أعلنت شركة Netflix في خطوة تاريخية غير مسبوقة عن توصلها إلى اتفاق رسمي للاستحواذ على Warner Bros مقابل صفقة ضخمة بلغت قيمتها نحو 82.7 مليار دولار، وهي صفقة وُصفت مباشرة بأنها واحدة من أضخم عمليات الاستحواذ في تاريخ صناعة الترفيه الحديثة، ليس فقط من حيث القيمة المالية، بل أيضا من حيث التأثير المتوقع على مستقبل السينما والتلفزيون والمنصات الرقمية. الصفقة تشمل استوديوهات الأفلام والإنتاج التلفزيوني إضافة إلى كل من HBO و HBO Max، ما يعني أن Netflix ستضع يدها على واحدة من أضخم المكتبات الفنية في العالم، مكتبة تمتد جذورها لعقود طويلة من الأعمال الكلاسيكية والحديثة التي شكلت ذاكرة أجيال كاملة. منذ اللحظة الأولى للإعلان، بدأ الجدل يتصاعد على جميع المستويات، بين من يرى في الاتفاق خطوة طبيعية في سباق السيطرة على محتوى البث الرقمي، وبين من يعتبره حدثا سيعيد رسم خريطة الترفيه العالمية لعقود مقبلة. لكن وسط كل هذا الزخم، برز سؤال واحد بقوة لم يجد جوابا واضحا حتى الآن، وهو مصير استوديوهات الألعاب التابعة لـ Warner Bros مثل NetherRealm Studios مطوري Mortal Kombat و Rocksteady Games مطوري سلسلة Batman Arkham، وهي فرق تمتلك تاريخا ثقيلا في صناعة ألعاب الفيديو ولا تزال مشاريعها تحظى بترقب كبير من اللاعبين حول العالم.
من زاوية أخرى، أكد قادة الشركتين في تصريحات رسمية متزامنة أن هذا الاندماج لا يهدف فقط إلى توسيع مكتبة المحتوى، بل يسعى إلى خلق شكل جديد من صناعة الترفيه يعتمد على الدمج بين إرث Hollywood الكلاسيكي وقوة المنصات الرقمية الحديثة. Ted Sarandos، أحد أبرز قيادات Netflix، وصف الصفقة بأنها لحظة مفصلية ستجعل الشركة قادرة على إعادة تعريف مفهوم السرد القصصي في القرن المقبل، مضيفا أن دمج مكتبة Warner العريقة مع عناوين Netflix الأصلية سيخلق منظومة إنتاج ضخمة قادرة على الوصول إلى جماهير غير مسبوقة حول العالم. ورغم هذا الخطاب التفاؤلي الذي ركز على الأفلام والمسلسلات، فإن البيان الرسمي تجاهل بشكل شبه كامل الحديث عن قطاع الألعاب، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات كثيرة داخل أوساط اللاعبين والمحللين. البعض رأى في هذا الصمت إشارة مقلقة، بينما اعتبره آخرون مجرد تأجيل للنقاش إلى مرحلة لاحقة بعد استقرار الصفقة وبدء عملية إعادة الهيكلة داخل الكيان الجديد. وفي الحالتين، الواضح أن قطاع الألعاب سيكون من أكثر المتأثرين بما سيحدث خلف الكواليس في الشهور القادمة.
القلق حول مستقبل استوديوهات الألعاب يعود بالأساس إلى التجربة المتقلبة التي خاضتها Netflix نفسها في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة. الشركة حاولت الدخول إلى عالم الألعاب عبر تقديم مجموعة من العناوين المرفقة باشتراكاتها، بل وأبرمت عددا من الاتفاقيات مع مطورين مستقلين. لكن هذه المغامرة لم تكن دائما مستقرة، حيث شهدت بعض المشاريع إلغاءات مفاجئة، إضافة إلى عمليات تسريح وانفصال عن فرق تطوير في أكثر من مناسبة. هذه السوابق جعلت كثيرين يتساءلون، كيف ستتعامل Netflix مع فرق ضخمة بحجم NetherRealm Studios و Rocksteady Games، وهي فرق تعمل وفق دورات تطوير طويلة وتكاليف إنتاج عالية وتخضع لضغوط جماهيرية هائلة. ألعاب مثل Mortal Kombat و Batman Arkham ليست مجرد عناوين عادية، بل أيقونات ثقافية لها وزنها في تاريخ ألعاب الفيديو، وأي تغيير في طريقة إدارتها أو تمويلها قد ينعكس مباشرة على جودتها ومسارها الإبداعي. أحد المحللين قال في تعليق تداولته الشبكات الاجتماعية إن “مصير هذه الاستوديوهات قد يكون الاختبار الحقيقي لجدية Netflix في عالم الألعاب”، وهي عبارة لامست كثيرا من مخاوف اللاعبين الذين يعرفون أن الاستثمار في الألعاب يتطلب نفسا طويلا، وليس مجرد تجربة عابرة.
في المقابل، هناك من يرى في الصفقة فرصة ذهبية قد تمنح هذه الاستوديوهات إمكانيات أوسع للوصول إلى جمهور جديد بفضل البنية التحتية العالمية التي تمتلكها Netflix. تخيل مثلا لعبة جديدة من Rocksteady Games مرتبطة بشكل مباشر بسلسلة حصرية على Netflix، أو محتوى تفاعلي مستوحى من عالم Mortal Kombat يصل إلى ملايين المشتركين في لحظة واحدة. هذا النوع من التكامل بين المنصات لم يعد مجرد فكرة نظرية، بل أصبح توجها فعليا لدى شركات عدة تحاول كسر الحواجز التقليدية بين السينما والتلفزيون والألعاب. ومع ذلك، يبقى التخوف قائما من أن يتحول هذا التكامل إلى ضغط تجاري قد يدفع الفرق الإبداعية إلى تقديم تنازلات لا تخدم بالضرورة جودة الألعاب على المدى الطويل. اللاعبون اليوم أكثر وعيا بهذه التفاصيل، وأكثر حساسية تجاه أي إشارات توحي بأن ألعابهم المفضلة قد تتحول إلى مجرد امتدادات تسويقية لمشاريع ضخمة. وبين الحلم بالكروس أوفر المتكامل، والخوف من فقدان الهوية، يقف جمهور Warner Games في منطقة رمادية ينتظر ما ستسفر عنه الأسابيع والأشهر المقبلة.
وسط كل هذه الأسئلة، تظل الصفقة في حد ذاتها مؤشرا واضحا على أن معركة المنصات لم تعد تقتصر على الإنتاج الأصلي وحده، بل انتقلت إلى مرحلة الاستحواذ على الإرث الكامل للشركات الكبرى. Netflix التي بدأت قبل سنوات كمجرد منصة لبث الأفلام أصبحت اليوم لاعبا رئيسيا يدير استوديوهات إنتاج ويستحوذ على علامات تاريخية بحجم Warner Bros. ومع هذه القفزة العملاقة، تزداد التحديات والمسؤوليات أيضا. السوق لم يعد يرحم، والمنافسة مع شركات مثل Disney و Amazon و Apple وصلت إلى مرحلة يحتاج فيها كل طرف إلى أوراق ضغط استثنائية ليحافظ على موقعه. وفي هذا السياق، قد يكون قطاع الألعاب هو الورقة التي لم تكشف Netflix بعد عن نواياها الحقيقية بشأنها. هل ستواصل سياستها المتحفظة وتكتفي بتجارب محدودة، أم أنها ستسعى إلى تحويل استوديوهات بحجم NetherRealm Studios و Rocksteady Games إلى أعمدة أساسية في استراتيجيتها الترفيهية المقبلة. الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن فترة الانتظار لن تكون سهلة على جمهور يتابع كل تسريب وكل تصريح بعيون مفتوحة على مصراعيها.
في النهاية، صفقة استحواذ Netflix على Warner Bros ليست مجرد خبر اقتصادي ضخم، بل حدث مفصلي يعكس التحولات العميقة التي يعيشها عالم الترفيه ككل. اندماج بهذا الحجم سيغير طريقة إنتاج المحتوى وتوزيعه وتسويقه، وسيؤثر بشكل مباشر على ملايين المستخدمين حول العالم، سواء كانوا من عشاق الأفلام أو المسلسلات أو حتى ألعاب الفيديو. الغموض الذي يلف مصير استوديوهات الألعاب يضيف بعدا آخر لهذا الحدث، بعدا يجعل اللاعبين في حالة ترقب دائم، وكأنهم ينتظرون نتيجة مباراة مصيرية لم تُلعب بعد. البعض متفائل، والبعض متوجس، وآخرون يفضلون التريث حتى تتضح الرؤية بالكامل. لكن الشيء الوحيد المؤكد أن ما بعد هذه الصفقة لن يكون كما قبلها، وأن صناعة الترفيه تدخل فعلا مرحلة جديدة، قد تكون مبهرة إلى أقصى حد، أو مليئة بالمفاجآت غير المحسوبة، وربما تجمع بين الأمرين معا في آن واحد.