في عالم ألعاب الفيديو الذي لا يتوقف عن مفاجأتنا كل يوم، تستعد لعبة ARC Seed لتشق طريقها أخيرًا نحو جهاز PlayStation 5، بعد أن قضت فترة طويلة في طور التطوير، وظهرت أولًا على منصة الحاسب الشخصي خلال شتنبر الماضي. ناشر اللعبة ImaginationOverflow وفريق التطوير Massive Galaxy Studios أكدا رسميًا أن الإصدار سيصل إلى لاعبي PS5 في الـ13 من نونبر المقبل، وبسعر 19.99 دولار، ما يعني أنها تدخل المنافسة فعليًا ضمن فئة الألعاب الاستراتيجية التكتيكية ذات السعر المتوسط، وهي فئة أصبحت محبوبة جدًا خصوصًا لمحبي التجارب الذهنية المركّزة بعيدًا عن ضغط ألعاب الأكشن السريعة. يبدو أن الجمهور الذي يستمتع بألعاب مثل Into the Breach و FTL سيجد نفسه أمام تجربة تحمل روحًا مشابهة ولكن بطابع خاص، يجمع بين نظام تعاقب الأدوار (Turn-Based) وعناصر التوليد التلقائي (Procedural Generation) التي تمنح كل محاولة لعب لمسة جديدة ومختلفة. الفكرة ببساطة؟ كل مرة تدخل فيها إلى ساحة القتال، تجد تفاصيل خريطة مختلفة، أعداء بأساليب جديدة، ومفاجآت قد تغيّر خطتك بالكامل، وهذا بالضبط ما يجعل الألعاب التكتيكية تبدو وكأنها شطرنج مستقبلية لا تشبه نفسها مرتين.
عندما نتحدث عن ألعاب تجمع بين التخطيط العميق وعناصر الخيال العلمي، غالبًا ما يخطر ببالنا أسماء عملاقة مثل XCOM أو Battletech، لكن ARC Seed لا تحاول تقليد تلك العناوين بقدر ما تسعى إلى تقديم هويتها الخاصة. العالم الذي تقدمه اللعبة مستقبلي وغريب، بطابع فنّي يقترب من الذكاء الاصطناعي التجريدي وأسلوب ألعاب الـpixel sci-fi المدهشة بصريًا رغم بساطتها. ما يميز التجربة هنا ليس فقط الرسومات أو موسيقى الأجواء الهادئة المشوبة بالتوتر… بل الطريقة التي تجبرك بها اللعبة على التفكير في كل خطوة وكأنها حركة فارقة قد تحدد مصير حملة كاملة. تخيّل أنك في مهمة إنقاذ كوكب صغير محاصر بقوة غامضة، وكل وحدة تتحرك لديك ليست مجرد قطعة عسكرية، بل مورد نادر، وكل قرار ـ سواء كان هجومًا مباشرًا أو خطوة دفاعية أو حتى تراجعًا إستراتيجيًا ـ قد يرسم مصير الفريق كله.
واحدة من النقاط المثيرة للاهتمام أن اللعبة خرجت من مرحلة الـEarly Access بعد أكثر من عام من تحسينات مستمرة بناءً على آراء اللاعبين على الحاسب. هذا يعني أننا لا نتعامل مع إصدار متسرّع، بل لعبة نضجت عبر التجربة وردود الفعل الحقيقية من مجتمع اللاعبين. صحيح أن فئة الألعاب التكتيكية ليست التي تتصدر “الترند” مثل ألعاب الأكشن التنافسية أو ألعاب العالم المفتوح الضخمة، لكنها تملك جمهورًا مخلصًا يحب التحدّي الحقيقي والتفكير العميق. وإذا أضفنا لهذا أن اللعبة ستصل الآن لمنصة PS5 مع تحسينات مخصصة للجهاز، فمن الواضح أن Massive Galaxy Studios يرغب في توسيع قاعدة لعبته بشكل حقيقي هذه المرة، خاصة وأن جمهور PlayStation معروف بحبه للألعاب المستقلة التي تملك أفكارًا مبتكرة وتقديمًا فنّيًا مميزًا. أحد ممثلي الفريق عبّر عن رؤية المشروع قائلاً: “نريد للاعب أن يشعر بأن كل معركة في ARC Seed ليست مجرد تكرار… بل تجربة جديدة تختبر قدرته على التكيف والتفكير تحت الضغط.”
السؤال الذي قد يطرحه البعض الآن: هل ستنجح ARC Seed في تمييز نفسها ضمن مكتبة PS5 المليئة بالألعاب الكبيرة؟ الواقع يقول أنّ اللاعبين أصبحوا أكثر انفتاحًا من أي وقت مضى على تجارب الإندي التي تقدم أفكارًا فريدة، بل إننا نشهد اليوم موجة من العودة إلى الألعاب التكتيكية، خاصة تلك التي تعتمد على العمق بدل المؤثرات الضخمة. يكفي أن نرى نجاح ألعاب مثل Slay the Spire، Tactics Ogre Reborn أو حتى عناوين أصغر حجماً مثل HighFleet لنعرف أن هناك جمهورًا يبحث عن هذه النوعية من التجارب التي تمتحن العقل بدل رد الفعل السريع. ومع التوجّه الجديد من Sony لدعم المزيد من مشاريع الإندي وجلبها إلى منصاتها، فالفرصة تبدو مناسبة للغاية لـ ARC Seed لتختبر حظها وتثبت وجودها. لا ننسى أيضًا أن الفترة المقبلة مزدحمة بالإصدارات، ومع ذلك هناك دائمًا مساحة للعبة جيدة إذا استطاعت أن تجد طريقها إلى قلوب اللاعبين — وربما توصيات المجتمعات المهتمة بالشطرنج الإلكتروني والاستراتيجية الدقيقة ستلعب دورًا مهمًا في انتشار الاسم.
في النهاية، يمكن القول أن ARC Seed تمثل مثالًا آخر على أن عالم الألعاب لا يزال مليئًا بالأفكار الطازجة، وأن الإبداع لا يقتصر على الشركات العملاقة أو الميزانيات الضخمة. لعبة تجمع بين تفكير عميق، أجواء مستقبلية، وجمالية فنية مختلفة، وتصل في وقت يبحث فيه اللاعبون عن شيء يكسر الروتين ويعيدهم إلى تجربة لعب هادئة… لكنها متوترة في نفس الوقت. إذا كنت من عشّاق الألعاب التي تجعلك تفكر مليًا قبل الضغط على الزر التالي، فربما عليك وضع الـ13 نونبر على تقويمك وتجهيز نفسك لتجربة قد تبدو بسيطة من الخارج، لكنها مليئة بالطبقات والأفكار تحت السطح. وربما أنت مثل كثيرين ممن يحبون جلسة هادئة في الليل مع لعبة تفكير تجعل الدماغ يشتغل بدل الصراخ في الشات… وقتها، ARC Seed قد تكون رفيقة الأمسيات المقبلة على جهاز PS5.