عندما تحولت الدعاية لألعاب الفيديو إلى قطعة جلد حقيقية: قصة ملصق Fatal Fury 3

قد يبدو الحديث عن مادة صنع ملصق ترويجي أمراً عادياً، لكن حين نتعمق في التفاصيل التي أحاطت بحملة لعبة Fatal Fury 3 خلال سنوات التسعينات، ندرك أننا أمام حالة نادرة ومثيرة للاهتمام في عالم الدعاية لألعاب الفيديو. ففي إحدى المناسبات التي لا تزال عالقة في ذاكرة الجمهور الياباني، كُشف أن الملصق الدعائي للعبة لم يكن مجرد ورق أو قماش كما اعتدنا، بل صُنع من جلد حقيقي. هذه المعلومة أُعيد تداولها بشكل واسع في اليوم الياباني المخصص للاحتفاء بالجلد في فاتح novembre، وهي مناسبة تُعرف في اليابان باسم “يوم الجلد الجيد”. ربما يبدو ذلك كحيلة غريبة، لكن لهذا القرار الكثير من الدلالات التي تستحق التأمل وبناء قصة كاملة حولها.

في منتصف حقبة التسعينات، كانت شركة SNK في ذروة مجدها، بعد أن رسخت نفسها كإحدى أبرز شركات تطوير ألعاب القتال بفضل عناوين مثل Fatal Fury و Art of Fighting و The King of Fighters. المنافسة كانت مشتعلة، ووجود أسماء كبرى مثل Capcom على الساحة جعل الجانب التسويقي لا يقل أهمية عن جودة اللعبة نفسها. لهذا السبب حاولت الشركة أن تُعبر عن هوية سلسلة Fatal Fury بأسلوب فريد، فاختارت الجلد الحقيقي ليكون مادة الملصق، كإشارة إلى الصلابة والواقعية وروح الشوارع التي تُجسدها السلسلة عموماً وشخصياتها مثل Terry Bogard و Andy Bogard و Joe Higashi. فكرة الجلد في المشهد الترويجي كانت تعبيراً بصرياً قوياً يوصل إحساساً بالعالم القاسي الذي تدور فيه اللعبة. في زمن لم تكن فيه الحملات الرقمية هي المسيطرة، كانت مثل هذه الخطوات جزءاً من منافسة شديدة تعتمد على الإبداع والجاذبية البصرية واللمسة الحرفية.

إن النظر إلى الملصق الجلدي من زاوية ثقافية يجعل الأمر يبدو أكثر عمقاً. اليابان معروفة بحرفييها وباهتمامها بجودة المواد، سواء في صناعات تقليدية أو حتى في أشياء تبدو بسيطة كالإعلانات. صناع القرار في SNK كانوا يريدون إرسال رسالة لافتة إلى الجمهور تقول إن السلسلة ليست مجرد لعبة قتال، بل تجربة ذات لُب قوي ومتين، أشبه بسترة جلدية تحمل هوية صاحبها وتعبر عن شخصيته. من جهة أخرى، كان هناك تنافس حقيقي مع عمالقة المجال، لذلك كل تفصيلة كانت محسوبة. لم يكن السوق حينها مزدحماً بالإعلانات على المنصات الاجتماعية مثل اليوم، فكان على الشركات أن تبحث عن أفكار ملموسة تترك أثراً وتُثير دهشة محبي الألعاب. لنتخيل المشهد: لاعب يرى ملصقاً جلدياً في متجر ألعاب أو مجلة مختصة؛ شعور باللمس والواقعية، والرسالة تصل فوراً. قد نجد أنفسنا نبتسم ونحن نتذكر كيف كان ذلك العصر يعتمد على عناصر حسية لا يمكن محاكاتها رقمياً.

https://x.com/SNKPofficial_jp/status/1985149934300176629

من زاوية أخرى، يمكن القول إن هذا النوع من التسويق له تأثيرة الخاص على الانطباع العام حول الألعاب في تلك الفترة. إذا كنت متابعاً شغوفاً لعالم ألعاب القتال، ربما تتذكر كيف أن سلسلة Fatal Fury كانت تُنظر إليها دائماً كأخت أكثر “نضجاً” و”صلابة” مقارنة ببعض العناوين الأخرى. كان هناك شيء في طريقة تصوير الشخصيات وعرضهم يجعلهم أقرب لشخصيات أفلام قتال الشوارع. اختيار جلد حقيقي للملصق لم يكن مجرد لمسة فنية؛ كان امتداداً لروح اللعبة. ومهما بدا الأمر مبالغاً فيه اليوم، فإنه كان خطوة جريئة وقتها. كثيرون قد يتساءلون الآن عن مدى جدوى مثل هذه الخطوة، لكن التأثير النفسي والجمالي الذي تُحدثه تجربة كهذه لدى الجمهور لا يمكن إنكاره. حتى من منظور تسويقي عصري، هذه الفكرة كانت يمكن أن تصبح ترند بسهولة لو حدثت في عصر السوشial media. من الطريف أن بعض اللاعبين يفتخرون اليوم بامتلاك هذا الملصق النادر كقطعة تذكارية، ليس فقط لأنه متعلق بلعبة كلاسيكية، بل لأنه يجسد لحظة من زمن الجرأة التسويقية.

“أحياناً، التفاصيل الصغيرة التي تبدو غريبة هي التي تجعل قصة لعبة أو شركة تعيش في ذاكرة الناس.” هذه العبارة تُلخص تماماً فكرة الملصق الجلدي. ليس كل يوم نسمع عن إعلان لعبة قتال مصنوع من جلدة حقيقية، وهذه اللمحة التاريخية تُذكرنا بأن عالم الألعاب لم يكن مجرد خطوط كود وأزرار ضغط، بل كان أيضاً منصّة للإبداع والتجريب، حتى في تفاصيل تبدو بسيطة. بعض اللاعبين اليوم يميلون إلى رومانسية الماضي ويقولون إن ذلك الزمن كان زمن الشغف قبل أن تتحول الصناعة إلى وحش تجاري ضخم. ربما في هذا الكلام شيء من المبالغة، لكن لا شك أن التسعينات كانت فترة ذهبية حملت طابعاً خاصاً. واليوم، حين نرى إعادة إحياء سلسلة Fatal Fury من خلال مشروع Fatal Fury: City of the Wolves، تظهر هذه الذكريات على السطح وتُعيد معها روح ذلك العصر. وبينما تتطور التقنيات وتصبح الحملات الدعائية أكثر ذكاءً وجرأة، يبقى هناك سحر خاص لأيام الملصقات الجلدية الحقيقية التي وُضعت بحرفية لشد الأنظار.

تاريخ الألعاب مليء بقصص مشابهة، لكنها نادراً ما تكون مرتبطة بخامات ملموسة تدمج بين الفن والصنعة التقليدية. معظم الحملات الحديثة تعتمد على المؤثرات الرقمية، التعاون مع المؤثرين، أو الإعلانات داخل المنصات الترفيهية. أما حين نعود لتلك الحقبة، نرى مزيجاً من البساطة والابتكار، حيث لم يكن هناك خوف من المغامرة. ما يهم هنا ليس فقط الترويج للعبة، بل خلق علاقة وجدانية بين المنتج والجمهور. ربما لم يكن هذا الملصق هو العامل الوحيد في نجاح اللعبة، لكن من المؤكد أنه ساهم في تشكيل صورة مميزة حولها. والأجيال الجديدة من اللاعبين التي تسمع اليوم عن هذه القصة تكتشف أن عالم الألعاب ليس مجرد منافسة تقنية، بل هو مساحة للفن أيضاً. وفي النهاية، يظل الملصق الجلدي جزءاً من ذاكرة SNK وقاعدة اللاعبين الذين عاشوا تلك التجربة، كما يظل مثالاً على أن حب الألعاب كان يُترجم أحياناً بأفكار تتجاوز المعتاد بكثير.

Related posts

EA تؤكد استقلالها الإبداعي رغم صفقة الاستثمار: اللاعبون أولاً دائماً

أربعون عاما من المغامرة: كيف تحافظ Nintendo على أسطورة Mario؟

مكتب براءات الاختراع الياباني ترفض بعض دعاوى Nintendo ضد Palworld