شهد عدد كبير من مستخدمي الإنترنت حول العالم، خلال يوم الثلاثاء، حالة ارتباك واضحة بعد ظهور مشكلات مفاجئة في مجموعة من المواقع والمنصات المعروفة. البداية كانت مع عطل أصاب خدمة Cloudflare، وهي إحدى أبرز الشركات المتخصصة في حماية المواقع وتسريعها، مما أدى إلى توقف أو بطء الوصول إلى منصات يعتمد عليها الملايين يوميا. وعلى الرغم من أن الأعطال التقنية ليست جديدة في هذا القطاع، فإن ما حدث هذه المرة كان لافتا بسبب اتساع نطاق التأثير ووصوله إلى خدمات يستخدمها الجمهور بشكل مستمر، بما فيها منصات تواصل، وأدوات عمل، وخدمات موسيقى، وحتى منصات ذكاء اصطناعي.
كان من بين المنصات المتأثرة منصة X، حيث تلقى المستخدمون في مناطق مختلفة شكاوى متشابهة حول عدم القدرة على تحميل الصفحات أو تحديث المحتوى. وعلى مستوى المنطقة العربية، ظهرت بلاغات كثيرة للمستخدمين في السعودية ومصر، وذلك وفق البيانات التي نشرها موقع Downdetector المتخصص في تتبع أعطال الخدمات الرقمية بشكل لحظي. وعندما تتأثر منصة بحجم X، فمن الطبيعي أن ينتقل الارتباك إلى مواقع الأخبار والتقنية التي تحاول تفسير ما يجري في الدقائق الأولى قبل صدور بيانات رسمية. وخلال الساعات التي تلت بداية المشكلة، تداول المستخدمون بعض التكهنات حول أن العطل ربما يرتبط بهجمات إلكترونية واسعة النطاق أو اختبارات بنية تحتية جديدة، لكن المؤشرات الأولى كانت تميل إلى أن الخلل صادر من Cloudflare وليس من المنصات نفسها.
وتعتمد مئات الآلاف من الشركات حول العالم على Cloudflare باعتبارها طبقة أمان وجدارا أمام هجمات الإنترنت التي قد تغمر خوادم المواقع بكمية ضخمة من البيانات، إضافة إلى كونها شبكة توزيع محتوى تسهم في تسريع تحميل الصفحات. لذلك، فإن حدوث اضطراب في هذه البنية يعني بالضرورة اهتزازا في الخدمات التي تعتمد عليها. وبينما لم يكن العطل شاملا أو كاملا، فإن تأثر منصات متعددة جعل المشكلة أكثر وضوحا للمستخدمين. ولأن أغلب الناس يتعاملون مع الإنترنت باعتباره خدمة مستقرة وهادئة، فإن أي انقطاع ولو لبضع دقائق يخلق إحساسا بأن شيئا كبيرا قد حدث خلف الكواليس، وهو ما يناقشه خبراء الأمن السيبراني عادة عند رصد مثل هذه الحالات.
وتوسعت دائرة المواقع المتأثرة لتشمل Medium ومنصة Discord، إضافة إلى Shopify و SoundCloud و Coinbase و Dropbox. وتنوع طبيعة هذه المنصات من حيث الاستخدام جعل العطل يطال فئات مختلفة من المستخدمين. فمثلا، Shopify تعتمد عليها شريحة واسعة من المتاجر الرقمية التي تدير عمليات بيعها وتواصلها مع الزبائن على مدار اليوم، بينما Discord يمثل منصة تجمع اللاعبين والمجتمعات الإلكترونية بشكل يومي، وبالتالي فإن أي اضطراب، حتى لو كان بسيطا، ينعكس فوريا على الأنشطة التفاعلية داخل الخوادم الخاصة بالمستخدمين. أما SoundCloud فهو منصة موسيقية يستخدمها الفنانون المستقلون بكثافة، بينما Dropbox يعد أداة تخزين أساسية لدى الشركات والمطورين الذين يعتمدون عليه في العمل التعاوني. وتزامن تأثر كل هذه الخدمات ألقى الضوء على مدى الترابط بين الشركات التقنية الحالية و Cloudflare باعتبارها جزءا محوريا في بنية الإنترنت الحديثة.
وكان من اللافت أيضا تأثر أبرز خدمات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT و Gemini و Perplexity. هذه الخدمات تعتمد بشكل كبير على سرعة الوصول للخوادم وخفة حركة البيانات، ولذلك فإن أي بطء أو انقطاع قد يظهر مباشرة عند المستخدم. البعض لاحظ رسائل خطأ غير مألوفة، بينما واجه آخرون صعوبة في تحميل الردود أو إرسال الطلبات. وبعيداً عن الجانب التقني، أثار هذا الموقف ملاحظة مهمة يتداولها كثيرون منذ العام الماضي، وهي أن خدمات الذكاء الاصطناعي أصبحت جزءا أساسيا من روتين المستخدمين، سواء في العمل أو الدراسة أو الترفيه، وبالتالي فإن أي عطل يؤثر عليهم بشكل مباشر وسريع. بعضهم حتى شبّه ما حدث بتوقف مساعد شخصي يعتمد عليه يومياً، مما يقدم صورة واضحة عن مدى اعتماد الناس على هذه التقنيات في وقت قصير نسبيا.
وظهرت لدى كثير من المستخدمين رسالة تطلب منهم إلغاء حظر challenges.cloudflare.com، وهي رسالة مرتبطة غالبا بطبقات الحماية الخاصة بالشركة، وتشير في العادة إلى أن هناك نشاطا غير معتاد يجب التحقق منه. ظهور هذه الرسالة بالتزامن مع الانقطاع دفع البعض للظن بأنها جزء من المشكلة ذاتها، بينما اعتبر آخرون أن Cloudflare ربما كانت تحاول إعادة ضبط بعض إعدادات الحماية خلال الصيانة. وفي كل الأحوال، فإن الرسالة ليست جديدة بالنسبة للخبراء، لكنها لم تكن مألوفة لغالبية المستخدمين الذين فوجئوا بها وهم يحاولون فتح خدمات قد اعتادوا على عملها بالمعتاد وبشكل شبه يومي.
وعبر صفحة الحالة الخاصة بها، أكدت Cloudflare أنها على علم بالمشكلة وأنها تعمل على حلها. جاء في بيانها أن ما يجري قد يؤثر على عدد من العملاء وأن تفاصيل إضافية ستُعلن فور توفرها. عادة ما تعتمد الشركات على صفحات الحالة هذه لتقديم تحديثات لحظية، وهي وسيلة تحاول من خلالها طمأنة المستخدمين وتجنّب انتشار الشائعات. وفي مثل هذه الحالات، تتجه بعض المواقع الإعلامية إلى مراقبة صفحة الحالة مباشرة، خصوصا عندما لا يكون هناك تفسير فوري وواضح للعطل. وفي هذا السياق، أشار موقع الحالة الرسمي إلى وجود صيانة جارية في بعض مراكز البيانات، من بينها مركز فرانكفورت، وهو مركز مهم في أوروبا، وتوقفه أو تباطؤه قد يسبب تأخيرا في حركة البيانات لمناطق واسعة.
وبالنظر إلى تاريخ الشركة، فإن أعطال Cloudflare ليست جديدة تماما. سبق أن شهدت الشركة مشكلات مؤثرة في يوليوز 2019 عندما تسبب خلل في جزء من برمجياتها في استهلاك قدر كبير من موارد الشبكة، مما أدى إلى انقطاع عدد كبير من المواقع حول العالم لمدة قاربت نصف ساعة. في ذلك الوقت، بدا حجم التأثير كبيرا رغم أن فترة الانقطاع قصيرة نسبيا، وهو ما يعكس اعتماد الإنترنت الحديث على خدمات وسيطة أكثر من أي وقت مضى. وفي يونيو 2022، واجهت Cloudflare انقطاعا آخرا أثر على 19 مركز بيانات وأدى إلى اضطراب في العديد من المواقع والخدمات، واستغرق حل المشكلة قرابة ساعة ونصف. تلك الحوادث السابقة أصبحت في الذاكرة التقنية، وتعود للواجهة في كل مرة تظهر فيها مشكلة مشابهة.
ومع تطور الخدمات الإلكترونية وتوسعها، أصبحت مسألة الصيانة الدورية وإدارة حركة البيانات أمورا بالغة الحساسية، خصوصا في الشركات التي تخدم قطاعات واسعة على مستوى العالم. وفي تعليق نُقل عن الشركة الثلاثاء، ذكرت Cloudflare أنها تواجه مشكلات في بوابة دعم العملاء، وأن بعض أعمال الصيانة كانت مقررة مسبقا في عدد من المناطق. ومن المهم الإشارة إلى أن صيانة البنية التحتية ليست عملية بسيطة، بل تتطلب تنسيقا معقدا بين فرق متعددة، وأي خلل غير محسوب قد ينعكس مباشرة على المستخدمين. ورغم أن الشركات عادة تحاول إجراء هذه الأعمال في أوقات يقل فيها الضغط، فإن الإنترنت أصبح على مدار الساعة تقريبا، ولم يعد هناك وقت يُعتبر منخفض الحركة كما كان في السابق.
ووفق تصريح نُقل عن الشركة في صحيفة The Guardian، لاحظت Cloudflare ارتفاعا غير طبيعي في حركة البيانات ابتداء من الساعة 11:20 صباحا. هذا الارتفاع تسبب في ظهور أخطاء على بعض أجزاء الشبكة، رغم أن بقية البيانات كانت تتدفق بشكل شبه طبيعي عبر العديد من الخدمات. وتأكيد الشركة أن السبب غير معروف بعد يفتح بابا للاحتمالات، بين خلل تقني داخلي أو ضغط غير معتاد من حركة المستخدمين أو حتى نشاط خارجي قد يحتاج إلى تحليل إضافي. ومع ذلك، شددت الشركة على أنها تعمل على ضمان استمرار تدفق البيانات دون أخطاء، وأنها ستنتقل لاحقا إلى التحقيق في أسباب الارتفاع المفاجئ. العبارة التي لفتت انتباه البعض كانت تصريح المتحدث: “لا نعرف حتى الآن سبب الارتفاع غير الاعتيادي في حركة البيانات”، وهو قول يعكس درجة التعقيد في عمل شركات البنية التحتية الرقمية، حيث لا تكون كل الإجابات متاحة في اللحظة الأولى.
وبشكل عام، أعاد هذا العطل التذكير بحقيقة يعتمد عليها العالم الرقمي بشكل كامل، وهي أن الإنترنت خدمة معقدة ومتشعبة رغم بساطتها الظاهرية للمستخدم النهائي. أي عطل في شركة واحدة يمكن أن يخلق سلسلة ارتدادات تصل إلى منصات لا علاقة مباشرة بينها وبينه. لذلك، يرى بعض الخبراء أن على الشركات الكبرى البحث عن حلول إضافية تقلل الاعتماد على مزود واحد، خصوصا في خدمات البنية الأساسية. في المقابل، يشير آخرون إلى أن بناء بدائل بنفس القوة والاستقرار ليس أمرا سهلا أو سريعا، وأن Cloudflare رغم أعطالها تظل من أكثر الشركات استقرارا في القطاع. بالنسبة للمستخدمين، انتهى العطل بمجرد عودة الخدمات تدريجيا، لكن النقاش حول البنية التحتية يظل مستمرا بين خبراء التكنولوجيا.