منذ منتصف الصيف الماضي، بدأ عدد كبير من المستخدمين يشتكي من أن تجربة العمل على Windows 11 أصبحت أثقل مما كانت عليه. بعضهم تحدث عن بطء في فتح التطبيقات الأساسية، والبعض الآخر لاحظ أن واجهة النظام لم تعد تستجيب كما يجب، بينما ظهرت حالات أخرى مرتبطة بالأداء داخل الألعاب. وفي ذلك الوقت، مرّت الشكاوى كأنها مجرد ردود فعل معتادة تظهر بعد كل تحديث جديد، قبل أن يتطوّر الأمر إلى نقاش واسع مع دخول طرف مفاجئ على الخط. شركة NVIDIA، التي تعتمد عليها فئة واسعة من اللاعبين، خرجت لتشير بشكل مباشر إلى أن Windows 11 هو المسؤول عن التدهور الملحوظ في أداء الألعاب خلال الأسابيع الأخيرة. هذا التصريح كان كفيلا بأن يقلب الصورة تماما ويعيد فتح الموضوع بطريقة لم تكن Microsoft تتوقعها.
اللافت أن المشكلة لم تقتصر على فئة محددة من الحواسيب، بل شملت أجهزة مختلفة ومعها تكوينات متنوعة من المعالجات وبطاقات الرسوميات. جزء كبير من المستخدمين تحدث عن تعطل مفاجئ في عناصر الواجهة الرئيسية، خصوصا قائمة Start وشريط المهام، إضافة إلى تباطؤ واضح في فتح النوافذ والتنقل بينها. وفي لحظات معينة، بدا وكأن النظام يتصرف بطريقة غريبة، إذ تتجمد بعض الخدمات ثم تعود للعمل بشكل متقطع دون تفسير واضح. ومع الوقت، بدأ كثيرون يربطون هذه المظاهر بتحديثات Microsoft 365، التي كانت بدورها تعاني من مشكلات في الاستجابة والمزامنة، الأمر الذي جعل الصورة العامة تبدو مربكة. أغلب ما جرى تداوله كان في البداية مجرد توقعات وتحليلات مبنية على تجارب شخصية، إلى أن جاءت الإشارة المباشرة من NVIDIA، والتي غيّرت من نبرة الحديث بالكامل.
تصريح الشركة لم يكن عاديا. فقد أوضحت أنها اضطرت إلى إصدار تحديث عاجل لتعريفات بطاقاتها الرسومية لكي تتجنب سوء التجربة التي أصبح اللاعبون يواجهونها بعد آخر تحديثات Windows 11. وبشكل غير مباشر، ألقت اللوم على النظام نفسه، الأمر الذي فسّره كثيرون باعتباره اعترافا بأن المشكلة أعمق مما كانت Microsoft تريد الإقرار به. المثير في الموضوع أن مايكروسوفت لم تُبد أي رد فعل سريع في بداية الأزمة، رغم أن الشكاوى كانت تتصاعد من مختلف المنصات. ظلت الشركة صامتة فترة طويلة، وكأنها تنتظر أن يهدأ الجدل، أو أنها كانت تسعى إلى جمع البيانات الكافية قبل الإدلاء بأي تصريح. ومع مرور الشهور، وصل الوضع إلى درجة دفعت المستخدمين إلى تداول مقاطع ساخرة، وأخرى تتساءل إن كان النظام سيظل يحصل على تحديثات تثقل أداء الأجهزة بدل تحسينه.
بعد أربعة شهور كاملة من ظهور المشكلة لأول مرة، خرجت Microsoft أخيرا لتعلن أنها رصدت اختلالا تأثيره واضح داخل Windows 11، وأكدت أن الخلل بدأ فعلا خلال شهر يوليو عقب تثبيت التحديث KB5062553. ما ميّز هذا الإعلان أن الشركة وصفت المشكلات بأنها “تؤثر على وظائف جوهرية داخل النظام”، وهو تصريح غير مألوف، خاصة حين يتعلق الأمر بإصدارات جديدة يفترض أنها تحاول إثبات استقرارها. وذكرت Microsoft أن تأثير الخلل شمل إصداري Windows 11 24H2 و25H2، وهما النسختان اللتان يراهن عليهما كثير من المستخدمين خلال الفترة المقبلة بعد توقف الدعم الرسمي لنظام Windows 10. الاعتراف جاء متأخرا، لكنه على الأقل وضع النقاش في سياق واقعي، وفتح الباب أمام انتظار حل واضح.
عندما تحدثت Microsoft عن إصلاح المشكلة، اكتفت بقولها إن العمل قائم على تحديث يعالج جذور الخلل، لكنها لم تعط أي تاريخ محدد. واكتفى بيانها بالإشارة إلى أن الفريق التقني يختبر حلولا متعددة قبل دمجها في تحديث عام. ورغم أن هذا التصريح قد يخفف قليلا من غضب المستخدمين، إلا أن الكثيرين يرون أن الشركة كان يجب أن تتدخل مبكرا، خاصة وأن أحد أبرز شركائها، وهو NVIDIA، اضطر للتصرف بشكل مستقل لحماية تجربة اللاعبين. ومن اللافت أن إعلان Microsoft لم يشر بأي شكل إلى بيان NVIDIA، وكأنها تحاول الحفاظ على الهدوء دون أن يبدو الأمر وكأنها استجابت لضغط خارجي. ومع ذلك، الواقع أن تدخل NVIDIA كان حاسما في كسر صمت الشركة وإجبارها على الاعتراف بوجود مشكلة لم يعد ممكنا تجاهلها.
المفارقة في كل هذا أن مستخدمي Windows 11 يشعرون حاليا بأنهم أمام خيار محدود. فبعد إيقاف الدعم الرسمي لـ Windows 10، باتوا مضطرين للاستمرار مع Windows 11، حتى إن ظهرت أعطال غير مريحة في النسخة الأحدث. هذا الشعور بالارتباط الإجباري بالنظام، مع غياب بدائل عملية لكثير من الفئات، يخلق حالة من الضغط والإحباط. البعض يرى أن المشكلة تكشف الجانب المعقد في تحديثات أنظمة التشغيل الحديثة، التي تعتمد بشكل كبير على تكامل الخدمات وبينها Microsoft 365، إضافة إلى تكامل التعريفات الخاصة ببطاقات الرسوميات. أي خلل صغير في هذه السلسلة قد يؤدي إلى نتائج مزعجة، تماما كما حدث في هذه الأزمة التي امتدت أكثر من المتوقع. وفي الوسط بين الشركتين، يتواجد المستخدم الذي يريد فقط نظاما مستقرا لا يتسبب في تعطيل عمله أو تقليل أداء جهازه داخل الألعاب التي ينتظرها.
ومع مرور الوقت، ستبقى هذه الحادثة مثالا واضحا على أهمية التعاون التقني بين الشركات الكبرى، كما ستكون دليلا على أن الاستماع لشكاوى المستخدمين ليس أمرا اختياريا، بل ضرورة تفرضها طبيعة السوق نفسها. وإذا أرادت Microsoft أن تعيد ثقة المستخدمين بنظامها، فعليها أن تسرع في إصدار الحل، وأن تقدمه بطريقة شفافة، لأن السوق لم يعد يحتمل التأخير. ومن جانب آخر، فإن تدخل NVIDIA أظهر أن الشركات التي تربطها علاقة مباشرة بالمستخدمين قادرة على تحريك النقاش حين تشعر بأن التجربة التي تقدمها أصبحت مهددة. وفي النهاية، الأمل هو أن تصدر Microsoft تحديثا مستقرا يعالج المشكلة بالكامل، حتى لا تتكرر أزمة مشابهة في الأشهر القادمة، خصوصا ونحن مقبلون على موجة ألعاب جديدة تحتاج أداء ثابتا داخل النظام.