كانت نهاية دجنبر من سنة 2004 لحظة مفصلية في تاريخ صناعة الألعاب، ليس فقط داخل السوق اليابانية التي اعتادت على المفاجآت التقنية، بل على مستوى العالم بأكمله. يومها خرج جهاز PSP إلى الأسواق لأول مرة، واضعًا Sony Computer Entertainment أمام تحدٍّ جديد: دخول عالم الأجهزة المحمولة بشكل رسمي بعد نجاح سلسلة PlayStation المنزلية. وبينما لم يكن أحد يتوقع أن يترك هذا الجهاز أثرًا طويل المدى، سرعان ما تحوّل إلى ظاهرة حقيقية، سواء بفضل تصميمه، أو خياراته التقنية، أو بصورة أدق تلك الجرأة التي جعلته يجمع بين ألعاب الفيديو والوسائط المتعددة في مرحلة لم تكن فيها الهواتف الذكية قد وُلدت بعد. ومع مرور الزمن، صار الكثير من اللاعبين يتذكرون تلك المرحلة كأول احتكاك لهم بجهاز قادر على تشغيل الألعاب والأفلام والموسيقى وتصفح الإنترنت في آن واحد، وهو أمر يُشبه بالنسبة إلى جيل اليوم محاولة تخيّل عالم بلا Android ولا iPhone.
لقد جاء PSP ليغيّر القواعد، فهو أول جهاز محمول من SCE، ومع ذلك بدا وكأنه مستعد لمنافسة الأجهزة الأكبر، سواء من ناحية الشاشة الواسعة التي كانت أشبه بواجهة عرض سينمائية صغيرة، أو من خلال استخدام UMD، ذلك القرص الصغير الغريب الذي لم يشبه أي وسيط آخر. كان شكله نصف دائري داخل غلاف بلاستيكي مميز، وربما من الطبيعي أن يظل محفورًا في ذاكرة كل من حمل الجهاز. ما يجعل هذه القصة مثيرة هو أن SCE اختارت بدقة موعد الإطلاق، حيث فضّلت يوم 12 دجنبر، الرقم المكرر الذي لطالما أحبته الشركة عند تحديد مواعيد منتجاتها. ومن الطريف أن هذا الموعد صار لاحقًا جزءًا من ذاكرة اللاعبين، إذ يُستعاد كل سنة باعتباره يومًا شهد ولادة واحدة من أهم أيقونات الجيل الحديث من الأجهزة المحمولة.
ومع أن PSP عُرف أساسًا كجهاز ألعاب، إلا أنه قدّم تجربة مختلفة تمامًا عما كان يُعرض في السوق وقتها. فقبل ظهور الهواتف الذكية كان المستخدمون يبحثون عن جهاز واحد يُقدم شيئًا أكثر من مجرد ألعاب، وهنا دخل PSP إلى الواجهة بكونه جهازًا قادرًا على تشغيل الأفلام والموسيقى، إضافة إلى وجود متصفح إنترنت مدمج. قد يبدو هذا تفصيلًا بسيطًا في عالم اليوم، لكنه في 2004 كان أقرب إلى تجربة مستقبلية. هناك من استخدمه كمشغل أفلام فقط، خصوصًا بعدما بدأت شركات التوزيع إصدار أفلام وأنمي على UMD. وهناك من اعتمد عليه كبديل للحاسوب، ولو بصورة محدودة، بفضل المتصفح الذي كان عمليًا مقارنة بما كان متاحًا وقتها. ويكفي أن نتخيل شخصًا في تلك المرحلة لم يملك حاسوبًا، يستخدم PSP لتصفح المنتديات أو تنزيل صور وخلفيات وتشغيلها مباشرة. هذا وحده كان كافيًا لجعل الجهاز يتقدم على منافسيه.
[/embedpress]
لكن سر انفجار شعبية PSP الحقيقي لم يكن في تقنيات الوسائط المتعددة، بل في تأثير سلسلة Monster Hunter Portable. فقد تحوّل هذا العنوان إلى ظاهرة ضخمة، خصوصًا بعد إصدار Monster Hunter Portable 2nd G، إذ صار من الطبيعي رؤية مجموعات كاملة من اللاعبين يتجولون حاملين أجهزة PSP في المقاهي والحدائق وحتى المدارس. وفي مكاتب التحرير، مثل عدد كبير من العاملين في الإعلام الياباني، كانت الجلسات تمتد حتى الصباح. هذه اللحظات الجماعية صنعت حول الجهاز طابعًا اجتماعيًا مميزًا. لم تعد الألعاب مجرد ترفيه فردي، بل نشاط جماعي حقيقي، بينما أصبح لعب Monster Hunter على PSP أشبه بطقس أسبوعي لدى البعض.
وقد استمرت Sony في تطوير الجهاز بثلاثة إصدارات رئيسية لاحقة. ظهر PSP-2000 في شتنبر 2007 بتصميم أخف وأنحف، وهو ما جعل الجهاز أكثر قابلية للحمل والاستخدام اليومي. ثم تبعته نسخة PSP-3000 في أكتوبر 2008 التي حسّنت الشاشة وأضافت أداءً أفضل لمعالجة الصورة. وفي نونبر 2009، قررت الشركة اتخاذ خطوة جريئة بإطلاق PSP go، النسخة التي تخلّت تمامًا عن UMD واعتمدت على التحميل الرقمي فقط. وبالرغم من أن الجهاز لم يحقق نجاحًا ضخمًا مثل الإصدارات السابقة، إلا أنه أسّس لفكرة أصبحت أساسية لاحقًا في PlayStation Vita، وفي كل ما عرفناه بعد ذلك من أجهزة تعتمد على المتاجر الرقمية بشكل شبه كامل. يمكن القول إن PSP go كان سابقًا لزمانه، أو ربما كان انعكاسًا لمرحلة انتقالية بين عالم الأقراص والعالم الرقمي.
وإذا توقفنا للحظة للنظر إلى الوراء، سنلاحظ أن PSP ترك بصمة ثقافية وتقنية تتجاوز مجرد كونه جهازًا تم إنتاجه في منتصف العقد الأول من الألفية. لقد قدّم مثالًا مبكرًا لدمج الوسائط والألعاب في جهاز واحد، وفتح الباب أمام فكرة الترفيه المحمول بشكل موسّع. كما أنه أثبت قدرة SCE على الابتكار خارج نطاق الأجهزة المنزلية، وهي خطوة كانت ضرورية قبل دخولها لاحقًا إلى مجال الهواتف والتطبيقات المرتبطة بعلامة PlayStation. ونجاح Monster Hunter Portable على الجهاز منح السوق مفهوم “اللعب الجماعي المحمول”، وهو شيء نراه بوضوح اليوم في ألعاب الهواتف الذكية. وحتى محاولات Sony في تحسين جودة الصور والشاشات عبر الأجيال الثلاثة من PSP مهّدت الطريق أمام شاشة OLED الرائعة في PlayStation Vita.
من الطريف أن كثيرين ما زالوا يتذكرون هذا الجهاز كأول منصة حملوها معهم بشكل يومي. البعض احتفظ بها لتشغيل الموسيقى أثناء السفر، والبعض استخدمها لتخزين الصور أو مشاهدة حلقات الأنمي، بينما اعتمد آخرون عليها كمنصة أساسية لمتابعة الإنترنت. ومع كل هذه الاستخدامات المتنوعة، استطاع الجهاز أن يحتفظ بطابع فريد: جهاز ألعاب في الأساس، لكنه قادر على أن يكون شيئًا أكثر من ذلك بكثير. وربما هذا هو ما جعل PSP يعيش في ذاكرة اللاعبين بطريقة لا تشبه أي منصة أخرى. فالأمر لم يكن مجرد لعب، بل تجربة يومية كاملة، تجمع بين الترفيه والتكنولوجيا والفضول الشخصي لاستكشاف ما يمكن للجهاز أن يفعله.
واليوم، ونحن نعود لذكرى إطلاق PSP، يبدو واضحًا أن هذا الجهاز لم يكن مجرد خطوة تقنية من Sony، بل لحظة شكّلت جزءًا من الطفرة التي عاشتها الأجهزة المحمولة قبل ظهور الهواتف الذكية. لقد كان بوابة لعب حقيقية، ونافذة لمشاهدة الأفلام، ووسيلة للتواصل عبر الإنترنت، وأداة للترفيه الجماعي. ومع مرور السنين، ظل PSP حاضرًا كمثال على كيف يمكن لجهاز واحد أن يغيّر الطريقة التي نرى بها الألعاب المحمولة، وكيف يمكن لفكرة بسيطة أن تتحوّل إلى تجربة كاملة ترافق المستخدم في حياته اليومية. لذلك، فإن ذكرى إطلاق PSP ليست مجرد رقم في التاريخ، بل تذكير بجهاز منح جيلاً كاملًا لحظات لا تُنسى، وفتح الباب أمام تطور مستمر ما زال تأثيره واضحًا حتى اليوم.