في خطوة مفاجئة ولكنها تعكس واقعًا مؤلمًا يعيشه قطاع الألعاب الإلكترونية مؤخرًا، أعلنت شركة Microsoft عن تسريحات جماعية طالت آلاف الموظفين عبر أقسامها المختلفة، من ضمنها Xbox Game Studios. أحد أكثر الاستوديوهات تضررًا هو Rare، الاستوديو البريطاني العريق الذي يحتفل هذا العام بمرور أربعين عامًا على تأسيسه. التسريحات لم تكن مجرد رقم، بل جاءت مصحوبة بإلغاء مشروع Everwild المنتظر، إضافة إلى تقاعد المصمم الأسطوري Gregg Mayles، ما يجعل هذا الحدث نقطة تحول فاصلة في تاريخ Rare.
مايكروسوفت أعلنت عن تقليص أكثر من 9,100 وظيفة ضمن أحدث حملة لإعادة الهيكلة، وهو الرقم الذي يمثل نسبة ليست بالهينة من طاقم العمل في قطاعات التكنولوجيا والترفيه الرقمي. ورغم أن التفاصيل الدقيقة حول عدد المسرّحين في Rare لم تُعلن بالكامل، فإن ما تأكد رسميًا هو مغادرة أسماء بارزة، من بينها Louise O’Connor، المنتجة التنفيذية للعبة Everwild، والتي ارتبط اسمها بمشاريع بارزة في تاريخ الاستوديو، أبرزها Conker على جهاز Nintendo 64.
O’Connor كانت تُعد أحد الركائز الإبداعية داخل Rare في السنوات الأخيرة، حيث تولّت الإشراف على فريق “الاحتضان الإبداعي” الذي خرجت منه نواة مشروع Everwild. ومع مغادرتها، يفقد الاستوديو صوتًا إبداعيًا نسائيًا مميزًا لطالما شكّل عنصرًا حاسمًا في توازن فرق التطوير.
منذ لحظة الإعلان عنه لأول مرة خلال حدث X019 في نونبر 2019، شكّل Everwild لغزًا حقيقًا لعشاق Rare. المشروع الذي وُصف بأنه أكثر تجارب الاستوديو طموحًا منذ Sea of Thieves، مرَّ بمراحل تطوير شائكة ومعقدة، حيث لم ينجح الفريق في تحديد هوية واضحة أو آليات لعب مبتكرة تجذب اللاعبين.
في الواقع، بدأت بذرة المشروع قبل وقت طويل من الكشف عنه، وتحديدًا عام 2014، أي في نفس الفترة التي وُلدت فيها فكرة Sea of Thieves. لكن في الوقت الذي شقّت فيه الأخيرة طريقها لتُصبح أنجح عناوين Rare بعدد لاعبين تجاوز 40 مليون مستخدم، ظلت Everwild تراوح مكانها وسط موجات من التردد والارتباك الإداري.
المصمم Simon Woodroffe كان أحد أبرز العقول التي اشتغلت على Everwild قبل أن يغادر الاستوديو في أكتوبر 2020. تلاه دخول Gregg Mayles في منتصف عام 2021 لمحاولة إنقاذ المشروع من الفشل، وذلك عبر إعادة تطويره بالكامل وتعيين موعد إصدار مبدئي لسنة 2024. ورغم أن هذه الخطوة بثّت بعض الأمل في نفوس المتابعين، إلا أن الواقع كان أقسى من التوقعات.
ربما كان الخبر الأصعب في هذه الموجة هو إعلان تقاعد Gregg Mayles، أحد أكثر المصممين تأثيرًا في تاريخ صناعة الألعاب البريطانية. Mayles يُعد بمثابة حجر الأساس داخل Rare، حيث لعب أدوارًا محورية في عناوين أيقونية مثل Donkey Kong Country وBanjo-Kazooie وViva Piñata، بالإضافة إلى قيادته الإبداعية وراء Sea of Thieves.
ورغم أن تقاعده كان متوقعًا في ظل ابتعاده النسبي عن الإشراف المباشر في السنوات الأخيرة، فإن إلغاء Everwild سرّع بخروجه النهائي من الساحة. رحيل Mayles يُمثل نهاية فصل طويل من الإبداع في Rare، ويطرح أسئلة جادة حول مستقبل الاستوديو من دونه.
من الأسماء الأخرى التي تأكد مغادرتها أيضًا، المصمم الفني Wil Overton، الذي بدأ رحلته داخل Rare خلال فترة Xbox 360، وعمل على ألعاب مثل Jetpac Refuelled وBanjo-Kazooie: Nuts & Bolts. عاد Overton إلى الاستوديو في 2018، لكن اليوم أعلن رسميًا عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي أنه ضمن قائمة المسرّحين.
غياب Overton يُضيف بعدًا فنيًا مؤلمًا للخسائر التي يتكبدها Rare، لا سيما أن الرجل كان معروفًا بأسلوبه البصري المميز الذي منح ألعاب Rare لمسة فنية فريدة.
التخبط داخل Rare لم يكن وليد اللحظة. منذ أكتوبر 2024، شهد الاستوديو تغييرات إدارية كبيرة، إذ تم تعيين Craig Duncan في منصب قيادي ضمن Xbox Game Studios، فيما تولّى كل من Joe Neate وJim Horth قيادة Rare.
هذا التغيير في الإدارة أدى إلى إعادة تقييم لمستقبل المشاريع، حيث أُعطي اهتمام أقل لـ Everwild بالتوازي مع استعدادات الاحتفال بالذكرى الأربعين لتأسيس الاستوديو. كما أكدت مصادر داخلية أن المصمم Gary Napper، الذي شغل منصب المخرج الإبداعي للعبة بعد Mayles، قد غادر هو الآخر الاستوديو خلال الأسابيع الأخيرة، ما جعل مصير Everwild أكثر غموضًا قبل صدور قرار الإلغاء النهائي.
من جهة أخرى، لم يكن Rare الوحيد الذي تلقى الضربة. استوديو The Initiative، المطور المسؤول عن إعادة إطلاق Perfect Dark، تم إغلاقه بالكامل بعد أن تم إلغاء المشروع الذي بدأ العمل عليه في ديسمبر 2020.
ورغم أن اللعبة ظهرت مجددًا خلال Xbox Showcase في يونيو 2024، فإن التسريبات أكدت أن المشروع أعيد تطويره من الصفر عدة مرات دون أن يُحقق أي تقدم ملموس. القرار النهائي بإغلاق الاستوديو بالكامل يُظهر حجم الأزمة التي تعيشها Xbox Game Studios في إدارة مشاريعها طويلة الأمد.
موجات تسريح متواصلة تهز صناعة الألعاب
لا يمكن عزل ما يحدث داخل Rare وXbox Game Studios عن الظاهرة الأكبر التي تطغى على قطاع ألعاب الفيديو منذ عام 2020، والمتمثلة في التسريحات الجماعية. ففي ماي الماضي، استوديو Playtonic البريطاني، الذي تأسس أساسًا من موظفين سابقين في Rare بعد تسريحات 2014، اضطر هو الآخر إلى تقليص 30% من طاقمه.
مايكروسوفت ليست وحدها في هذه الدائرة؛ بل حتى شركات مثل EA، Ubisoft، وSony شهدت بدورها موجات تسريح ضخمة أثارت قلق العاملين في القطاع وأثرت سلبًا على ثقة اللاعبين في مستقبل مشاريعهم المفضلة.
Rare في مفترق الطرق: إلى أين بعد Everwild؟
إلغاء Everwild وخروج أسماء مثل Mayles وO’Connor وOverton يُجبر Rare على إعادة التفكير في هويته الإبداعية وموقعه ضمن منظومة Xbox. هل يعود الاستوديو إلى جذوره الكلاسيكية مع مشاريع صغيرة تحمل الروح القديمة؟ أم سيواصل السعي وراء ألعاب ضخمة تستنزف سنوات طويلة من التطوير بلا نتائج؟
Rare اليوم في لحظة تأمل حاسمة، لا تقل أهمية عن تحوله من العمل مع Nintendo إلى كنف Microsoft في مطلع الألفية. ومع غياب قياداته التاريخية، يبقى السؤال معلقًا: من يقود الإبداع في Rare الآن؟
المصدر: VGC