السفر عبر الزمن، ذلك الحلم الذي راود البشرية منذ قرون، لا يزال يشكل لغزًا يحير العقول ويستفز الخيال. بين العلم والأساطير، تتناثر قصص وحكايات تثير التساؤلات حول إمكانية الإنتقال في الزمن سواء إلى الماضي أو المستقبل.
في هذا المقال، سنستعرض مفهوم “الإدراك الرجعي” وعلاقته بحالات السفر عبر الزمن (الموثقة)، مع التركيز على نظريات العلماء البارزين مثل : “ستيفن هوكينغ” الى “ألبرت آينشتاين”، بالإضافة إلى قصص غريبة أخرى ومثيرة للاهتمام.
**الإدراك الرجعي، نظريات العلماء، النوم والغيبوبة..
يعرف “الإدراك الرجعي” بـ”الشعور بالعيش في لحظة ماضية وكأنها حاضرة”، يظل ظاهرة مثيرة للجدل تربط بين “علم النفس” و“الفيزياء النظرية”. يعتقد بعض الباحثين أن هذه الظاهرة قد تكون “ناتجة عن “خلل في الذاكرة” أو “نشاط غير طبيعي في الدماغ”، بينما يرى آخرون أنها قد تكون مؤشرًا على إمكانية “اختراق الزمن”.
يقدم “ألبرت آينشتاين” – من خلال نظريته “النسبية العامة” – تغييرا لمفهومنا عن الزمن بشكل جذري. وفقًا له، فـ“الزمن ليس مطلقًا بل نسبي، ويمكن أن يتأثر بالجاذبية والسرعة”، هذه الفكرة تفتح الباب أمام إمكانية “انحناء الزمن”، مما قد يسمح نظريًا بالسفر عبره. على سبيل المثال، إذا كان هناك جسم ذو “كتلة هائلة” أو “سرعة فائقة”، فقد ينحني الزمن حوله، مما يخلق ما يسمى بـ “الثقوب الدودية”، وهي ممرات افتراضية تسمح بالتنقل بين نقاط زمنية مختلفة.
من جهة أخرى، يقدم “ستيفن هوكينغ” في نظريته المعروفة بـ “فرضية حماية الزمن”، تحديًا لفكرة السفر إلى الماضي. وفقًا لـ”هوكينغ”، فـ“الكون لديه آليات طبيعية تمنع حدوث تناقضات زمنية مثل “معضلة الجد”، التي تتساءل عما سيحدث إذا سافر شخص إلى الماضي وقتل جده قبل أن ينجب أباه. هوكينغ يعتقد أن هذه الآليات تحافظ على التسلسل الزمني وتجعل السفر إلى الماضي مستحيلًا عمليًا”.
هناك من يفترض أيضا، أن “النوم” و”الغيبوبة” – حالتان من حالات اللاوعي – يطرحان تساؤلات مثيرة حول إمكانية “اختراق الزمن”. بعض الباحثين يعتقدون أن النوم قد يكون بمثابة “آلة زمن طبيعية”، حيث يعيش العقل تجارب زمنية مختلفة عن الواقع. بالنسبة للغيبوبة أيضًا – كحالة أعمق من اللاوعي – فهي تطرح أسئلة مماثلة، منها : “هل يمكن أن تكون هذه الحالات بوابة للسفر عبر الزمن؟” حتى الآن، تظل هذه الفرضية مجرد تكهنات تنتظر المزيد من البحث العلمي.
**قصص غريبة عن حلم بشري آسر..
عبر التاريخ، تم توثيق العديد من “القصص الغريبة” التي تدعي حدوث السفر عبر الزمن. مثلا، في عام 1901، ادعت باحثتان إنجليزيتان أنهما سافرتا عبر الزمن إلى عصر “الملكة أنطوانيت”، حيث وصفن تفاصيل دقيقة عن الحياة في ذلك الوقت، مما أثار جدلاً واسعًا.
من جهة أخرى، تأتي قصة “جون تيتر”، الذي ادعى أنه مسافر من عام 2036، وأنه جندي أمريكي من المستقبل، أُرسل إلى الماضي (أي زمننا الحالي) لتنفيذ مهمة سرية (جلب جهاز IBM-5100 من سبعينات القرن الماضي، بغية انقاد عالمه من كارثة تكنولوجية خطيرة) قدم (هذا الشخص قبل اختفائه) تفاصيل عن أحداث مستقبلية (تنبأ باندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة، ووصول تكنولوجيا متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي.). وفقًا له، كانت الآلة تعتمد على تقنية “التشويه الزمني”، التي تمكن من خلق ممرات زمنية تسمح بالتنقل بين الأزمنة.
يعمل “رون ماليت” (عالم الفيزياء) يعمل على “تطوير نظرية للسفر عبر الزمن باستخدام الليزر والمادة المضادة”. وفقًا لنظريته، “يمكن خلق ممرات زمنية تسمح بالتنقل عبر الزمن”. يعتقد “رون ماليت” أن “استخدام حلقات من الضوء يمكن أن يخلق انحناءً في الزمن، مما يفتح الباب أمام إمكانية السفر إلى الماضي”. على الرغم من أن نظريته لا تزال قيد الدراسة، إلا أنها تفتح آفاقًا جديدة في هذا المجال، حيث يأمل ماليت أن “يتمكن من إثبات نظريته عمليًا في المستقبل، مما قد يغير فهمنا للزمن بشكل جذري”.
**.. بين المعضلة، الفرضية والتجربة!
يظل السفر عبر الزمن موضوعًا مثيرًا للجدل، حيث يجمع بين الخيال العلمي والنظريات الفيزيائية المعقدة. من أبرز التحديات التي تواجه هذا المفهوم هي “معضلة الجد” (التي طرحها الفيزيائي الفرنسي “رينيه باريه” في عام 1943) التي تتساءل – هذه المعضلة – عما سيحدث إذا سافر شخص إلى الماضي وقتل جده قبل أن ينجب أباه، مما يخلق تناقضًا زمنيًا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك معضلات أخرى مثل “معضلة المعلومات”، التي تتساءل عما “إذا كان السفر عبر الزمن يمكن أن يؤدي إلى إدخال معلومات جديدة في الماضي، مما قد يغير مسار التاريخ بشكل جذري”.
في عام 2009، قام الفيزيائي الشهير “ستيفن هوكينغ” بـ”تجربة غريبة لاختبار إمكانية السفر عبر الزمن”. قام بدعوة مسافرين عبر الزمن لحضور حفلة، لكنه لم يعلن عن الحدث إلا بعد انتهائه بسنة. لم يحضر أحد، مما دفع “هوكينغ” إلى “الاستنتاج أن السفر إلى الماضي قد يكون مستحيلًا”. هذه التجربة أثارت نقاشات واسعة حول “إمكانية اختراق الزمن” و“آليات الكون” التي قد تمنع ذلك.
من جهة أخرى، يعود بنا السفر عبر الزمن إلى القرن الـ17، حيث قدم “إسحاق نيوتن” مفهوم “الزمن المطلق” في كتابه “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” عام 1687. وفقًا لنيوتن، “الزمن يتدفق بشكل منتظم ولا يتأثر بالأحداث. ومع ذلك، تتغير هذه الفرضية مع اكتشاف سرعة الضوء في القرن الـ19”. أظهرت تجارب “ألبرت ميكلسون” و”إدوارد مورلي” عام 1887 أن “سرعة الضوء ثابتة”، مما مهد الطريق لنظرية النسبية لـ”ألبرت آينشتاين”، التي غيرت مفهومنا عن الزمن بشكل جذري.
أخيرًا، تطرح “فرضية أثر الفراشة”، التي قدمها عالم الأرصاد “إدوارد لورينز” في الستينيات، تساؤلات حول “تأثير التغييرات الصغيرة في الماضي على المستقبل”. وفقًا لهذه الفرضية، فإن “أي تغيير بسيط في الماضي يمكن أن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في المستقبل، مما يجعل السفر عبر الزمن محفوفًا بالمخاطر”. على سبيل المثال، “لو سافر شخص إلى الماضي ومنع حادثة صغيرة، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير مسار التاريخ بشكل لا يمكن التنبؤ به”.
في النهاية، يظل السفر عبر الزمن “موضوعًا غامضًا” يجمع بين “النظريات العلمية” و”المعضلات الفلسفية”. بين “معضلة الجد”، “تجربة هوكينغ”، نظريات “نيوتن” و”آينشتاين” و”فرضية أثر الفراشة”، تتناثر إشارات إلى إمكانية “اختراق الزمن” لكنها تظل مجرد فرضيات تنتظر الإثبات العلمي. ربما في المستقبل، مع تقدم التكنولوجيا، سنتمكن من “فك شفرة هذه الأسرار وفهم ما إذا كان السفر عبر الزمن ممكنًا أم أنه سيظل حلمًا بعيد المنال”.
Views: 0