رغم أنّ العام لم يصل بعد إلى محطته الأخيرة، إلا أنّ مؤشرات سوق الألعاب في بريطانيا بدأت تكشف عن ملامح المشهد العام للمنافسة بين الأجهزة المنزلية، وتحديداً بين جهاز PS5 وجهاز Nintendo Switch 2. هذه المنافسة اكتسبت اهتماماً واسعاً خلال الشهور الماضية، خصوصاً بعد إطلاق Switch 2 في شهر يونيو، وهو توقيت كان كفيلاً بأن يمنحه دفعة قوية في النصف الثاني من السنة. لكن ما حدث كان مفاجئاً للكثير من المتابعين، إذ أظهرت بيانات The Game Business أنّ PS5 يتصدر المبيعات حالياً بفارق طفيف، رغم أنّ الجهاز يقدّم نفسه منذ ثلاث سنوات في الأسواق بينما ما يزال Switch 2 يعيش أشهره الأولى. هذا التفوق لم يأت من فراغ، بل يعكس مجموعة من العوامل التي يمكن رؤيتها عند قراءة سلوك السوق البريطاني وطبيعة الجمهور هناك، وهو جمهور يميل إلى الأجهزة القادرة على تقديم تجارب ضخمة وإنتاج فائق للجودة، مع ثبات واضح في حجم الطلب حتى خلال فترات الركود الموسمية.
التقارير التي ظهرت حول أداء PS5 خلال أسبوع الجمعة السوداء كانت لافتة للغاية، فقد أظهرت تفوق الجهاز في ذلك الأسبوع الحاسم الذي يعتبر في العادة لحظة اختبار حقيقية لقوة أي جهاز أو شركة في السوق. وفي العادة، تعيد تلك الفترة تشكيل خريطة مفاهيم القوة الشرائية لأن المستهلكين يختارون بدقة ما يريدون الاستثمار فيه، سواء كان منصة ألعاب أو أحد ملحقاتها أو حتى ألعاباً كبيرة تصدر في نهاية السنة. ورغم أنّ Switch 2 يحظى بدعم واسع من مجتمع اللاعبين وأتى كتحديث طال انتظاره لمنصة Nintendo، فإن دخوله المتأخر نسبياً إلى سباق هذا العام جعله في موقع أصعب مقارنة بجهاز ناضج ومستقر مثل PS5. ومن الطبيعي أن نرى جهازاً أمضى نصف عام كامل وحده في السوق يتفوق في الإجمالي السنوي على جهاز لم يكن متوفراً خلال تلك الفترة. ومع أنّ هذا يبدو منطقياً من الناحية الحسابية، إلا أن تأثيره على الانطباع العام حول المنافسة كان كبيراً، إذ منح PS5 شعوراً بأنه ما زال يحتفظ بزخم قوي رغم اقتراب الجيل من منتصف عمره.
ومن المثير للاهتمام أنّ السوق البريطاني يتميز بطبيعة خاصة مقارنة بأسواق أخرى، فاللاعب هناك يميل إلى الأجهزة القادرة على تقديم ألعاب ضخمة ومعقدة، وغالباً ما تختار نسبة كبيرة من الجمهور الألعاب الحصرية التي تعتمد على أسلوب تقديم أقرب إلى الإنتاجات السينمائية. وهنا برزت قوة PlayStation خلال الأشهر الماضية، خصوصاً مع استمرار إطلاق عناوين كبيرة حظيت باهتمام واسع، إضافة إلى مجموعة من التخفيضات التي ساهمت في دفع الطلب في وقت كان Switch 2 يحقق حضوره الأول. لكن هذا لا يعني أنّ جهاز Nintendo يواجه عاماً صعباً، بل على العكس، فالجهاز حقق انطلاقة قوية جداً منذ يونيو، وما يزال يتمتع بقاعدة جماهيرية ضخمة تنتظر منه الكثير خلال السنة المقبلة. ومع ذلك، يستطيع PS5 أن يستفيد بشكل مباشر من الأشهر التي سبقت ظهور Switch 2، وهي فترة أعطته أفضلية رقمية قد يكون من الصعب على أي منصة جديدة تجاوزها خلال عام واحد فقط.
وفي خضم الحديث عن الأرقام والمبيعات، يبرز جانب آخر لا يقل أهمية عن أي فصل رقمي، وهو التأثير النفسي على جمهور المنصات. سبق وأن رأينا خلال السنوات الماضية كيف يمكن لفترة قصيرة من الأخبار الإيجابية أو السلبية أن تغيّر نظرة الجمهور لمنصة معيّنة، حتى لو كانت الأرقام الفعلية غير بعيدة جداً عن المنافسين. تفوق PS5 هذا العام يمنحه قوة إضافية على مستوى الصورة الذهنية، خاصة بعدما نجح في تجاوز فترة الإمدادات الصعبة التي عاشها في بداياته، وهي فترة أثرت على توفره في الأسواق العالمية بشكل كبير. اليوم، يبدو الجهاز أكثر استقراراً، وأقدر على الاستجابة للطلب، كما أن Sony تعمل بشكل مستمر على تعزيز التواجد التجاري للجهاز داخل الأسواق الأوروبية، وهو ما يظهر في الحملات الدعائية وتواجد الجهاز داخل متاجر التجزئة. ومع أن هذا النوع من النشاط لا يظهر مباشرة في أرقام التقارير، إلا أنّ أثره يتراكم بمرور الأشهر، ويخلق علاقة أقوى بين المستهلك والعلامة.
أما بالنسبة لـ Nintendo Switch 2، فلا يمكن تجاهل كونه واحداً من أكثر الأجهزة المنتظرة في السنوات الأخيرة، والجمهور يعرف تماماً أن الجهاز يسير وفق فلسفة مختلفة عن منافسيه. Nintendo تعتمد دائماً على تنويع التجارب وتركيزها على الأفكار الإبداعية، وتحرص على تقديم ألعاب تستقطب فئات عمرية متعددة. لكن رغم ذلك، دخولها المتأخر في العام الحالي جعل المقارنة المباشرة مع PS5 غير عادلة إلى حد ما، لأن شهر يونيو ليس بداية مثالية لملاحقة جهاز أمضى نصف عام كاملاً في تحقيق المبيعات دون أي منافس جديد في الفئة نفسها. ومع مرور الوقت، من المتوقع أن تتغير الصورة خلال العام المقبل، خصوصاً إذا استمرت Nintendo في دعم منصتها الجديدة بسلسلة من الإصدارات القوية التي يمكنها أن تدفع وتيرة المبيعات إلى مستوى مختلف. وفي كثير من الأحيان، قد يكفي إصدار واحد ضخم لتغيير مسار كامل، كما حدث في الماضي مع أجهزة Nintendo التي اعتادت على تغيير قواعد المنافسة بلعبة واحدة أحياناً، سواء كانت لعبة ذات طابع عائلي أو لعبة تعتمد على أفكار مبتكرة لا نجدها لدى بقية الشركات.
وعند التأمل في المشهد العام، نجد أنّ تفوق PS5 هذا العام لا يعني بالضرورة أنه سيحتفظ بالمركز الأول لوقت طويل، فالسوق يتغير بسرعة ولا يخضع لنمط ثابت طوال الوقت. الجمهور اليوم يبحث عن التجربة المناسبة، وليس الجهاز الأقوى فقط، وهو ما يجعل المنافسة متعددة الأبعاد. ومع أن الأرقام الحالية تمنح Sony تقدماً مريحاً، إلا أنّ العام المقبل قد يحمل تغييرات كبيرة، خاصة مع توسع قاعدة Switch 2، ومع احتمال ظهور عناوين ضخمة قيد التطوير لدى Nintendo. وفي النهاية، ما يحدث في السوق البريطاني يكشف جانباً من المنافسة العالمية، ولكنه لا يعكس الصورة الكاملة، إذ إن الأسواق الأخرى قد تشهد تفوّقاً مختلفاً، وقد تتغير الموازين مع كل حدث أو إصدار جديد. لكن ما يمكن قوله بثقة هو أن العام الحالي كان واحداً من أكثر الأعوام إثارة على مستوى الأجهزة المنزلية، وأن المنافسة بين PS5 وSwitch 2 ستكون واحدة من أكثر صراعات الجيل إثارة للمشاهدة خلال الشهور القادمة.