من يتابع حركة صناعة ألعاب الفيديو يفهم جيدًا أن Capcom ليست شركة تسير بالصدفة ولا تتحرك من فراغ، بل تخطط على مدى سنوات طويلة وبدقة بالغة. هذه المؤسسة اليابانية العريقة، التي صاغت ملامح طفولة وثقافة الملايين حول العالم، تبدو اليوم وكأنها تستعد لمرحلة توسّع جديدة تعيد ترتيب أوراقها وتمنح الضوء لعلامات ظلت لسنوات بعيدة عن الصفوف الأولى، وفي مقدمتها Mega Man إلى جانب Ace Attorney وDevil May Cry. ما كشفت عنه الشركة في تقريرها الموحّد لسنة 2025 لم يكن مجرد كلام علاقات عامة، بل نظرة معمّقة تكشف طريقة تفكير القيادة العليا ومحاولة رسم خارطة الطريق للسنوات القادمة. والأهم أن اسم Mega Man ظهر هنا بوضوح شديد، لا كتاريخ أو إرث، بل كهدف للنمو والتطوير في المستقبل.
يشرح COO هاروهيـرو تسوجيموتو في هذا التقرير استراتيجية Capcom طويلة الأمد في توسيع إنتاجها وتحسين أداء مشاريعها. المعتاد أن نرى إشارات إلى السلاسل الكلاسيكية الضخمة مثل Resident Evil وMonster Hunter وStreet Fighter، وهي عناوين تشكّل أعمدة الإيرادات وقواعد الجماهير الضخمة التي تعتمد عليها الشركة. لكن الجديد هذه المرة أن تسوجيموتو يذكر Mega Man وDevil May Cry وAce Attorney بنفس السياق تقريبًا، كعلامات تسعى الشركة إلى تعزيزها عبر مشاريع داخلية جديدة. هنا تكمن لحظة التحوّل، فالسلسلة الزرقاء الشهيرة لطالما تم التعامل معها في السنوات الأخيرة كجزء من أرشيف الشركة أو كخامة لإصدارات تجميعية، ولكن ليس كعلامة يُراد لها أن تعود إلى دائرة المنافسة الفعلية. ظهورها في هذا الموضع يمنح انطباعًا واضحًا بأن هناك رغبة في إعادة إحياء السلسلة وتمهيد طريقها نحو أجهزة الجيل الجديد.
الفقرة الأبرز في كلام تسوجيموتو جاءت كالتالي:
«نهدف في Capcom إلى الإبقاء على نسبة نمو تشغيلية سنوية تبلغ عشرة في المائة أو أكثر، مع المحافظة على هدفنا طويل الأمد وهو تحقيق مبيعات سنوية تبلغ مائة مليون وحدة من البرمجيات. ولزيادة فرص النجاح، نعمل على معالجة التحديات خطوة بخطوة. تركيزنا ينصب على العناوين الأساسية مثل Resident Evil وMonster Hunter وStreet Fighter، وعلى تخطيط الإصدارات الرئيسية والتتمات والمشاريع الجديدة وإعادة صنع الألعاب ونقلها إلى الأجهزة الأحدث. نصدر عادة عنوانين أو ثلاثة عناوين كبرى كل سنة، لكننا ندرك الحاجة إلى توسيع خط الإنتاج مستقبلًا. تمتلك Capcom مجموعة واسعة من العلامات العالمية الشهيرة مثل Mega Man وDevil May Cry وAce Attorney. نهدف إلى توسيع قاعدة مستخدّمينا وتحسين أدائنا من خلال إصدارات جديدة ونسخ معاد تطويرها ونقل هذه الألعاب إلى أجهزة حديثة. ومن خلال تعزيز مكانة هذه العلامات وبناء قواعد جماهيرية وفية، نطمح إلى تحويلها إلى عناوين رئيسية».
هذا النوع من التصريحات لا يأتي سهوًا. Capcom، وعلى عكس الكثير من الشركات، لا تحب الالتزامات العلنية الكبيرة ما لم تكن لديها خطوات ملموسة فعلًا. صحيح أنه لم يتم الإعلان عن مشروع محدد يخص Mega Man، لكن مجرد وضعه ضمن قائمة العلامات التي تريد الشركة توسيعها بشكل فعلي خطوة مهمّة في حد ذاتها، خصوصًا أن السلسلة لم تحصل على ألعاب جديدة منذ سنوات طويلة، باستثناء Mega Man 11 وبعض الإصدارات التجميعية التي تحتفي بالماضي أكثر من كونها تتطلع إلى المستقبل.
من ناحية أخرى، يشير التقرير إلى توسع ضخم في بنية التطوير داخل الشركة. Capcom تبني حاليًا منشأة تطوير جديدة مجاورة لمقرها في أوساكا، ويتوقع اكتمالها في سنة 2027. هذه الخطوة تضاف إلى جهود التوظيف المستمرة وتعزيز البنية التقنية للمحرك الشهير RE Engine الذي أثبت قدرته على تقديم تجارب بصرية مذهلة، سواء في ألعاب الرعب أو الأكشن أو حتى المشاريع الأصغر حجمًا. الاستثمار في البنية الإنسانية والتقنية هو مؤشر مباشر على نية الشركة في توسيع خط إنتاجها وعدم الاكتفاء بثلاثة عناوين كبرى سنويًا كما كان الحال في السنوات الماضية.
ويضيف تسوجيموتو في جزء آخر من التقرير جملة تلخص الاتجاه العام:
«الأشخاص الذين يطوّرون هذه المحتويات هم مبتكرونا الداخليّون من الطراز العالمي. خلال السنوات الثلاث الماضية، جعلنا من تعزيز قدراتنا البشرية أولوية إدارية، ومن أجل ذلك قمنا بتدريب وتوظيف المزيد من الكفاءات لتوسيع هيكل التطوير لدينا. كنّا قد قمنا سابقًا بتجميع التطوير في أوساكا من أجل تعزيز الكفاءة، لكننا الآن نشيّد منشأة جديدة بجوار المقر الرئيسي لتعزيز هذا الهيكل بشكل أعمق».
وإذا جمعنا هذه التصريحات مع توجّه الشركة لإحياء بعض العلامات غير الأساسية، يمكن تخيّل ما تريده Capcom في المستقبل القريب. هي لا تريد فقط زيادة الإنتاج، بل توسيع قاعدة العلامات القادرة على حمل الشركة إلى نتائج أعلى. من الواضح أن Mega Man مرشح قوي لهذا الدور، سواء عبر نسخة جديدة تعيد صياغة السلسلة بأسلوب حديث، أو عبر إعادة صنع أقدم الأجزاء بطريقة جذابة كما فعلت الشركة مع Resident Evil، أو حتى عبر إطلاق مجموعات محسّنة من ألعاب السلسلة على أجهزة PlayStation وXbox وNintendo Switch والأجهزة المستقبلية. المهم أن السلسلة باتت ضمن دائرة الضوء من جديد، وهذا وحده كافٍ ليعيد فتح باب النقاش بين مجتمع اللاعبين بعد سنوات من الانتظار الطويل.
بعض المتابعين يرون أن Mega Man اليوم يحتاج إلى إعادة تعريف جريئة، بينما يرى آخرون أنه يكفي تقديم جزء جديد على نفس خط Mega Man 11 بأسلوب كلاسيكي مع لمسات عصرية. الواقع أن Capcom أمام خيارات متعددة. لديها القدرة على تقديم ألعاب منصات ثنائية الأبعاد بجودة عالية وبأساليب متنوعة، ولديها كذلك القدرة التقنية على تطوير نسخة ثلاثية الأبعاد يمكن أن تفتح آفاقًا جديدة للشخصية. والأهم أن الجمهور العالمي أصبح أكثر تقبلاً لإحياء العلامات الكلاسيكية خلال السنوات الأخيرة، والدليل على ذلك نجاحات مثل Sonic Superstars وTeenage Mutant Ninja Turtles Shredder’s Revenge وغيرها من الأعمال التي أثبتت أن النوستالجيا حين تُدار بذكاء، تتحوّل إلى قوة تجارية لا يُستهان بها.
ما يميز Mega Man تحديدًا أنه ليس مجرد لعبة كلاسيكية، بل رمز من رموز تاريخ الألعاب الإلكترونية. الشخصية، الأجواء، الموسيقى، وتنوع القتال عبر الأسلحة المقتبسة من خصوم اللعبة جعلتها أداة مثالية لإحياء تجارب جديدة دون فقدان الهوية. من جانب آخر، تمتلك Capcom كنزًا ضخمًا من القصص والشخصيات والفرق الفرعية داخل هذا العالم، مما يمنحها مساحة كبيرة للابتكار دون كسر جوهر السلسلة. وهذا ما يجعل فكرة إعادة إطلاقها الآن منطقية جدًا، خصوصًا مع الزيادة المتوقعة في طاقم التطوير وافتتاح المنشآت الجديدة.
قد يقول البعض إن الشركات الكبيرة غالبًا ما تعطي وعودًا لا تتحقق، لكن تاريخ Capcom في العقد الأخير يثبت العكس. الشركة استعادت سمعتها تدريجيًا بعد إصدار Resident Evil 7 ثم نجاح Monster Hunter World، وتوالت بعد ذلك سلسلة من الأعمال الناجحة التي ثبتت مكانتها في السوق العالمية. لهذا يبدو أن تصريحات تسوجيموتو ليست مجرد حلم، بل خطة فعلية تُبنى خطوة بخطوة. صحيح أنه لا يوجد موعد أو إعلان رسمي، لكن رؤية Mega Man مذكورًا داخل استراتيجية النمو، لا كمرجع تاريخي بل كمشروع مستقبل، هو أمر لم نشهده منذ سنوات طويلة.
ومع هذا التحرك الجديد، تبدو Capcom وكأنها تستعد لمرحلة مختلفة قد تجمع بين إعادة إحياء الكلاسيكيات الراسخة واستكمال مشاريعها الضخمة التي تضمن لها الريادة. وإذا كان الماضي يشير إلى شيء، فهو أن الشركة حين تضع علامة معينة ضمن أهداف التطوير، فإنها غالبًا ما تلتزم بذلك. وبالتالي، ربما يكون الوقت قد حان لكي يرى محبو Mega Man بارقة أمل حقيقية طال انتظارها، والأشهر القادمة قد تحمل إشارات أو تسريبات أولية تقرّب الصورة أكثر. حتى ذلك الحين، يكفي أن نعرف أن السلسلة لم تعد حبيسة الماضي بل دخلت من جديد ضمن حسابات Capcom الرسمية للنمو والتوسع.