في مشهد متغير من صناعة ألعاب الفيديو، تتعالى أصوات المخضرمين الذين عايشوا فترات مختلفة من تطور هذه الصناعة، وأحد أبرز هؤلاء هو Fumito Ueda، الاسم الذي لا يُذكر دون أن نتحدث عن ICO، Shadow of the Colossus وThe Last Guardian. هذا المخرج الياباني المعروف بابتعاده عن النمطية، عاد للواجهة مجددًا بتصريحات جريئة في مقابلة حديثة، عبّر فيها عن وجهة نظره حول الاتجاه الذي تسير فيه ألعاب الفيديو المعاصرة، حيث يرى أن زمن التركيز الأحادي على ميكانيكيات اللعب قد شارف على نهايته.
خلال المقابلة، أعرب Ueda عن إعجابه بالمشروع الجديد To a T الذي يعمل عليه Keita Takahashi، مبتكر لعبة Katamari Damacy. هذا المشروع يعتمد على تقديم أسلوب لعب فريد كعادته، لكن رغم إعجابه بالجرأة الإبداعية، أشار Ueda إلى أن تلك الفلسفة التي كانت سائدة في حقبة معينة—حيث كان يكفي أن تمتلك لعبة فكرة مبتكرة أو نظام تحكم مميز لتنجح—لم تعد كافية في سياق السوق الحالي. بالنسبة له، صار الجمهور ينتظر الآن تجربة مكتملة العناصر، حيث تمتزج الميكانيكيات بالسرد، والعالم المصمم بعناية بالمؤثرات البصرية والصوتية، في توازن شبه مثالي.
وأضاف أن تصميم اللعبة لم يعد يتعلق فقط بكيفية التفاعل مع اللعبة، بل أيضًا بكيفية الشعور بها. التجربة أصبحت عاطفية وحساسة، لا يمكن اختزالها في “ما يمكنك فعله” فقط، بل “ما تجعلك اللعبة تشعر به”. وهي وجهة نظر يراها الكثيرون امتدادًا طبيعيًا لفلسفة Ueda نفسه، الذي عُرف بألعابه الصامتة والغامضة والتي تعتمد على إيصال المشاعر دون الحاجة لكثير من الحوار أو الشرح.
من جهة أخرى، يرى البعض أن هذا التوجه لا يعني بالضرورة التخلي عن أهمية الميكانيكيات، بل إعادة تموضعها داخل التجربة الكلية. لم يعد من المنطقي أن تُبنى لعبة كاملة على فكرة واحدة دون أن تحيط بها منظومة تصميمية متكاملة. وأشار Ueda إلى أن الفرق التطويرية اليوم باتت مطالبة بخلق عوالم أكثر واقعية وتفاعلية، وهو ما يتطلب تكاملًا أكبر بين فريق البرمجة، السرد، التصميم الفني والصوتي، دون تفضيل أحد العناصر على الأخرى.
مقارنة بما كانت عليه الصناعة في بدايات الألفية، يرى Fumito Ueda أن اللاعب المعاصر لا يبحث فقط عن التحدي، بل عن الغمر الكامل في التجربة. ألعاب مثل The Legend of Zelda: Tears of the Kingdom أو Elden Ring برأيه تمثل هذا التوازن: تقدم ميكانيكيات ممتازة، لكن لا تأتي منفصلة عن عالم غني بالسرد والتفاصيل، وهذا هو مفتاح النجاح في الجيل الحالي من الألعاب.
تجدر الإشارة إلى أن Ueda يواصل العمل مع فريق genDesign على مشروع جديد لم يتم الكشف عنه رسميًا بعد، لكن من المرجح أن يتبنى فيه هذه الفلسفة التي يؤمن بها الآن. وإذا كان التاريخ قد علّمنا شيئًا عن أعماله، فهو أنها قد تأخذ وقتًا طويلًا في التطوير، لكنها تأتي دائمًا محملة بتجربة شعورية عميقة ومختلفة. لذلك فإن تصريحه هذا ليس مجرد نقد للوضع القائم، بل ربما يكون إشارة ضمنية لما يمكن أن نتوقعه من لعبته القادمة.
تصريحات Fumito Ueda لا تمر مرور الكرام في الأوساط الإعلامية، بل تعكس تحولًا تدريجيًا في وعي المصممين حول أهمية الشمولية في التصميم. ومع استمرار تطور قدرات الأجهزة مثل PlayStation 5 وXbox Series X، فإن الساحة مفتوحة أمام تجارب أكثر عمقًا، حيث يصبح من الضروري أن تجتمع جميع عناصر اللعبة—التحكم، العالم، الشخصيات، الصوت، السرد—في انسجام، بعيدًا عن التفضيل التقليدي لعنصر على آخر. وفي النهاية، تظل كلمات Ueda تذكيرًا بأن الإبداع في ألعاب الفيديو لا يُقاس فقط بما نفعله داخل اللعبة، بل بما تتركه فينا بعد الانتهاء منها.