رغم الضجة التي أثارتها Microsoft في الشهور الأخيرة من خلال سعيها إلى تعزيز مكانتها في مجال الذكاء الاصطناعي، لم يكن يتوقع أحد أن يتحوّل هذا التقدّم إلى سلاح ذو حدين، خاصة حين يتعلق الأمر بأحد أنجح فرق التطوير الترفيهي التابع لها. التقارير الأخيرة الصادرة عن موقع MobileGamer.biz تسلّط الضوء على خطوة مثيرة للجدل أقدمت عليها الشركة، تمثّلت في استبدال فريق من مطوّري لعبة Candy Crush العاملين لدى شركة King – التابعة لـ Activision Blizzard المملوكة حديثًا من طرف Microsoft – بأدوات ذكاء اصطناعي، هي نفسها التي ساهموا في تدريبها وتطويرها خلال فترة عملهم.
المعلومات التي بدأت تتسرب في بداية شهر يوليوز الجاري، تُشير إلى أن حوالي 200 موظف من فريق King تم تسريحهم ضمن موجة تقليصات شملت ما يزيد عن 9,000 موظف في مختلف أقسام Microsoft. وتشير التفاصيل إلى أن هذه الدفعة من التسريحات شملت بالأساس أقسام الإدارة، وتجربة المستخدم، إلى جانب قسم السرد القصصي، ما يعني أن المتأثرين لم يكونوا مبرمجين أو مهندسين فقط، بل أيضًا مصممين للواجهات والمحتوى التفاعلي. الملفت للانتباه أن أدوات الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها داخليًا كانت تهدف في الأصل إلى تسهيل العمل وتحسين الإنتاجية، لكنها اليوم تُستخدم كبديل مباشر للموظفين الذين قاموا ببرمجتها.
وبحسب ما نقلته MobileGamer.biz عن مصادر داخلية لم تفصح عن هويتها، فإن بعض هؤلاء الموظفين السابقين صرّحوا بأن العمل الذي أنجزوه على أدوات الذكاء الاصطناعي تم توظيفه لاحقًا لتنفيذ مهام كانت موكلة لهم، مثل اختبار تجارب اللعب، إعداد النصوص التفاعلية، وحتى اقتراح التعديلات البصرية في واجهات المستخدم. ويبدو أن هذا التحوّل كان مدفوعًا باستراتيجية داخلية أوسع لدى Microsoft تهدف إلى تسريع دمج الذكاء الاصطناعي عبر جميع فروعها، دون اعتبار كبير لتأثيرات ذلك على الموارد البشرية، حتى لو تعلق الأمر بفرق كانت مسؤولة عن تطوير أنجح ألعاب الهاتف المحمول في التاريخ.
هذا القرار أثار موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات مهنية مثل LinkedIn وX (Twitter)، حيث اعتبره العديد من المتابعين والمتخصصين في مجال التقنية والألعاب تجسيدًا لما يُعرف بـ “المفارقة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي”، حين يصبح المبدعون أولى ضحايا ابتكاراتهم. كما أن هذه الواقعة أثارت نقاشات جديدة حول التوازن المطلوب بين الكفاءة التشغيلية الناتجة عن الأتمتة، والحفاظ على الابتكار البشري والروح الإبداعية التي لا يمكن تعويضها.
الجدير بالذكر أن Microsoft أكدت في أكثر من مناسبة أن استحواذها على Activision Blizzard، والذي اكتمل رسميًا في أكتوبر الماضي، كان يهدف إلى توسيع حضورها في قطاع ألعاب الفيديو، خاصة في مجال الألعاب المحمولة عبر استوديوهات مثل King. لكنّ هذه الخطوة الأخيرة قد تطرح علامات استفهام حول طبيعة العلاقة التي تنوي الشركة العملاقة الحفاظ عليها مع فرق الإبداع، وما إذا كانت تخطط لتحويل قطاعات كاملة إلى نماذج تدار بشكل شبه كلي عبر أدوات AI، دون تدخل بشري مباشر.
ما حدث مع فريق Candy Crush ليس حالة معزولة فقط، بل قد يكون مقدّمة لتغييرات أعمق في بنية تطوير الألعاب الترفيهية، ليس فقط لدى Microsoft، بل في صناعة الألعاب ككل. حيث بدأت شركات كبرى مثل Ubisoft وElectronic Arts وSony Interactive Entertainment بتجربة تقنيات مشابهة لدمج AI في عمليات التصميم والاختبار والتفاعل مع اللاعبين. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل سيصبح مصمّمو الألعاب ضحايا أدواتهم، أم سيجدون طرقًا للتكيّف والمشاركة في قيادة هذه المرحلة الجديدة من صناعة الترفيه الرقمي؟