يبدو أن مشهد تطوير ألعاب الفيديو في المغرب يعيش واحدة من أكثر مراحله ديناميكية خلال السنوات الأخيرة، فبعد تجارب ناجحة وبرامج تكوين بدأت تجد لنفسها مكانًا واضحًا في الساحة، تعود Moroccan Game Jam Edition 2 لتؤكد أن هذا الحراك لم يكن مجرد موجة عابرة. الإعلان الذي شاركه منظمو الفعالية حمل حماسًا ملحوظًا، وبدت روحه أقرب إلى تلك التي نجدها في مجتمعات المطورين حول العالم، حيث تختلط الحماسة، وروح التعاون، والبحث عن فرص جديدة تبني جيلاً من الشباب القادر على دخول سوق يشهد تنافسًا متزايدًا.
في هذا السياق، كشفت اللجنة المنظمة عن الملصق الرسمي للدورة الثانية، وهو ملصق حظي بإشادة المشاركين منذ اللحظة الأولى، ويكفي أن نلاحظ الطريقة التي تفاعل بها المجتمع الرقمي مع المنشور لندرك حجم الترقب لهذه الدورة. وقد جاء شكر خاص للمصمم Khalid تقديرًا للجهد المبذول في إخراج الملصق، وهو أمر يعكس عادة جميلة بدأت تزدهر في الوسط المغربي: الاعتراف بالعمل الإبداعي والترويج له بدل الاكتفاء بعرض الحدث فقط. وربما يبدو هذا تفصيلًا صغيرًا، لكنه في الواقع يعكس ثقافة جديدة تترسخ ببطء، وتمنح بيئة التطوير المحلية مزيدًا من النضج والاحتراف.
من التفاصيل التي أثارت انتباه المتابعين إعلان المنظمين عن فتح باب التسجيل عبر رابط مخصص، مع تأكيدهم على أن التواصل متاح عبر قناة نقاش خاصة للراغبين في طرح أسئلتهم. وهو أمر قد يبدو عاديًا لوهلة أولى، لكنه يعكس رغبة واضحة في تبسيط عملية الانضمام وإزالة أي شعور بالرهبة لدى المشاركين، خصوصًا لأولئك الذين يدخلون عالم Game Jam لأول مرة. ما يحدث هنا يشبه إلى حد بعيد ما نشاهده في فعاليات عالمية مثل Global Game Jam أو Ludum Dare، حيث يبنى الحدث على الاحتضان المجتمعي قبل أي شيء آخر، فيكون الهدف الأساسي هو التعلم، التجربة، وعيش مغامرة تطوير لعبة خلال فترة قصيرة.
اللافت أكثر في نسخة هذا العام هو توسيع نطاق المدن المستضيفة. فقد أعلن منظمو Moroccan Game Jam Edition 2 عن تنظيم الحدث في عدة مدن في وقت واحد، الأمر الذي يمنح الفعالية طابعًا وطنيًا أكثر وضوحًا، ويفتح الباب أمام مشاركة واسعة لا تقتصر على جهات بعينها. المدن التي ستحتضن النسخة الجديدة ليست مجرد نقاط جغرافية على خريطة المغرب، بل تمثل مؤسسات ومراكز تعليمية وثقافية لها وزن فعلي في تكوين الشباب وتطوير مهاراتهم.
أول هذه المراكز هي UIR – أو Université Internationale de Rabat – والتي ستستقبل المشاركين من خارج الجامعة أيضًا. وقد حرص القائمون على الحدث على توجيه شكر خاص لهذه المؤسسة، خصوصًا بعد قبولها احتضان النسخة الثانية، مع التنويه بدور Namelious الذي ساهم في تحقيق ذلك. جزء من جمال هذه الفعالية يكمن في تلك الروح الجماعية التي تتجاوز المؤسسة نفسها، حيث يصبح كل طرف جزءًا من شبكة دعم واسعة تسعى إلى خلق بيئة تطوير حقيقية.
في الدار البيضاء، يبرز دور Institut Français de Casablanca، الذي حظي بدوره برسالة شكر خاصة بسبب دعمه المستمر منذ النسخة الأولى. ربما لا يدرك البعض حجم الأثر الذي تُحدثه هذه المؤسسات في تشجيع المشاريع الإبداعية، لكن وجود شريك ثقافي دولي مثل المعهد الفرنسي يمنح الحدث مصداقية أكبر، ويخلق جسرًا بين المغرب والمشهد العالمي لصناعة الألعاب. مثل هذه المبادرات تفتح الباب لإشراك خبرات أجنبية، وخلق تعاون محتمل بين مطورين شباب وخبراء ذوي خبرة طويلة في المجال.
مدينة خريبكة بدورها ستحظى بمكان في هذا الحدث من خلال منصة 1337 Khouribga. وبرغم أن المدرسة معروفة أساسًا بتكوينها الصارم في البرمجة، إلا أن مشاركتها في فعالية تخص صناعة الألعاب تعكس تحولًا إيجابيًا في مفهوم تكوين المطور. اليوم لم يعد مصطلح “مبرمج” كافيًا لوصف الشخص القادر على دخول هذا المجال؛ فالمطور يحتاج معرفة بالتصميم، والتفاعل، والسرد، وبيئات التطوير، وحتى أساسيات التسويق. ما يجعل مشاركة فريق 1337 خطوة في الاتجاه الصحيح، وهو ما عبّر عنه المنظمون من خلال عبارات ودية فيها شيء من الطابع الشبابي مثل الإشارة إلى “Khouribga 7adra”، مما يعكس الروح غير الرسمية التي تطبع مجتمع المطورين.
أما مدينة مكناس فتدخل بدورها على الخط عبر Institut Français de Meknes. الشكر الموجه لـ Magistral على دعمه المستمر للمدينة يوضح أن بعض الشخصيات أصبحت تلعب دورًا محوريًا في دعم الفعاليات الثقافية والتقنية، وأن نجاح Moroccan Game Jam لا يعتمد على المؤسسات وحدها، بل على جهود أفراد يقررون أن يكونوا جزءًا من التحول الرقمي الذي يشهده المغرب.
تيطوان كذلك ستكون حاضرة من خلال 1337 Tetouan، والمؤسسة معروفة بكونها حاضنة لعدد مهم من المواهب الشابة. وقد اختار المنظمون توجيه رسالة لطيفة لصانعي الحدث هناك، مع ذكر redox وN2P GHOST، بطريقة تعكس الطابع العفوي الذي يميّز مجتمع المطورين. في مثل هذه الأحداث، قد يبدو ذكر الأسماء أمرًا بسيطًا، لكنه غالبًا ما يشكّل مصدر تحفيز كبير للأشخاص الذين يعملون خلف الكواليس.
وبالعودة إلى الوسط المغربي، يأتي دور 1337 Benguerir التي ستفتح أبوابها للمشاركين، في خطوة منتظرة، خصوصًا أن المنطقة أصبحت خلال السنوات الأخيرة مركزًا مهمًا للتعليم العالي في مجال التكنولوجيا والعلوم. المنظمون أكدوا أنهم ما زالوا في مرحلة التواصل مع المسؤولين هناك لضبط الأمور التنظيمية، وهو تصريح طبيعي جدًا، خصوصًا وأن الحدث يتوسع جغرافيًا ويتطلب تنسيقًا مضاعفًا مقارنة بالإصدارات السابقة.
الجميل في هذه الدورة أن التنظيم لا يظهر كمبادرة معزولة أو حدث لمرة واحدة، بل كمرحلة من مشروع أوسع يسعى لتكريس ثقافة المشاركة والتجريب داخل صناعة ألعاب الفيديو. ما يجعل Moroccan Game Jam أكثر من مجرد مسابقة لتطوير الألعاب خلال بضع ساعات، هو البيئة التي يبنيها: لقاء بين فنانين ومبرمجين ومصممي صوت وسينمائيين، أشخاص قد لا يلتقون في سياق آخر، لكنهم هنا يصنعون لعبة واحدة، ويخرجون بأفكار جديدة، وربما يجد بعضهم بداية مسار مهني لم يكن يتوقعه.
ولعل أكثر ما يشجع الشباب على المشاركة هو أن Game Jam يمنحهم مساحة للتجريب بلا خوف. لا أحد ينتظر منهم لعبة كاملة أو منتجًا تجاريًا، بل يريدون رؤية الفكرة، التجربة، والجرأة. وهذا ما يجعل كثيرين يرددون عبارة مثل: “الأهم أن تبدأ، والباقي سيتحسن مع الوقت”. مجرد أن تضع يدك على لوحة المفاتيح أو قلم الرسم وتبدأ في خلق عالم صغير، شخصية، نظام لعب، أو حتى تجربة سمعية بسيطة، فأنت بدأت فعلًا في دخول عالم Game Development.
وللتذكير، التسجيل مفتوح للجميع عبر الرابط الرسمي، والمثير أن العديد من المدن المشاركة فتحت الباب أمام المشاركين من خارج مؤسساتها، مما يجعل هذه الدورة واحدة من أكثر النسخ انفتاحًا وشمولًا حتى الآن. التجربة التي سيعيشها المشاركون ليست مجرد يومين من العمل، بل محطة تبقى راسخة في الذاكرة، وقد تكون بداية صداقات، أو تأسيس فريق مستقل، أو حتى تشكيل فكرة أول لعبة تجارية تحمل توقيع مغربي مئة بالمئة.
في النهاية، من الواضح أن النسخة الثانية من Moroccan Game Jam لا تمثل مجرد استمرار للنسخة الأولى، بل خطوة جديدة نحو بناء مجتمع تطوير ألعاب قادر على إيجاد مكانه في الساحة العربية والإفريقية والدولية. ربما لا يزال الطريق طويلًا، لكن مثل هذه المبادرات تمنح تلك الخطوات الأولى معناها الحقيقي، وتحوّل الشغف الفردي إلى حركة جماعية قادرة على خلق أثر حقيقي.