لم يكن أحد يتخيّل أن يومًا سيأتي تصبح فيه لعبة GTA 6 عنوانًا في موسوعة Guinness World Records، لا بسبب مبيعاتها أو ضخامتها البصرية، بل لأنها حملت لقبًا فريدًا: أطول لعبة في التاريخ من حيث مدة التطوير. هذا اللقب لم يأتِ بسهولة، بل هو نتيجة مسار امتد على مدى سنوات طويلة من الانتظار، والتسريبات، والإشاعات، والتوقعات التي تجاوزت الخيال. اللعبة التي كانت تُعتبر مشروع الأحلام لدى عشاق Rockstar Games أصبحت أخيرًا تحمل صفة رسمية من Guinness، بعد أن تخطت الرقم القياسي السابق المسجّل باسم Duke Nukem Forever، والتي احتاجت إلى أكثر من 14 عامًا لتخرج إلى النور سنة 2011 بعد أن بدأت فكرتها سنة 1997.
حين أعلنت Rockstar لأول مرة نيتها تطوير الجزء السادس من السلسلة، لم يكن العالم يتوقع أن تستغرق العملية عقدًا كاملًا من الزمن. لكن الواقع تجاوز التوقعات، فالاستوديو الشهير المعروف بعنايته المفرطة بكل تفصيل صغير لم يكن مستعدًا لتقديم شيء أقل من الكمال. فبعد نجاح GTA V الساحق، كانت الضغوطات هائلة، والجمهور لم يعد يقبل بتكرار التجربة نفسها بطلاء جديد، بل أراد ثورة حقيقية في عالم الألعاب المفتوحة. ومع ذلك، كل تأجيل كان يزيد من ترقب اللاعبين أكثر فأكثر، حتى تحوّل اسم GTA 6 إلى رمزٍ للانتظار الطويل، ومزحة مستمرة في مجتمع الألعاب على مدى سنوات.
الرقم القياسي الجديد الذي أُعلن عنه رسميًا جاء بعد مراجعة دقيقة من لجنة Guinness World Records، التي قاست الفترة الزمنية بين بداية تطوير اللعبة التي يُعتقد أنها انطلقت فعليًا سنة 2012، والإعلان الرسمي المنتظر في ربيع 2025. وباحتساب المدة الكاملة، تكون GTA 6 قد قضت أكثر من 13 عامًا في التطوير، وهو رقم مذهل بمعايير الصناعة الحديثة. ورغم أن Duke Nukem Forever كانت صاحبة اللقب السابق بـ14 عامًا و43 يومًا من العمل المستمر، فإن تفاصيل مشروع Rockstar المعقّد الذي مرّ بمراحل تصميم متكررة، وإعادة هيكلة للأنظمة الداخلية، وتغييرات في الرؤية السردية، جعل لجنة التحكيم تعتبره أضخم وأطول مشروع تطوير متواصل عرفته الصناعة من حيث حجم الفريق وعدد الأجيال التقنية التي مرّت عليه.
إذا عدنا بالزمن إلى الوراء قليلًا، نجد أن Duke Nukem Forever كانت في زمنها مثالًا على الفوضى الإنتاجية والتأجيلات اللامتناهية. أما GTA 6 فقد عاشت مسارًا مختلفًا، فهي لم تتعثر بسبب إخفاقات فنية أو انهيار فريق العمل، بل بسبب طموحٍ متزايد في كل مرحلة. كانت Rockstar تطمح إلى بناء مدينة حية نابضة بالتفاصيل، وشخصيات تمتلك عمقًا نفسيًا نادرًا، وتجربة تجمع الواقعية المفرطة بحرية اللعب. وربما ما يميز هذا المشروع هو أنه عاش أجيالًا تقنية متلاحقة، من أجهزة PlayStation 4 إلى PlayStation 5، ومن Xbox One إلى Xbox Series X/S، وحتى الحواسيب الحديثة المزودة بمعالجات RTX. كل جيل جديد كان يعني إعادة ضبط معايير الرسوميات والذكاء الاصطناعي والفيزياء، وهذا وحده كافٍ لتفسير سبب امتداد التطوير كل هذا الوقت.
ومن المثير أن هذا الرقم القياسي لم يكن مجرد إنجاز زمني، بل تحوّل إلى حدث ثقافي في حد ذاته. فمجتمع اللاعبين، الذي قضى سنوات في تحليل كل تسريب وكل لقطة شاشة مزعومة، وجد في إعلان موسوعة Guinness نوعًا من الاعتراف الرسمي بما عاشه: انتظار استثنائي امتد على مدى أكثر من عقد. وسائل الإعلام المتخصصة احتفت بالخبر بطريقة غير معتادة، معتبرة أن Rockstar لم تحطم رقمًا فحسب، بل جسدت مفارقة زمنية فريدة، حيث تحوّلت لعبة واحدة إلى جسرٍ بين حقبتين من تاريخ ألعاب الفيديو. بعض المحللين ذهبوا أبعد من ذلك وقالوا إن GTA 6 تمثل نهاية عصر وبداية آخر، تمامًا كما فعلت GTA III قبل أكثر من عقدين عندما أعادت تعريف مفهوم اللعبة المفتوحة.
ولعل اللافت في تصريحات بعض مطوري Rockstar أن التأخير لم يكن عبثًا، بل كان خيارًا واعيًا، لأنهم أرادوا أن تصمد اللعبة أمام الزمن، كما قال أحدهم في مقابلة سابقة:
“حين تصنع لعبة من هذا الحجم، لا يمكنك أن تفكر في الزمن كعدو، بل كحليف، يمنحك فرصة لتقترب أكثر من رؤيتك المثالية”.
هذه الجملة وحدها تختصر فلسفة Rockstar في التعامل مع مشاريعها الكبرى: لا إصدار قبل الاكتمال، ولا تسرّع مهما بلغت الضغوط. وبينما يرى البعض أن هذا النهج مكلف ويؤخر المتعة، يرى آخرون أنه السبب في أن ألعاب Rockstar تظل راسخة في الذاكرة، وتعيد تعريف المعايير في كل مرة. فمنذ Red Dead Redemption 2 إلى GTA 6، يتضح أن الاستوديو لا يرضى بأقل من أن يصنع تجربة تخلّد نفسها.
أما من ناحية السوق، فإن الأرقام تتحدث بنفسها. فحتى قبل صدور اللعبة، حقق الفيديو التشويقي الأول أكثر من مئة مليون مشاهدة خلال أيام قليلة، وأصبح أكثر محتوى متعلق بالألعاب انتشارًا في تاريخ YouTube. ووفقًا لتقارير الصناعة، فإن قيمة الاستثمار في GTA 6 تجاوزت حاجز المليار دولار، ما يجعلها أغلى مشروع ترفيهي في التاريخ بأكمله، متقدمة حتى على أفلام Marvel الكبرى. ومن المتوقع أن تحصد عند الإطلاق مبيعات قياسية قد تصل إلى 1.5 مليار دولار في أسبوعها الأول فقط، وفق تقديرات المحللين. هذه الأرقام ليست صدفة، بل نتيجة سنوات من الانتظار، والحنين، والتوقعات التي تراكمت عبر الزمن حتى أصبحت اللعبة ظاهرة ثقافية عالمية قبل أن تصدر.
بعض اللاعبين القدامى الذين عاشوا أجيال PlayStation 2 و3 و4 ينظرون إلى GTA 6 كآخر ملحمة من جيلهم، وكأنها الوداع الكبير لعصرٍ من الخيال الإجرامي الحر الذي بدأ مع GTA III. ومع دخول الذكاء الاصطناعي والأنظمة التفاعلية المتقدمة إلى صلب تصميم اللعبة، يبدو أن Rockstar تراهن على بناء عالم قادر على التطور ذاتيًا بمرور الوقت. وربما تكون GTA 6 أول لعبة في التاريخ لا تتوقف عند لحظة الإطلاق، بل تواصل النمو بفضل أدوات التحديث التفاعلية التي تعتمد على تعلم سلوك اللاعبين أنفسهم.
الإنجاز الجديد في موسوعة Guinness لا يتعلق فقط بالأرقام أو المدة الزمنية، بل يعكس في جوهره مرحلة كاملة من التحول في صناعة ألعاب الفيديو، حيث أصبحت الجودة والإتقان أحيانًا أهم من السباق الزمني نحو الإطلاق. Rockstar أثبتت أن الصبر يمكن أن يكون استراتيجية تجارية ناجحة، وأن الانتظار الطويل قد يتحوّل إلى وقودٍ للضجيج الإعلامي والإثارة الجماهيرية، لا إلى عامل نسيان. لذلك، سواء أحببت أو كرهت سياسة الشركة، فإن دخول GTA 6 إلى التاريخ بهذا الشكل يعني شيئًا واحدًا: أن حدود الزمن لم تعد عائقًا أمام الإبداع، بل جزءًا من الحكاية نفسها.
وهكذا، لم تعد GTA 6 مجرد لعبة مرتقبة، بل أصبحت رمزًا للالتزام، ودليلًا على أن الصبر الطويل قد يصنع أمجادًا دائمة. فحتى لو استغرق تطويرها ثلاثة عشر عامًا أو أكثر، فإنها اليوم تحمل شهادة رسمية تثبت أنها لم تكن مجرّد وعدٍ عالق، بل إنجاز حقيقي يُسجَّل في التاريخ. وربما حين تصدر اللعبة أخيرًا، سيشعر اللاعبون بأن كل تلك السنوات لم تذهب سدى، وأن كل يوم من الانتظار كان جزءًا من الأسطورة التي جعلت من GTA 6 أطول، وأعظم، وأكثر لعبة انتظرتها الأجيال الحديثة على الإطلاق.