يبدو أن الانتظار الذي عاشه عشاق سلسلة Angry Video Game Nerd قد شارف على نهايته أخيرًا. فبعد سنوات من المزاح الثقيل، والانفجارات الغاضبة، والنكات التي تحولت إلى جزء من ذاكرة الإنترنت، تعود شخصية الـ Nerd لتُطل علينا في مغامرة جديدة بالكامل تحمل عنوان The Angry Video Game Nerd 8-Bit، من تطوير فريق Retroware بالتعاون مع المبرمج Programancer، الذي يعرفه عشاق الألعاب المستقلة من أعماله السابقة مثل Prison City وThe Transylvania Adventure of Simon Quest. هذه المرة، يختصر الإعلان كل شيء بجملة واحدة تُلخّص الحالة العامة لمجتمع اللاعبين: «الانتظار انتهى».
اللعبة من المقرر إصدارها في 23 أكتوبر 2025 على المنصات الحديثة وSteam، وهو تاريخ ينتظره المتابعون منذ أول عرض تشويقي ظهر في الربيع الماضي. وبينما انشغل العالم بعناوين ضخمة من الشركات الكبرى، ظل محبو الطابع الرجعي ينتظرون هذه التجربة التي تمزج بين جنون السلسلة الأصلية وروح ألعاب الثمانينيات. لم يكن الأمر مجرد إعلان عابر، بل أشبه بعودة صوت مألوف في عالم امتلأ بالألعاب المبهرة تقنيًا لكنه افتقد تلك النكهة الساخرة التي عرفناها من Cinemassacre منذ أكثر من عقد ونصف.
ما يجعل هذا المشروع مختلفًا ليس فقط استعادته لشخصية الـ Nerd الغاضب، بل الطريقة التي صيغ بها ليبدو وكأنه حلقة تفاعلية من السلسلة نفسها. ففي كل مرحلة، يجد اللاعب نفسه داخل عالم مليء بالفوضى، بالأعداء الغريبة، بالفخاخ المستحيلة، وبالإشارات المليئة بالسخرية من ألعاب الجيل القديم. لا يُخفي الفريق خلف اللعبة تأثره الواضح بجذور Nintendo Entertainment System، بل يحتفي بها بكل تفاصيلها القاسية التي كانت تجعل اللاعبين يصرخون من الغضب قبل أن يعيدوا المحاولة للمرة المئة.
Programancer، المبرمج الذي يقف وراء المشروع، عبّر عن حماسه الشديد قبل الإطلاق قائلًا: «مرحلة ما قبل الإطلاق مرهقة جدًا، لكنها تستحق العناء. لا أستطيع الانتظار حتى يجرّب الجميع هذه اللعبة الـ S****Y!» — وهي جملة لم تمر مرور الكرام بين محبي السلسلة الذين يعرفون تمامًا أن هذا النوع من السخرية هو ما جعل The Angry Video Game Nerd رمزًا من رموز الإنترنت القديمة.
أما المفاجأة الأجمل فتكمن في الطريقة التي أعاد بها الفريق الدمج بين العوالم الرقمية والواقعية. فبين المراحل، تظهر مقاطع حقيقية مصوّرة حديثًا من بطولة James Rolfe نفسه، مؤدي شخصية الـ Nerd ومبتكر السلسلة الأصلية. هذه المشاهد تضيف لمسة درامية ساخرة تجعل اللاعب يشعر كما لو أنه داخل حلقة جديدة من البرنامج، لكن هذه المرة هو من يتحكم في سير الأحداث. المشهدية الممزوجة بروح الثمانينيات تجعل التجربة تنبض بالحياة، وتجعل اللعبة تبدو وكأنها امتداد طبيعي لعالم Cinemassacre.
James Rolfe وصف اللعبة بطريقة تعكس عمق علاقته بشخصية الـ Nerd قائلًا: «لعب AVGN 8-Bit أشبه بالدخول إلى أعماق عقلي الباطن وأنا أعيش دور الـ Nerd، تواجه كل الأعداء والمراحل التي تحدثت عنها طوال السنوات الماضية. إنها مزيج من كل أحلامك وكوابيسك على جهاز NES». هذه الجملة وحدها كانت كفيلة بإشعال حماس مجتمع المعجبين الذين يرون في Rolfe شخصية أيقونية يصعب تكرارها، فهو ليس مجرد ممثل، بل جزء من ذاكرة الطفولة الرقمية لجيلٍ كامل.
من اللافت أيضًا في هذا المشروع أنه يجمع بين أكثر من فريق تطوير له باع طويل في ألعاب الطابع الكلاسيكي. Retroware تعاونت هنا مع Mega Cat Studios وProgramancer لإنشاء تجربة تحترم الماضي وتحتفي به، لكنها في الوقت نفسه تقدمه بمعايير حديثة تتناسب مع أجهزة الجيل الجديد. النتيجة تبدو كأنها مغامرة وُلدت في الثمانينيات، لكنها تسافر بزمنها إلى الحاضر دون أن تفقد سحرها الأصلي.
ولأن الفريق يعرف تمامًا شغف المعجبين بالحنين، فقد أعلن أيضًا أن نسخة مادية حقيقية من اللعبة ستصدر على هيئة Cartridge لجهاز NES، من إنتاج Mega Cat Studios. خطوة تحمل رمزية قوية، فهي ليست مجرد قطعة بلاستيكية قديمة، بل تذكار لعصرٍ كامل كان فيه إدخال الشريط في الكونسول طقسًا يوميًا يسبق الغضب والضحك والانتصار. الإصدارات المادية الحديثة ستُتاح كذلك عبر Limited Run Games، وهو ما يفتح الباب أمام جامعي الألعاب الكلاسيكية للحصول على نسخهم الفريدة.
الإعلان عن اللعبة لم يكن وليد اللحظة، بل ثمرة عمل استمر طويلًا منذ بداية سنة 2024، حيث أشار Rolfe في مقابلات سابقة إلى رغبته في إحياء روح السلسلة من خلال تجربة تفاعلية جديدة. بعد النجاح الذي حققته ألعاب AVGN السابقة مثل Angry Video Game Nerd Adventures وAngry Video Game Nerd II: ASSimilation، بدا من الطبيعي أن تأتي الخطوة التالية أكثر نضجًا من الناحية التقنية والسردية. فالفريق هذه المرة لم يكتفِ بإعادة إنتاج الماضي، بل حاول أن يمنحه روحًا جديدة تتجاوز حدود الحنين إلى الطفولة لتصبح تجربة قائمة بذاتها.
من خلال المقاطع الدعائية والعروض التي ظهرت حتى الآن، يبدو أن اللعبة ستحافظ على نمطها الكلاسيكي الذي يجمع بين الصعوبة العالية والتهكم من الألعاب القديمة، مع بعض الإضافات الحديثة في الإضاءة والتحكم والانسيابية. تصميم المراحل يستند إلى فلسفة بسيطة لكنها فعالة: كل فخ، كل عدو، وكل حركة في اللعبة مصممة لتذكيرك بسبب عشقك — وكرهك في آنٍ واحد — لتجارب الـ 8-Bit القديمة.
في الجانب الموسيقي، يستعيد الفريق ألحانًا تشبه موسيقى الـ chiptune الكلاسيكية، لكن مع لمسة حديثة تجعلها أكثر تنوعًا وغنى من ألعاب الـ NES الأصلية. المقطوعات تُعيد إلى الذاكرة موسيقى ألعاب مثل Castlevania وMega Man وBattletoads، لكنها في الوقت نفسه تحمل هوية خاصة تجعلها لا تُنسى بعد انتهاء اللعب. هذا المزيج بين الماضي والحاضر هو ما جعل اللاعبين يصفون اللعبة على المنتديات بأنها «رحلة في ذاكرة الغضب».
من المثير أن الجمهور هذه المرة ليس مقتصرًا على الجيل الذي نشأ مع السلسلة، بل هناك اهتمام متزايد من جيل جديد اكتشف الـ Nerd من خلال المقاطع المنتشرة على YouTube وTikTok. ومع انتشار ثقافة الـ retro gaming، باتت فكرة العودة إلى الألعاب الصعبة والمليئة بالسخرية تحظى بقبول كبير لدى اللاعبين الباحثين عن تجارب صادقة لا تعتمد على المؤثرات الضخمة بقدر ما تعتمد على الشخصية والهوية.
ورغم أن البعض قد يظن أن المشروع مجرد لعبة صغيرة تعتمد على الشهرة القديمة، فإن ما ظهر من لقطات اللعب حتى الآن يثبت العكس تمامًا. الجرافيكس ثنائي الأبعاد مصقول بدقة، التحريك سلس بشكل يليق بمنصات الجيل الحالي، والنكات البصرية متقنة إلى حد يجعل كل لقطة مليئة بالتفاصيل الساخرة التي اعتاد عليها متابعو السلسلة. يكفي أن ترى إحدى المراحل التي تسخر من ألعاب الحواسيب القديمة برسومات خضراء فسفورية لتدرك أن اللعبة ليست مجرد تقليد، بل استعراض فني لروح الـ Nerd بكل جنونها.
من الناحية التقنية، وعد الفريق بأن اللعبة ستعمل بسلاسة 60 إطارًا في الثانية على جميع المنصات، مع دعم كامل للتحكمات الحديثة، بما فيها أذرع PlayStation 5 وXbox Series X وNintendo Switch. أما نسخة Steam فستحصل على بعض المزايا الإضافية مثل دعم الإنجازات وتخصيص المفاتيح وSteam Deck compatibility، وهو ما يجعلها مناسبة لكل فئات اللاعبين.
في خضم كل هذه التفاصيل، تبقى الرسالة الحقيقية للمشروع واضحة: إنها ليست مجرد لعبة جديدة، بل احتفال بتراث الـ Nerd وبالحقبة التي جعلت من ألعاب الفيديو وسيلة للتعبير عن الغضب والسخرية والحب في آنٍ واحد. Retroware لم تكتفِ بصنع لعبة لجمهور قديم، بل سعت لتقديم تجربة قادرة على جذب جيلٍ جديد يرى في الأسلوب البسيط والمباشر ملاذًا من زحمة العناوين الضخمة التي تغرق السوق اليوم.
ولعلّ أكثر ما يجعل اللعبة محط اهتمام هو شخصية James Rolfe نفسها، الذي ما زال بعد أكثر من 18 سنة على انطلاق السلسلة يحتفظ بحماسه وحسّه الفكاهي الفريد. نجاح هذا المشروع قد يفتح الباب أمام أعمال أخرى مستوحاة من شخصيات الإنترنت القديمة، وربما يعيد صياغة العلاقة بين الكوميديا الرقمية وألعاب الفيديو. فأن تتحول شخصية وُلدت في موقع YouTube إلى لعبة كاملة على منصات الجيل الجديد، هو بحد ذاته علامة على التغيير الذي شهده عالم الترفيه خلال العقدين الأخيرين.
اللاعبون لن ينتظروا طويلًا لتجربة اللعبة بأنفسهم، فالديمو متاح حاليًا للتحميل، ويمكن إضافتها إلى قائمة التمنيات على Steam استعدادًا للإطلاق في 23 أكتوبر. وخلال الأسابيع المقبلة، سيبدأ فريق Retroware بالكشف عن عروض جديدة ومقاطع لعب إضافية تركز على مراحل معينة ومظاهر القتال مع الزعماء. كل ما تم عرضه حتى الآن يوحي بأن اللعبة ستكون أكثر من مجرد تحية للماضي، بل مغامرة متكاملة تستمد قوتها من صراخ الغضب ذاته الذي جعل اسم Angry Video Game Nerd خالدًا في ذاكرة الإنترنت.
الزمن تغيّر كثيرًا منذ ظهرت أول حلقة في منتصف العقد الأول من الألفية، حين كان James Rolfe مجرد شاب يصور مقاطع ساخرة في غرفته عن ألعاب سيئة. اليوم، بعد عشرين سنة تقريبًا، تحوّل ذلك المشروع البسيط إلى ظاهرة ثقافية، واستطاعت شخصية الـ Nerd أن تتجاوز كونها نكتة عابرة لتصبح رمزًا لجيلٍ كامل تربى على الأجهزة القديمة وأشرطة الـ NES المتعبة. اللعبة الجديدة ليست مجرد عودة، بل هي بمثابة دائرة تُغلق بين الماضي والحاضر، لتقول إن الغضب لم يمت، بل وجد طريقًا جديدًا ليعيش من خلال شاشة أخرى وجيلٍ آخر من اللاعبين.
إن كنت من أولئك الذين يحبون التحدي، أو من عشاق الـ retro gaming، فهذه اللعبة تبدو مصممة لك تمامًا. فكل شيء فيها يصرخ: “هيا لنغضب قليلًا من أجل المتعة!”، وكل لحظة لعب تحمل في طياتها تلك الطاقة الفوضوية التي ميّزت السلسلة الأصلية. وربما هذا ما يفسر حماسة الجماهير التي بدأت منذ الآن بنشر الميمز واللقطات من النسخة التجريبية عبر Reddit وDiscord وX. الجميع يتحدث عن العودة القادمة للـ Nerd وكأنها حدث ثقافي أكثر منها مجرد لعبة جديدة.
في النهاية، يبدو أن The Angry Video Game Nerd 8-Bit ليست مجرد مشروع جانبي أو محاولة لاستثمار اسمٍ محبوب، بل هي عمل نابع من حبٍ حقيقي لألعاب الفيديو وتاريخها، ومن رغبة صادقة في إعادة تلك الروح المتمردة التي جعلت من اللعبة السيئة سببًا للضحك لا للإحباط. هذه هي المفارقة التي بنى عليها James Rolfe شهرته، وهي المفارقة ذاتها التي تضمن أن يظل الـ Nerd صامدًا في وجه الزمن، كما لو كان يقول للعالم مرة أخرى: «اللعب ليس دائمًا متعة… أحيانًا هو غضب نقي يذكّرك بأنك حي».