شهدت الساحة الرقمية في أستراليا خلال الأسابيع الأخيرة نقاشًا واسعًا حول القوانين الجديدة التي تستهدف منصات التواصل والبث المباشر، بعد أن أعلنت الحكومة عن توسيع قائمة الخدمات التي يُمنع على المستخدمين دون سن السادسة عشرة الوصول إليها. القرار الجديد الذي يدخل حيّز التنفيذ خلال ثلاثة أسابيع فقط، أضاف منصة Twitch الشهيرة إلى القائمة، وهو ما أثار موجة من التساؤلات حول الدوافع الفعلية وراء هذا التوجه، والآثار التي قد تطال مجتمع اللاعبين وصناع المحتوى، خصوصاً أن Twitch يعتبر اليوم جزءًا أساسيًا من ثقافة الألعاب الإلكترونية. ولأن القرارات المتعلقة بتنظيم الفضاء الرقمي لا تتخذ عادة بشكل مفاجئ، فإن هذا الإعلان مثّل بالنسبة لعدد كبير من المتابعين خطوة محسوبة بعناية، تعكس رغبة السلطات الأسترالية في إعادة رسم حدود واضحة بين المحتوى المناسب لليافعين، وبين المساحات التي قد تتضمن سلوكيات أو تفاعلات غير ملائمة.
من المثير أن الحكومة الأسترالية لم تكتفِ بتوسيع القائمة، بل حرصت على شرح أسباب هذا التوجه، مشيرة إلى أن منصات مثل TikTok وYouTube وSnapchat وInstagram وThreads وFacebook وKick أصبحت بيئات رقمية تجذب كمًا هائلاً من اليافعين بطريقة يصعب ضبطها. هذه المنصات، على اختلاف أهدافها وأساليب عملها، تتشارك في خاصية واحدة: القدرة على الاحتفاظ بالمستخدم لأطول فترة ممكنة. ونظرًا إلى أن هذه القدرة ترتكز على خوارزميات دقيقة تتعلم سلوك المستخدم وترسل إليه المحتوى الذي يثير اهتمامه باستمرار، فإن الحكومة ترى أن ما يحدث هو نوع من “التصميم الإدماني” الذي يدفع اليافعين إلى قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات دون وعي كامل بتأثير ذلك عليهم. وحتى لو بدا الأمر أقرب إلى رأي تقني منه إلى قرار سياسي، فإن التجارب العالمية الأخيرة أظهرت أن دولًا كثيرة بدأت تنظر إلى هذا النوع من الاستخدام المفرط باعتباره تهديدًا للصحة النفسية، خصوصاً لدى الفئات العمرية الصغيرة.
الأمر لا يتعلق فقط بالإدمان، بل أيضًا بطبيعة المحتوى الذي يمكن أن يتعرض له المستخدم دون سابق إنذار، وهذا ما جعل Twitch في الواجهة خلال الفترة الماضية. فالبث المباشر، سواء كان متعلقًا بالألعاب أو بالحوارات أو بالأنشطة اليومية، يفتح الباب على مصراعيه أمام مواقف لا يمكن التنبؤ بها. قد يظهر محتوى غير مناسب في لحظة، أو قد يحدث تفاعل خارج السيطرة بين الباث والمتابعين. هذه الطبيعة الحية التي تمنح Twitch خصوصيته هي نفسها التي تجعل من الصعب ضبط المنصة وفقًا لمعايير الحماية الخاصة باليافعين. ولعل أحد الأسباب التي جعلت السلطات تتخذ موقفًا صارمًا هو أن الإشراف اليدوي على ملايين البثوث والجلسات الصوتية والدردشات يبدو مستحيلاً، لذلك اتجهت نحو خيار أكثر صرامة وهو فرض قيود عمرية شاملة على الدخول ذاته. وكما قالت إحدى الجهات الحكومية في تعليقها: “لا يمكن ضمان بيئة آمنة بالكامل في فضاء يتغير محتواه في كل ثانية”.
ومع أن هذه القرارات تبدو للبعض خطوة حاسمة لحماية الجيل الصغير من التأثيرات السلبية، إلا أنها أثارت جدلاً واسعًا داخل مجتمع الألعاب ومجتمع صناع المحتوى في أستراليا وخارجها. البعض يرى أن هذا التوجه قد يؤدي إلى إضعاف الفرصة التي يحصل عليها اليافعون لإبراز مواهبهم في صناعة البث المباشر، خصوصاً أن Twitch كان خلال السنوات الماضية بوابة لانطلاق آلاف اللاعبين الصاعدين الذين بدأوا رحلتهم في سن مبكرة. آخرون يعتبرون أن هذه القرارات تشبه محاولة وضع حدود قاسية على فضاء لا يمكن ضبطه بالكامل، بينما يرى فريق ثالث أن الأفضل كان تطوير أدوات رقابة أبوية فعالة بدل فرض حظر شامل. ورغم هذا الجدل، فإن القاعدة الأساسية لدى الحكومات تبقى أن حماية القاصرين لها الأولوية القصوى، حتى وإن جاء ذلك على حساب حرية الاستخدام، وهو ما جعل القرارات الأخيرة تبدو بالنسبة للبعض منطقية في ظل التطور المتسارع للفضاء الافتراضي. وفي كل الأحوال، فإن تأثير القرار لن يكون مقتصرًا على أستراليا وحدها، لأن خطوات كهذه غالبًا ما تخلق نقاشًا عالميًا حول سلامة الفضاء الإلكتروني، وقد تدفع لدول أخرى إلى اتباع المسار نفسه.
عند النظر إلى مستقبل هذه القرارات، يبدو واضحًا أن الساحة الرقمية في طريقها نحو مرحلة جديدة من التنظيم الصارم، ولعل إدراج Twitch في هذه القائمة لن يكون نهاية المطاف. فمن المتوقع أن تمتد تأثيرات هذا القرار إلى طريقة تعامل المنصات نفسها مع المستخدمين الصغار، وربما يدفعها ذلك إلى تطوير آليات أقوى لحماية اليافعين أو خلق نسخ خاصة بهم، كما حدث سابقًا مع YouTube Kids. ومن الملفت أن النقاش حول حماية القاصرين يتحول تدريجيًا من نقاش حول المحتوى نفسه إلى نقاش حول تصميم المنصات، لأن الخوارزميات أصبحت اليوم جزءًا من المشكلة. وبقدر ما يمكن لهذه المنصات تقديم محتوى تثقيفي وترفيهي مفيد، فإن قدرتها على صنع فقاعات رقمية تسحب المستخدم داخلها لساعات طويلة أصبحت محور مخاوف أسرية وحكومية على حد سواء. قد يختلف الناس حول أسلوب تنفيذ القرارات، وقد يتجادلون حول مدى فعالية الحظر، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن العالم يعيش لحظة إعادة تقييم شاملة لكيفية تعامل اليافعين مع التكنولوجيا، خصوصاً مع دخول الذكاء الاصطناعي التفاعلي على خط المنافسة. وفي نهاية المطاف، يظل السؤال الذي يتردد بين الخبراء اليوم: ما حدود الحرية الرقمية حين يتعلق الأمر بمستخدمين لم يبلغوا بعد السن الذي يسمح لهم باستيعاب كل ما يواجهونه على الإنترنت؟