الذي علمنا أن وراء كل معركة رقمية، هناك قلبٌ نابض بالإصرار والشغف.