لم تكن السنوات الأخيرة سهلة على فريق Bungie الذي وجد نفسه أمام تحديات متراكمة في سبيل الحفاظ على مكانة Destiny 2 داخل سوق مزدحم ومتقلب. جمهور اللعبة الذي رافق السلسلة منذ بداياتها يعرف جيداً أن Destiny عاشت مراحل صعود وهبوط كثيرة، لكن ما حدث خلال الأشهر الماضية أخذ الأمور إلى منحنى مختلف تماماً، خصوصاً مع التراجع الملحوظ في التفاعل مع التوسعات الأخيرة. توسعة The Edge of Fate التي صدرت خلال يوليو شهدت استقبالاً باهتاً، وهو أمر لم يعد غريباً بالنسبة للاعبين الذين شعروا بأن اللعبة فقدت شيئاً من سحرها الأصلي. الحديث عن هذا التراجع عاد بقوة بعد أن خرج مخرج اللعبة Tyson Green بتصريحات صريحة، لم يخجل فيها من الاعتراف بالأخطاء ولا من الإشارة إلى أن الفريق يعيش واحدة من أكثر الفترات حساسية منذ إطلاق Destiny قبل أكثر من عشر سنوات. وبمجرد أن أعلن Green أن التوسعة لم تحقق الحد الأدنى من توقعات اللاعبين، بدأ النقاش ينتشر بين المجتمع بشكل أكبر من أي وقت مضى، وكأن الجميع كان ينتظر اعترافاً صريحاً من داخل الاستوديو نفسه.
في الحقيقة، العلاقة بين اللاعبين و Destiny 2 أصبحت تشبه علاقة طويلة الأمد يمرّ فيها الطرفان بمنعطفات كثيرة. هناك من ترك اللعبة بالكامل، وهناك من يعود كل فترة ليرى إن كانت الأمور قد تغيّرت، وهناك أيضاً الفئة الصغيرة التي ما زالت تلعب يومياً بدافع العادة أكثر من المتعة. توسعة The Final Shape التي سبقت The Edge of Fate أعادت شيئاً من الأمل، لأنها مثّلت نهاية قصة دامت عقداً كاملاً. الكثيرون شعروا بأن اللعبة بعد تلك الخاتمة تحتاج إلى مساحة للتنفس، إلى بداية جديدة تحمل طاقة مختلفة تعيد الحماس. لذلك، عندما أعلنت Bungie أن The Edge of Fate ستكون بداية ملحمة جديدة، ارتفع سقف التوقعات بشكل طبيعي، بل ربما بشكل مبالغ فيه. لكن المفاجأة جاءت عندما اكتشف اللاعبون أن التوسعة تعتمد بشكل كبير على فكرة grind المتكرر، وعلى إجبار اللاعب على قضاء ساعات طويلة للوصول إلى مستويات مرتفعة، مع غياب مكافآت تستحق الجهد المبذول. هنا بدأت الشكوك تتوسع، وبدأ اللاعبون يتساءلون إن كانت Bungie ما زالت تفهم ما ينتظره جمهورها، أم أن الفريق أصبح يدور في حلقة مفرغة من الأنظمة المرهقة التي لم تعد تجذب أحداً.
ما يجعل تصريحات Tyson Green مهمة هو أنها المرة الأولى التي يعترف فيها شخص من داخل الفريق بأن التجربة التي قدمتها التوسعة كانت ناقصة وغير مكتملة من الناحية الجوهرية. Green قال في حديثه إن الفريق يريد الاستمرار في تقديم القصص داخل عالم Destiny، وأن هناك الكثير من الحكايات التي لم تُرو بعد. لكنه رغم ذلك لم يتردد في شرح المشكلة الأساسية بصراحة: التركيز المفرط على الجهد بدلاً من المتعة. خلال المقابلة تحدث بوضوح قائلاً: “لقد أدركنا أن اللاعبين لا يبحثون فقط عن ساعات من العمل المتواصل للوصول إلى مستوى معين، بل يريدون شعوراً فعلياً بالإنجاز. المكافأة يجب أن تكون ملموسة، لا مجرد رقم يرتفع”. هذا الاقتباس الوحيد الذي يستحق أن يُذكر لأنه يلخص بدقة ما يشعر به اللاعبون منذ فترة. اللعبة تحولت شيئاً فشيئاً إلى تجربة تستهلك الوقت أكثر مما تقدم إحساساً حقيقياً بالتقدّم، وهو ما جعل التوسعة الجديدة تبدو بلا طعم رغم أنها جاءت كافتتاحية لفصل جديد كان من المفترض أن يكون أكثر إثارة.
اللافت أن Bungie ليست مجرد استوديو يصنع الألعاب، بل فريق بنى مجتمعه بيديه خلال أكثر من عقد. مجتمع Destiny معروف بولائه وشغفه، لكن هذا الولاء لم يعد كما كان. المواقع والمنتديات ومقاطع YouTube امتلأت بمقارنات بين التوسعة الجديدة وتوسعات قديمة قدمت محتوى أفضل بكثير، مثل Forsaken أو The Taken King. اللاعبون يتحدثون اليوم عن أن العالم داخل اللعبة أصبح أقل حياة، وأن المهام باتت أقرب إلى روتين يومي. البعض يشبّه الأمر بالعودة إلى العمل بعد عطلة طويلة، حيث يكون كل شيء ثقيلاً وبطيئاً. القسم المؤلم هنا أن Bungie كانت دائماً تعرف كيف تحوّل لحظات السقوط إلى نجاحات لاحقة، وهذا ما جعل اللاعبين يثقون بها طويلاً، لكن مع الوقت أصبحت مشكلات Destiny تتكرر بشكل يصعب تجاهله. التوسعة الجديدة كانت فرصة لإعادة بناء الثقة، لكنها اختارت الطريق الأصعب: تقديم نظام تقدّم معقّد ومرهق بلا مكافآت مرضية، وهو ما دفع الكثيرين للتساؤل إن كان الفريق ما زال يستمع فعلاً إلى جمهوره أم لا.
مع ذلك، لا يمكن القول إن الصورة سوداء بالكامل. تصريحات Green أوضحت أن الفريق تعلّم دروساً قاسية من الأخطاء الأخيرة، وأنه يريد أن تعود Destiny 2 إلى كونها لعبة حيّة تستمر في النمو بدلاً من أن تتحول إلى لعبة خدماتية ميتة كما حدث مع عناوين أخرى. هذا الكلام يعكس رغبة داخلية لدى Bungie لإحياء اللعبة من جديد، وربما إعادة النظر في الطريقة التي تُبنى بها التوسعات القادمة. إذا أراد الفريق أن يمنح اللاعبين بداية جديدة جيدة، فعليه أن يفكر بعمق في معنى الاستمرارية داخل الألعاب الحيّة، تلك التي تعتمد على علاقة طويلة بين اللاعب والمحتوى. التجارب الأخيرة في الصناعة أظهرت أن اللاعب الحديث لم يعد يقبل بأن يُطلب منه grind مبالغ فيه مقابل مكافآت لا ترتقي إلى الجهد. Fortnite و Warframe و Genshin Impact تقدّم نماذج مختلفة عن النجاح في الألعاب المستمرة، لكنها كلها تشترك في مبدأ بسيط: المكافأة يجب أن تكون مرضية وتستحق الوقت الذي يضعه اللاعب فيها. Destiny كانت تمتلك هذا التوازن في مراحل كثيرة من تاريخها، لكنها فقدته تدريجياً، ما جعل The Edge of Fate تبدو وكأنها جزء من مشكلة أكبر تتجاوز محتوى التوسعة نفسها.
من الواضح أن Bungie أمام مرحلة انتقالية دقيقة، وربما تحتاج Destiny 2 إلى إعادة هيكلة تشمل طريقة تصميم المحتوى، ونظام المكافآت، وحتى الأسلوب القصصي. الجمهور يريد التغيير، ويريد قبل ذلك أن يشعر بأن صوته مسموع. الأخطاء واردة، لكن المهم أن تكون جزءاً من مسار تصحيحي حقيقي، لا مجرد تصريحات لتهدئة الجمهور. التجربة أشبه برحلة طويلة تحاول فيها اللعبة البحث عن نفسها من جديد، وهو أمر قد يكون إيجابياً إذا عرف الفريق كيف يستغل الفرصة. التوسعات القادمة يجب أن تقدم محتوى أكثر إنسانية، أقرب إلى روح المغامرة التي أحبها اللاعبون في البداية، وأبعد عن الجداول الرقمية والمهام المكررة. إذا استطاعت Bungie أن تقدم رؤية جديدة تعيد المتعة إلى قلب التجربة، فقد تستعيد Destiny مكانتها وتعود إلى كونها واحدة من أهم ألعاب الجيل. ولكن إن تكرر ما حدث مع The Edge of Fate، فقد يجد الفريق نفسه أمام تراجع لا يمكن وقفه بسهولة. Destiny ليست مجرد لعبة بالنسبة لكثيرين، بل عالم عاشوا فيه لسنوات، وكل ما يحتاجونه الآن هو بداية جديدة تستحق الوقت الذي قضوه معها، وسبب مقنع يجعلك تدخل اللعبة وأنت تتوقع شيئاً جديداً فعلاً لا مجرد إعادة تدوير لأنظمة قديمة فقدت بريقها.