تعيش صناعة الألعاب الإلكترونية في المغرب مرحلة لافتة من التحول، خاصة بعد الإعلان الرسمي عن إطلاق النسخة الثانية من برنامج التكوين Video Game Creator خلال سنة 2026. هذا البرنامج، الذي جاء نتيجة تعاون بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والسفارة الفرنسية، يعود من جديد بعد النجاح الكبير الذي عرفته النسخة الأولى سنة 2025. أهمية البرنامج لا تكمن فقط في كونه مبادرة للتكوين، بل في كونه خطوة جديدة نحو بناء جيل مغربي له حضور فعلي في عالم تطوير الألعاب، وهو عالم يتسع أكثر فأكثر، ويمنح فرصا مهنية واعدة لمن يمتلك الشغف والمهارة. وعندما ننظر إلى ردود فعل المهتمين بالقطاع بعد النسخة الأولى، ندرك أن هناك عطشا حقيقيا لدى الشباب المغربي لولوج هذا المجال، سواء من باب الإبداع الفني أو من باب البرمجة وبناء التجارب التفاعلية. لذلك يبدو إطلاق النسخة الثانية امتدادا طبيعيا لمسار بدأ يتشكل، وكأن الساحة المغربية بدأت تعلن أخيرا أنها تريد مكانا ضمن خارطة صناعة الألعاب العالمية.
ومع أن العالم يشهد توسعا كبيرا في برامج تكوين مطوري الألعاب، إلا أن خصوصية المبادرة المغربية تكمن في طبيعة الشراكات التي تقف خلفها، وفي الهيكلة الأكاديمية والمهنية التي تُقدم للمشاركين. فالبرنامج سيستقبل أربعين شابة وشابا من مختلف جهات المغرب، وسيخضعون لتكوين معتمد يمتد لتسعة أشهر كاملة، تتضمن ثلاثة أشهر من التدريب المهني داخل بيئات حقيقية. هذه الصيغة تجعل المحتوى أقرب إلى تجربة شاملة، تجمع ما بين التكوين النظري والتطبيق العملي داخل استوديوهات تطوير أو مؤسسات يمكن أن تمنح المتدربين فرصة حقيقية لاختبار مهاراتهم. ويأتي هذا التكوين تحت إشراف خبراء من ISART Digital، وهي مؤسسة تعليمية مصنفة ضمن أفضل المدارس المتخصصة في تكوين مطوري الألعاب في العالم. وجود هذا الاسم وحده يكفي لرفع سقف التوقعات لدى المشاركين، لأن أغلب مطوري الألعاب يعرفون سمعة المدرسة وقدرتها على تقديم محتوى عالي المستوى. ويحتضن التكوين مقر ISMAC بالرباط، ما يمنح البرنامج فضاء عمليا مهيأ لاستقبال ورشات العمل، وتجارب الاختبار، وكل ما يحتاجه المتدرب لصقل مهاراته.
وما يعطي للبرنامج طابعا أكثر إنسانية هو التزام الشركاء بتغطية كامل مصاريف التكوين. هذا القرار يحمل في داخله رؤية واضحة تهدف إلى دعم تكافؤ الفرص، كي لا تكون تكلفة التكوين حاجزا أمام الشباب الراغب في دخول هذا العالم. قطاع صناعة الألعاب قد يبدو مكلفا بالنسبة للبعض، سواء بسبب الأدوات التقنية أو البرامج أو التكوينات المتخصصة، ولذلك فإن إزالة هذا العائق يعطي الفرصة لمن يملك الموهبة والشغف، بصرف النظر عن قدرته المالية. ويمكن تخيل كيف ستبدو حياة شاب مغربي شغوف بالألعاب عندما يجد نفسه فجأة أمام برنامج دولي معتمد، دون أن يضطر للقلق بشأن الرسوم أو المعدات. هذه التفاصيل الصغيرة تصنع الفارق، وغالبا ما تتحول إلى قصص نجاح لاحقا. ولعل أبرز عبارة تعبر عن هذا التوجه ما ورد على لسان أحد المؤطرين في النسخة السابقة، حين قال: “الموهبة يمكن أن تولد في أي مكان، وما تحتاجه فعلا هو فرصة عادلة”. هذا الاقتباس يلخص روح المبادرة ويعطيها بعدا اجتماعيا واضحا.
ولكي يكون المتقدمون على اطلاع بآجال المشاركة، تم الإعلان عن تواريخ مهمة ينبغي متابعتها بعناية. إيداع الترشيحات سيكون ما بين الخامس عشر من نونبر والسادس من دجنبر سنة ألفين وخمسة وعشرين، بينما سيتم انتقاء المرشحين خلال دجنبر نفسه. بعد ذلك سينطلق التكوين الفعلي في يناير من سنة ألفين وستة وعشرين، أي مباشرة بعد نهاية مرحلة الانتقاء. هذه التواريخ ليست مجرد مراحل تنظيمية فحسب، بل تمنح المتقدمين وقتا كافيا للتحضير، وتجهيز ملفاتهم، وربما صياغة أفكار أولية عن المشاريع التي يرغبون في تطويرها لاحقا. من المعتاد في مثل هذه البرامج أن يطلق المتدربون مشاريع لعب صغيرة خلال المرحلة الأولى من التكوين، ثم يطورونها تدريجيا خلال فترة التدريب، قبل أن يعرضوها أمام خبراء الصناعة في نهاية البرنامج. ومن يدري، ربما نشهد ظهور لعبة مغربية جديدة تجد طريقها إلى منصات عالمية مثل Steam أو حتى PlayStation Store إذا تم دعمها بالشكل الصحيح.
وما يجعل الأجواء أكثر حماسا هو سهولة تقديم الترشيحات عبر المنصة الرسمية الخاصة بالبرنامج. كثير من الشباب الذين شاركوا في النسخة الأولى تحدثوا عن أن عملية التسجيل كانت بسيطة ومباشرة، وهو أمر مهم لأنه يشجع على مشاركة أوسع، خاصة من مناطق بعيدة داخل المملكة. في بعض الأحيان، التفاصيل الصغيرة المرتبطة بسهولة الولوج يمكن أن تحدد ما إذا كان الشاب سيتقدم للبرنامج أم لا. ومع أن طبيعة القطاع قد تبدو معقدة لمن ينظر إليه من بعيد، إلا أن البرامج المصممة بعناية مثل Video Game Creator تمنح للموهوبين فرصة للدخول التدريجي، خطوة بخطوة، حتى يتمكنوا من بناء أساس قوي لانطلاقتهم المهنية. وإذا استمرت هذه الدينامية بنفس الإيقاع خلال السنوات المقبلة، فمن المحتمل أن يتحول المغرب إلى نقطة بارزة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مجال تطوير الألعاب. فقد أصبح واضحا أن الطلب العالمي على مطوري الألعاب يتزايد، وأن الشركات تبحث عن كفاءات جديدة قادرة على فهم التقنية والإبداع في الوقت نفسه، وهذا ما يستطيع البرنامج أن يقدمه فعلا للمشاركين. ورغم أن الطريق ما يزال طويلا، إلا أن المؤشرات الحالية تبشر بمستقبل واعد، وتمنح الأمل لجيل كامل يبحث عن فرصة للدخول إلى صناعة كان يراها سابقا بعيدة المنال.