من وقت لآخر، تظهر مبادرات غريبة في عالم الألعاب تثير الفضول لمجرد أنها ممكنة، حتى إذا لم تكن لها أي قيمة عملية واضحة. وفي الأيام الأخيرة، عاد هذا الشعور إلى الواجهة بعدما تمكن فريق قناة Video Game Esoterica من تشغيل Super Mario 64 على منصة PlayStation الأولى. قد يبدو الأمر غير منطقي عند أول وهلة، خصوصا أن اللعبة ارتبطت عبر عقود بمنصة Nintendo 64 التي شكلت جزءا مهما من هوية Nintendo. ومع ذلك، تمكن بعض الهواة من نقل اللعبة إلى جهاز منافس أقدم وأضعف من حيث القدرات. ربما لا توجد حاجة حقيقية وراء هذه الخطوة، ولكن يكفي أنها المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا، وهذا ما يجعل التجربة نفسها جديرة بالاهتمام.
عندما يعمل المبرمجون على تفكيك لعبة قديمة، فإنهم في الحقيقة يقومون بعملية تشريح دقيقة لهيكلها الداخلي. تفكيك لعبة لا يعني فقط نسخ شيفرتها البرمجية، بل يعني تحليل طريقة تصميمها وأصولها وطريقة تفاعل أجزاءها الداخلية مع بعضها، تماما كما لو أن الأمر يتعلق بتفكيك آلة قديمة لمعرفة سر ثباتها. هذا العمل ليس بسيطا ولا سريعا، بل يتطلب خبرة تقنية وصبرا كبيرا، وهو السبب في أن بعض الألعاب الكلاسيكية لا تُفكك إلا بعد سنوات طويلة من صدورها. وبفضل هذا الجهد، يصبح بالإمكان نقل اللعبة إلى لغات برمجة حديثة أو محركات جديدة، أو حتى منصات لم يكن المطور الأصلي يتخيل قط أنها ستستضيفها يوما.
هكذا بدأ الطريق لظهور Super Mario 64 على PlayStation. فبعد اكتمال عملية التفكيك قبل سنوات، أصبح من الممكن للمطورين الهواة استخراج الملفات الأساسية للعبة وتفسير بنيتها، ثم محاولة إعادة تركيبها بما يناسب منصة PlayStation الأولى. طبعا، نقل لعبة صُممت خصيصا لتستفيد من قوة Nintendo 64 إلى جهاز أضعف بكثير يُعد تحديا حقيقيا. تخيل مثلا أنك تحاول إدخال محرك سيارة رياضية في هيكل سيارة قديمة من الثمانينات. ربما يشتغل المحرك، لكنه لن يقدم الأداء نفسه، ولن يستوعب الهيكل كل وظائفه الأصلية. ومع ذلك، يظل مجرد تشغيله بحد ذاته إنجازا.
الفيديو الذي نشرته قناة Video Game Esoterica يعرض التجربة بشكل مباشر، ورغم أنها تجربة فوضوية نوعا ما، فإنها تقدم لمحة مثيرة عن النتيجة. عند تشغيل اللعبة، يظهر Mario بالفعل داخل بيئته المعروفة، لكن العناصر البصرية تعاني من مشاكل كثيرة. السماء مثلا تظهر سوداء تماما، وكأن اللعبة فقدت الروابط التي تُظهر الطبقات الخلفية. بعض القوام الرسومية لا يظهر إطلاقا، وبعضها الآخر يظهر لكن بصورة ناقصة أو خاطئة. حركة الكاميرا بدورها تعاني من اهتزاز غريب قد يجعل اللاعب يشعر وكأنه داخل مركبة تتحرك على طريق مليء بالحفر. هذه الأخطاء ليست غريبة عند محاولة تشغيل لعبة مصممة لمنصة متقدمة على جهاز أضعف، لكن رؤيتها بهذا الشكل تمنحك إحساسا بأنك أمام نسخة بدائية جدا مما تعرفه.
ورغم كل تلك العيوب، يمكن القول إن التجربة قابلة للعب. صحيح أنها ليست تجربة ممتعة بمعنى اللعب الحقيقي، ولكن مجرد تشغيل اللعبة والتحكم في Mario والتنقل داخل البيئة يمنح انطباعا بأن الفكرة أصبحت واقعا. هذا ما يجعل بعض الهواة في عالم التقنية يواصلون العمل على مشاريع كهذه دون هدف عملي مباشر. إنها روح التحدي، والرغبة في إثبات أن الحدود التي فرضتها الأجهزة القديمة ليست نهائية، وأن باستطاعة المبرمجين تجاوزها بطرق مبتكرة.
اللافت أن Super Mario 64 ليست مجرد لعبة عادية في سجل تاريخ Nintendo. عند صدورها، اعتُبرت ثورة في تصميم الألعاب ثلاثية الأبعاد، وكانت خطوة جريئة غيرت شكل الصناعة. اللعبة صممت للاستفادة من قدرات Nintendo 64، خصوصا في التعامل مع الأبعاد الثلاثية والزوايا العديدة التي تتحرك من خلالها الكاميرا. أما PlayStation الأولى، فهي جهاز قوي في زمنه، لكنه وُجه لبنية مختلفة تماما، تعتمد أكثر على الرسوم ثنائية الأبعاد المعززة وقوة معالجة أقل مرونة في البيئات المفتوحة ثلاثية الأبعاد.
لذلك، عندما ترى Mario يتحرك داخل منصة PlayStation، فأنت في الحقيقة تشاهد صدمة صغيرة في تاريخ الألعاب. هذا النوع من المشاريع يذكرنا دائما بأن عالم الألعاب لا يعيش داخل قوالب ثابتة، وأن اللاعبين لا يتوقفون عن التجريب والاكتشاف حتى عندما تكون التكنولوجيا قديمة نسبيا. وكما قال أحد الهواة في أحد المشاهد المتداولة:
“أحيانا، نفعل شيئا فقط لأن تحقيقه ممكن، لا لأنه مفيد”.
هذا النوع من الاقتباسات يعكس روح المشروع ويقدم صورة واضحة عن الهدف الحقيقي وراءه.
تاريخ مبادرات كهذه مليء بأمثلة مشابهة. جعل DOOM يعمل على أجهزة غريبة أصبح عادة شبه سنوية. أحدهم جعله يشتغل على شاشة اختبار الحمل، وآخر شغله على شاشة داخل ثلاجة ذكية، ثم جاء من شغله داخل Excel والعديد من الأجهزة الإلكترونية غير المصممة لتشغيل الألعاب. غالبا لا يوجد هدف منطقي خلف هذه المبادرات، ولكنها تلهم الجميع وتُذكر بأن الإبداع لا يحتاج دائما إلى معنى واضح لكي يكون ممتعا.
الجهد المبذول لإظهار Super Mario 64 على PlayStation يشير أيضا إلى مدى تعلق اللاعبين بالألعاب الكلاسيكية. الكثيرون يرون في هذه المشاريع طريقة للاحتفال بذكريات الطفولة، بينما يعتبرها آخرون وسيلة لإظهار قدراتهم التقنية وإتقانهم للغات البرمجة والعمل العميق على الملفات المعقدة. بهذه الروح، يتحول مشروع كهذا من مجرد عرض تقني إلى رسالة غير مباشرة عن استمرار أهمية التراث الرقمي وأثره على الأجيال الجديدة.
كما أن هذا الحدث يأتي في الوقت نفسه الذي تشهد فيه الصناعة تغيرات غير مسبوقة. الألعاب الحصرية مثلا، التي كانت في الماضي جزءا من الهوية الخاصة لكل منصة، أصبحت اليوم أقل مما كانت عليه، إذ شاهدنا مؤخرا وصول Halo إلى PlayStation 5. وبهذا، يبدو مشهد Mario على PlayStation أقل غرابة مما كان عليه قبل سنوات قليلة. قد لا يكون مشهدا رسميا، ولكنه يعكس الاتجاهات الجديدة التي أصبحت فيها الحدود بين المنصات أقل صرامة.
ورغم أن المشروع الحالي لا يمكن اعتباره تجربة صالحة للعب الحقيقي، فإن ما تحقق فيه يُعد خطوة أولى قد تتطور مع مرور الوقت. فكل مشروع يبدأ بشكل غير مكتمل، ثم يُعاد بناؤه وتحسينه، وقد نصل في المستقبل إلى نسخة أكثر استقرارا. وربما لن يكتمل الأمر أبدا، ولكن الفكرة نفسها جزء من جمال المشروع.
بهذا المعنى، لا يتعلق الأمر بمجرد تشغيل لعبة قديمة على جهاز آخر، بل يتعلق برغبة اللاعبين والمبدعين في كسر القواعد واستكشاف حدود التقنية. ومن يدري، قد يأتي يوم نرى فيه محاولات مشابهة مع ألعاب أخرى أكثر تعقيدا، سواء على PlayStation أو على منصات أخرى غير متوقعة.