شهد المغرب صباح الجمعة 7 نونبر 2025 حدثًا يُعد من أهم المحطات في مسار التحول الرقمي بالمملكة، حيث أعلن الفاعلون الثلاثة في قطاع الاتصالات، وهم اتصالات المغرب وأورنج المغرب وإنوي، عن الإطلاق الرسمي لشبكة الجيل الخامس (5G)، في خطوة طال انتظارها من قبل المستخدمين والخبراء على حد سواء. هذه الانطلاقة تمثل بداية مرحلة جديدة تفتح الباب أمام عصر الاتصالات فائقة السرعة، وتؤسس لتحول نوعي في طريقة استخدام الإنترنت والخدمات الرقمية داخل البلاد.
منذ الساعات الأولى لهذا الإعلان، تفاعل مستخدمو الشبكات الاجتماعية مع الخبر بشكل واسع، وعبّر كثيرون عن حماسهم لتجربة السرعات الجديدة التي تتجاوز، بحسب تصريحات الشركات، حاجز 2 جيغابايت في الثانية. هذه السرعة لا تقتصر على التصفح أو تحميل المحتوى، بل تشمل أيضًا مجالات متقدمة مثل البث الحي بدقة 4K والألعاب الإلكترونية عبر السحابة (Cloud Gaming) دون أي تأخير. ووفقًا للمعلومات الرسمية، فإن التغطية في مرحلتها الأولى تشمل المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس، وطنجة، على أن يتم توسيعها تدريجيًا لتشمل باقي المدن المغربية خلال الأشهر المقبلة.
وأكدت اتصالات المغرب في بلاغ رسمي أن شبكتها أصبحت جاهزة لاستقبال مستخدمي الجيل الخامس، مشيرة إلى أن الهواتف الذكية وبطاقات SIM المتوافقة سيتم تحويلها تلقائيًا إلى الشبكة الجديدة دون الحاجة لأي إجراء إضافي من المستخدمين. كما أوضحت الشركة عبر رسائل نصية وحساباتها على المنصات الرقمية أن “عصر الجيل الخامس بدأ رسميًا في المغرب”، داعية زبائنها لتجربة السرعات الجديدة والاستفادة من الاستقرار الكبير في الاتصال. أما أورنج المغرب فقد أعلنت أن أكثر من مئة مدينة مغربية أصبحت مشمولة بالتغطية منذ اليوم الأول للإطلاق، مؤكدة أن شبكتها صُممت لتغطي النطاق الوطني بشكل تدريجي ومتوازن. في المقابل، أكدت إنوي أن الخدمة متاحة فورًا في المدن الكبرى دون أي رسوم إضافية، موضحة أن بطاقاتها الحالية متوافقة بالكامل مع الجيل الخامس، ما يجعل الانتقال إلى التقنية الجديدة تجربة سلسة وسريعة لكل زبون يتوفر على هاتف يدعمها.
ويأتي هذا التطور بعد مصادقة المجلس الحكومي بالرباط على النصوص القانونية المنظمة لتراخيص 5G الممنوحة للشركات الثلاث، وهو ما مهد الطريق للإطلاق التجاري الرسمي. القرار جاء تتويجًا لسنوات من التحضير والبنية التحتية التي بدأت منذ تجارب الجيل الرابع، إذ تطلب الانتقال إلى الجيل الخامس تحديث شبكات الألياف البصرية وتوسيع مراكز البيانات وتطوير الأنظمة الأمنية لحماية المعلومات. كما تراهن الحكومة على أن اعتماد هذه التقنية سيعزز من مكانة المغرب في الخريطة الرقمية الإفريقية، ويدعم طموحه للتحول إلى مركز تكنولوجي إقليمي يجذب الاستثمارات والشركات الناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء (IoT)، والمدن الذكية.
العروض الجديدة التي طرحتها الشركات الثلاث تعكس تنوع الاحتياجات الرقمية في السوق المغربي. فقد وفّرت اتصالات المغرب وأورنج وإنوي باقات مخصصة للأفراد والمؤسسات، سواء بنظام الأداء المسبق أو المؤجل، مع أحجام بيانات مختلفة تناسب الاستخدام اليومي أو المهني. أما بالنسبة إلى المنازل، فقد قدمت إنوي جهازًا جديدًا يحمل اسم 5G i-Box، يتيح اتصالًا منزليًا سريعًا ومستقرًا، وُصف بأنه مثالي لعشاق الألعاب الإلكترونية، والعمل عن بُعد، والبث عالي الجودة عبر المنصات العالمية. ويتيح الجهاز تجربة مماثلة للإنترنت الثابت دون الحاجة إلى الأسلاك، وهو ما يجعل التقنية الجديدة بديلاً فعّالًا للألياف البصرية في بعض المناطق.
أما على صعيد الأعمال، فقد كشفت إنوي بيزنس (inwi Business) عن مجموعة حلول جديدة تعتمد على الجيل الخامس، موجهة خصيصًا للمقاولات والصناعات التي تتبنى التحول الرقمي. وتشمل هذه الخدمات أنظمة الصيانة عن بُعد، والآلات المتصلة، والنماذج الرقمية (Digital Twins) التي تسمح بمحاكاة المصانع والمنشآت الصناعية بشكل افتراضي، ما يقلل من الأخطاء ويزيد من الإنتاجية. كما أطلقت الشركة خدمة 5G Business Connect الموجهة لقطاع الصحة، والتي تتيح إجراء فحوصات واستشارات طبية عن بُعد بجودة عالية وموثوقية كبيرة. هذه الخطوة اعتُبرت من أبرز مؤشرات دخول المغرب إلى مرحلة جديدة من الطب الرقمي والتطبيب الذكي.
في المقابل، أكدت أورنج المغرب أن شبكة الجيل الخامس ستُحدث ثورة حقيقية في أنماط الاستخدام اليومية، مشيرة إلى أنها ستمنح المستخدمين تجربة غير مسبوقة في مشاهدة المحتوى بدقة عالية، وتنظيم الاجتماعات عبر الفيديو بجودة مستقرة، والاستفادة من التعليم التفاعلي. كما شددت على أن هذه التقنية ستتيح للشركات المغربية فرصًا أكبر في مجالات الابتكار والتحكم اللحظي في العمليات الصناعية عبر تقنيات التحكم عن بُعد، ما يعزز تنافسيتها في الأسواق المحلية والدولية. وبحسب الشركة، فإن الولوج إلى الشبكة الجديدة لا يتطلب سوى هاتف متوافق، مع توفير عروض مرنة ومخصصة تلبي احتياجات الزبائن الأفراد والمؤسسات على حد سواء.
ومن منظور اقتصادي أوسع، يُتوقع أن تسهم تقنية 5G في تحفيز الاقتصاد الوطني بشكل مباشر، من خلال دعم قطاعات مثل النقل الذكي، الطاقة المتجددة، الزراعة الرقمية، والتجارة الإلكترونية. كما يُرتقب أن تخلق فرص عمل جديدة في مجالات تطوير التطبيقات، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics). ويرى خبراء أن هذه الخطوة ستفتح الباب أمام شراكات جديدة بين الجامعات المغربية وشركات التكنولوجيا العالمية لتطوير حلول محلية مبنية على الذكاء الاصطناعي والاتصال الفائق السرعة.
من جهة أخرى، أثار الإطلاق الرسمي موجة من النقاش على وسائل التواصل، حيث رحب الكثير من المستخدمين بالتجربة الجديدة، في حين عبّر البعض عن قلقهم من ارتفاع محتمل في أسعار الاشتراك أو استهلاك البطارية في الهواتف. ومع ذلك، يؤكد مختصون أن الجيل الخامس لا يقتصر على السرعة فقط، بل يُعد أساسًا لبناء منظومة رقمية متكاملة تُمكن الأجهزة من التواصل فيما بينها بكفاءة غير مسبوقة، وهو ما يُعد خطوة ضرورية في طريق بناء “المدن الذكية” التي يتطلع المغرب إلى تحقيقها.
في هذا السياق، علّق أحد الخبراء التقنيين قائلاً: “إطلاق 5G في المغرب ليس مجرد تحديث شبكات، بل هو إعلان دخول البلاد إلى مستقبل جديد من الاقتصاد الرقمي، حيث ستتغير طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا بشكل جذري.” هذه الرؤية تلخص التحول العميق الذي ينتظر المملكة في السنوات القادمة، خاصة مع التوجه المتزايد نحو رقمنة الخدمات العمومية، ودعم الابتكار في مجالات مثل الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR).
لا شك أن المغرب، بدخوله رسميًا عصر الجيل الخامس، يخطو خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر اتصالًا وابتكارًا. وإذا ما تم استغلال هذه التقنية بالشكل الأمثل، فقد يتحول خلال سنوات قليلة إلى مركز رقمي رائد في شمال إفريقيا. التحدي الأكبر الآن ليس في التقنية نفسها، بل في كيفية إدماجها في الاقتصاد والمجتمع بطريقة تعود بالنفع على الجميع، من المواطن العادي إلى المؤسسات الكبرى. ومع استعداد الشركات الثلاث لتوسيع تغطيتها وتقديم عروض أكثر تنوعًا، يبدو أن رحلة المغرب مع 5G قد بدأت بالفعل، والعنوان الواضح هو: المستقبل يبدأ الآن.