في خطوة قد تُعيد رسم بعض ملامح صناعة الألعاب على الصعيد الدولي، أعلن الاستوديو الياباني الشهير Acquire، المعروف بإبداعاته في ألعاب مثل Tenchu وOctopath Traveler، عن شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع الناشر الإماراتي Red Dunes Games. هذا الأخير، الذي يتخذ من أبو ظبي مقراً له، بدأ يتألق مؤخراً في ساحة الألعاب المستقلة ذات الطابع العاطفي والنوستالجي، وها هو الآن يُبرم عقداً متعدد السنوات مع Acquire لتطوير ثلاث سلاسل ألعاب أصلية، في خطوة تجمع بين الحرفية اليابانية والرؤية الإبداعية العالمية. الاتفاق الذي أُعلن عنه رسمياً يأتي ليؤكد على دخول الإمارات العربية المتحدة بثقل أكبر في عالم صناعة الألعاب، بعد أن تصدرت المملكة العربية السعودية المشهد في السنوات الأخيرة من خلال استثمارات صندوقها السيادي في شركات الألعاب الكبرى.
التحالف الجديد بين Acquire وRed Dunes Games ليس وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تعاون سابق في تطوير لعبة Black Finger JET، التي كانت بمثابة منصة اختبار للثقة المتبادلة والانسجام الإبداعي بين الطرفين. الآن، ومع توقيع هذا الاتفاق الشامل، يبدو أن الاستوديو الياباني مستعد لإعادة توجيه بوصلته نحو جمهور عالمي أوسع، وهو ما أكده Takuma Endo، الرئيس التنفيذي لشركة Acquire، حيث شدد على أن هذه الشراكة تحمل طابعاً دولياً حقيقياً يختلف عن تاريخ الاستوديو الذي لطالما ركز على جمهور ياباني محلي.
الاستوديو الذي تأسس منذ أكثر من ثلاثين سنة وسبق أن وقع تحت مظلة Kadokawa Games، سيتولى بالمشاركة مع الشريك الإماراتي تطوير ثلاث سلاسل جديدة تحمل الأسماء الرمزية: Project Tremor، وProject Umbra، وProject Shadowcar. كل واحدة من هذه المشاريع تحمل توجهاً مختلفاً سواء من حيث الأسلوب الفني أو التصميم أو نوعية القصة، مما يعكس طموحاً واسعاً لتقديم ألعاب تتمتع بتنوع وتفرّد. Project Tremor، على سبيل المثال، يدور حول معارك كايجو ضخمة تهدد مدناً كاملة، في حين يأخذ Project Umbra اللاعب إلى عوالم خيالية مظلمة مليئة بالمطاردات والأساطير، أما Project Shadowcar فهو عبارة عن قصة تجسس محبوكة داخل إطار تشويقي كثيف يُتوقع أن يلقى رواجاً لدى محبي ألعاب الرواية التفاعلية.
واحدة من النقاط المفصلية في هذا التعاون تكمن في التوزيع العالمي للألعاب الثلاث، إذ أكد الطرفان أن كل مشروع سيصدر على أجهزة الحواسيب المنزلية (PC) والكونسولات، مع دعم متعدد للغات، ووجود عرض أولي في فعاليات مرموقة مثل Tokyo Game Show. هذه الاستراتيجية تُبيّن رغبة الطرفين في الوصول إلى جمهور أوسع خارج حدود اليابان أو الشرق الأوسط، كما أنها تتماشى مع الموجة الحالية في الصناعة التي تحرص على تقاطع الثقافات من خلال تجارب ألعاب تتجاوز الحدود الجغرافية والتقاليد الفنية المحلية.
من الجدير بالذكر أن Red Dunes Games ليست مجرد ناشر تقليدي، بل هي علامة إماراتية تحاول رسم توجه فني مستقل، بعيداً عن الضوضاء الإعلامية أو حملات التسويق الفخمة. الشركة أطلقت في السابق لعبة Samurai Pizza Cats: Blast from the Past، وهي عنوان يجمع بين الفكاهة وأسلوب الرسوم المتحركة اليابانية في قالب تفاعلي، ولاقت إعجاب قاعدة معينة من جمهور الألعاب المستقلّة. الآن، ومع تعاونها مع استوديو مرموق مثل Acquire، تدخل الشركة مرحلة أكثر نضجاً وطموحاً.
على صعيد الأثر الثقافي، فإن هذا التعاون يُمثّل خطوة كبيرة لتمكين التعاون الإبداعي بين اليابان والعالم العربي في مجال ألعاب الفيديو. حيث أن الجمع بين الإرث الياباني في تطوير ألعاب الأكشن والتسلل مثل Way of the Samurai وTenchu، وبين الطموح الإماراتي لدعم الألعاب المستقلة ذات الطابع الفني العميق، يمكن أن يؤدي إلى ولادة مشاريع فريدة من نوعها قد تساهم في إعادة تشكيل الذائقة البصرية والسردية لدى جمهور الألعاب.
الاهتمام العربي المتزايد بصناعة الألعاب لم يعد محصوراً في مجالات الاستثمار فقط، بل أصبح الآن يمتد إلى دور الإنتاج الإبداعي الكامل، وهذا ما تُثبته Red Dunes Games. في ظل ديناميكيات السوق العالمية، يبدو أن الإمارات تسير بخطى ثابتة نحو التأثير النوعي، بعكس المقاربة السعودية التي تستند إلى حجم الاستثمارات الضخمة. فبينما توجهت المملكة إلى شراء حصص ضخمة في شركات عملاقة مثل Capcom وNintendo عبر صندوق الاستثمارات العامة، فإن الإمارات – عبر Red Dunes – تتجه إلى المساحات الصغيرة ولكن العميقة، حيث تحاول إحداث تأثير طويل الأمد في بنية الصناعة نفسها، لا فقط في تمويلها.
الملفت أيضاً أن Acquire، رغم كونه جزءاً من منظومة ضخمة تمتلكها Kadokawa، فضّل أن يتعاون مع ناشر مستقل نسبياً على أن يُطلق مشاريعه القادمة بالشراكة مع شركات يابانية تقليدية مثل Bandai Namco أو Sega. هذا يفتح نقاشاً مهماً حول مستقبل التعاونات العابرة للثقافات في مجال الألعاب، خاصة عندما يكون هناك توافق فني وثقة استراتيجية بين الشركاء.
من المتوقع أن نرى أولى نتائج هذا التعاون خلال فصل الخريف المقبل، وتحديداً بين شهري شتنبر وأكتوبر 2025، مع إمكانية إطلاق نسخ تجريبية أو عروض خاصة على هامش Tokyo Game Show أو حتى Gamescom. الجماهير العربية والعالمية تتابع بفضول هذه التجربة غير التقليدية، وكل المؤشرات تدل على أننا أمام تجربة ألعاب تحمل روحاً فنية واضحة وطموحاً إنتاجياً جدياً.