في مدينة صغيرة تقع على أطراف ولاية Virginia الأمريكية، وتحديدًا في قبو منزل عادي لا يلفت الانتباه من الخارج، يختبئ كنز يخص أحد أكثر عشّاق الألعاب وفاءً وشغفًا في العالم. ذلك القبو ليس مجرد غرفة تخزين، بل متحف خاص يحتفظ فيه المبرمج الأمريكي Constantine Adams بأكبر مجموعة مقتنيات من سلسلة ألعاب The Legend of Zelda على وجه الأرض.
عدد القطع المسجلة رسميًا في موسوعة غينيس وصل إلى 3,918 قطعة، أي أكثر من ضعف الرقم القياسي السابق الذي كانت تحمله النرويجية Anne Martha Harnes بعدد بلغ 1,816 قطعة فقط. إنّه إنجاز لا يتوقف عند الأرقام، بل يعكس رحلة عمر طويلة بين الطفولة، والذكريات، والتعلّق بسلسلة شكّلت خيال جيل كامل من اللاعبين.
عندما تتحدث إلى آدامز، تشعر أنّ الأمر بالنسبة إليه ليس تكديسًا لمجسمات أو ألعاب أو بوسترات. بل هو — كما يقول — “حكاية عمر”، بدأت منذ طفولته حين كان يجلس إلى جانب شقيقه الأكبر Eric، يتأمل كيف تتحرّك الشخصيات الصغيرة على شاشة التلفاز ويغوص في عالمها دون أن يلمس أزرار التحكم. كان يكتفي بالمشاهدة، بالصمت، وبالإعجاب. لكن تلك المشاهدة ولّدت بداخله شرارة لم تخمد.
وفي عيد ميلاده التاسع، تلقّى هديته التي ستغيّر مسار اهتمامه إلى الأبد: جهاز Game Boy صغير ونسخة من لعبة Link’s Awakening عام 1993. لم يكن يدرك وقتها أن هذه الهدية البسيطة ستغرس داخله بذرة شغف ستنمو وتكبر حتى تتحول إلى واحدة من أغرب قصص الولع بالألعاب في العالم.
كانت تلك التجربة الأولى مع Link بمثابة مغامرة شخصية لآدامز. يتذكرها اليوم بابتسامة هادئة قائلاً: “كانت أول لعبة أنهيها بالكامل، وشعرت حينها بأنني أعيش داخلها.”
ومنذ ذلك اليوم، لم يفارق حب Zelda قلبه. توالت الأجيال، تغيّرت الأجهزة والمنصّات، لكن بقيت الموسيقى والأصوات والصور تعود إليه في كل مرة يفتح فيها لعبة جديدة. ومع مرور السنوات، لم يكتفِ باللعب فحسب، بل بدأ بجمع كل ما تقع عليه يده من أدوات وأغراض وإعلانات وتذكارات تخص السلسلة، دون أن يدرك أنه يضع لبنات متحف مستقبلي.
في السادسة عشرة من عمره، توسّع اهتمامه بجمع ألعاب الفيديو القديمة على مختلف الأجهزة، من NES إلى PlayStation 2. لكن التركيز على Zelda وحدها لم يبدأ فعليًا إلا بعد مرور أكثر من عقدين. كانت البداية الجديدة في عام 2019، حين قرر آدامز أن يتفرغ لهوايته القديمة ويعيد صياغتها بشغف أكثر نضجًا.
في تلك السنة، وقعت عيناه على مجموعة من مجسمات amiibo الخاصة بـZelda، فشعر أنّه أمام مشروع يجمع بين الفنّ والتاريخ والذكريات. بدأ في البحث عن كل إصدار وكل قطعة صغيرة لها علاقة بالسلسلة، ثم تحوّل ذلك البحث إلى هوسٍ حقيقي. صار يبيع بعض مجموعاته القديمة عبر eBay، ليعيد استثمار أرباحها في شراء ما ينقصه من مقتنيات Zelda النادرة.
في البداية لم تكن الأمور سهلة. فبعض القطع لا تُعرض إلا مرة كل بضع سنوات، وأحيانًا تكون الأسعار خيالية. لكنه لم يتردد، فقد كان يعرف ما يريد.
يقول: “عندما ترى قطعة تعرف أنك لن تراها مرة أخرى خلال أربع أو خمس سنوات، عليك أن تقرر بسرعة. لا وقت للتفكير الطويل.”
تلك الفلسفة في الجمع كانت نتيجتها واحدة من أكثر المجموعات إثارة للإعجاب في عالم الألعاب. تحتوي مجموعة آدامز على قطع نادرة جدًا، منها مجموعة Exin Castillos الخاصة بلعبة Ocarina of Time، وساعة حائط أصلية من Accutime، ولفائف دعائية محدودة صدرت ضمن مسابقات خاصة في أستراليا لا يتجاوز عددها في العالم 26 نسخة فقط.
كل قطعة من هذه المجموعة تحمل وراءها قصة، رحلة بحث، أو مفاوضة طويلة عبر الإنترنت، وأحيانًا حظًا استثنائيًا في اللحظة المناسبة.
الغريب أن أكثر قطعة مفضّلة لدى آدامز ليست قطعة رسمية أصلًا. إنها آلة مخلب (Claw Machine) صممها بنفسه على طراز لعبة Link’s Awakening، واستغرق منه تنفيذها عامًا كاملًا. برمج داخلها شريحة Raspberry Pi لتشغيل موسيقى اللعبة من نسختيها — إصدار 1993 الكلاسيكي وإصدار 2019 الحديث على جهاز Nintendo Switch — وكل ذلك يمكن التحكم به عبر ذراع تحكم Nintendo Controller قديم.
حين يتحدث عنها، تلمع عيناه بشيء من الفخر الطفولي. يقول وهو يبتسم: “أردت أن أمزج بين الفن والحنين، بين أن تكون اللعبة آلة حقيقية وبين أن تكون تحفة فنية.”
ورغم ضخامة المجموعة، لم يكن آدامز يخطط في البداية لعرضها للعالم أو تسجيلها رسميًا. كان يجمع بدافع الحب، لا الشهرة. لكن في يوليوز الماضي، تلقى رسالة غير متوقعة من فريق Guinness World Records، تخبره بأنهم علموا بوجود مجموعته ويريدون التحقق منها.
استغرقت عملية التوثيق عدة أشهر من التصوير والفهرسة والتدقيق في كل قطعة على حدة. وبعد أسبوعين فقط من الإرسال الرسمي، وصله الردّ: مجموعته هي الأكبر على الإطلاق في العالم.
عندها فقط أدرك أنه دخل التاريخ — لا كبطل لعبة Zelda، بل كأكبر معجب بها في الحياة الواقعية.
لكن المفارقة أن آدامز لم يشعر بأي فرحٍ مبالغ فيه. يقول ببساطة: “لم يتغيّر شيء. لم أعلن ذلك حتى في مجموعات المعجبين بعد. أردت أن يصدر الخبر رسميًا أولاً، ثم أشارك الرابط معهم.”
ربما تعكس كلماته تلك روح السلسلة نفسها: السعي، المغامرة، الصبر، دون انتظار مكافأة فورية. فبالنسبة له، الإنجاز الحقيقي لم يكن في اللقب أو في الاعتراف العالمي، بل في الرحلة الطويلة التي خاضها قطعةً بعد قطعة، على مدى أكثر من خمسةٍ وعشرين عامًا.
تأثير هذا الشغف امتد إلى عائلته أيضًا. ابنه الصغير Lucas أصبح هو الآخر من عشّاق Zelda. يجلس بجانب والده لساعات وهو يشاهد مغامرات Link الجديدة، يحفظ أسماء الوحوش والزعماء، ويقرأ بشغف كتب Guinness World Records التي كان والده يشتريها له في كل عيد ميلاد. يقول آدامز ضاحكًا: “كان يصرخ من غرفته يخبرني عن الأرقام القياسية التي يقرأها، لم أكن أتخيل أن أحدها سيكون عني.”
اليوم، أصبحت العائلة بأكملها تشارك والدها في هذا الشغف، وكأن السلسلة لم تعد مجرد لعبة، بل إرثًا عائليًا يتوارثه الأب والابن.
المجموعة، رغم تنوّعها وغرابة محتوياتها، تحمل روحًا واحدة: الوفاء لعالم Zelda بكل تفاصيله. هناك قطع تذكارية من معارض قديمة، صناديق موسيقى، لوحات دعائية، أدوات مكتبية، مجلات، وحتى ألعاب لوحية نادرة. كثير من هذه المقتنيات لم يعد متاحًا في السوق إطلاقًا.
وقد وصلت شهرة مجموعة آدامز إلى مجتمعات اللاعبين حول العالم، وأصبحت مصدر إلهام لعشرات الجامعين الجدد الذين بدأوا رحلاتهم الخاصة في البحث عن مقتنيات Zelda، سواء كانت ألعابًا أصلية أو إصدارات محدودة.
يقول آدامز في ختام حديثه: “لم يكن هدفي أن أكون صاحب أكبر مجموعة، بل أن أعيش تجربة Zelda بكل أبعادها. كل قطعة هنا تذكرني بلحظة من حياتي، بوقتٍ كنت أهرب فيه من الواقع إلى مغامرة أجمل.”
تبدو كلماته بسيطة، لكنها تختصر فلسفة جيل كامل من عشاق Nintendo الذين وجدوا في ألعابها ما هو أكثر من الترفيه: وجدوا فيها بيتًا صغيرًا للهروب والخيال والدهشة.
اليوم، يقف Constantine Adams على رأس قائمة Guinness كأكبر جامع لمقتنيات Zelda في التاريخ، لكن رحلته لم تنتهِ بعد. فكل صباح، ما زال يفتح مواقع البيع القديمة ويبحث عن قطعة جديدة، عن شيءٍ لم يره من قبل، عن مغامرةٍ صغيرة تذكّره بالمرة الأولى التي أمسك فيها بجهاز Game Boy، وسمع تلك النغمة التي غيّرت كل شيء.
وفي الأخير إليكم عرض أسعار تقريبية لبعض القطع النادرة في عالم Zelda وألعاب الفيديو عمومًا، بناءً على بيانات من مواقع المزادات وPriceCharting :
من بين القطع الأسطورية في عالم جمع ألعاب الفيديو، يُعدّ نسخة مُختومة بالكامل (sealed first-production copy) من The Legend of Zelda على جهاز NES من أندرها، حيث بيعت مؤخرًا في مزاد Heritage مقابل 288,000 دولار، لتصبح أعلى لعبة معتمدة بمعيار CGC تُباع على الإطلاق. cgcvideogames.com
ولا تقتصر القيمة على العبة الكاملة فحسب: نسخة الصندوق فقط (Box Only) من The Legend of Zelda بدرجة CGC 9.4 بيعت أيضاً مقابل أكثر من 7,000 دولار، مما يُظهر أن حتى المكوّنات الأصلية مثل الامتداد الخارجي تغدو ثمينة بذاتها. cgcvideogames.com
أما بالنسبة لمقتنيات Zelda من فئة amiibo، فهي تُعد من القطع الأكثر تداولًا بين الجامعين حالياً، وتقدم مؤشرات واقعية على مدى تقلبات السوق. مثلاً، نموذج Princess Zelda Amiibo معروض بسعر جديد يقارب 21.21 دولارًا على PriceCharting، بينما النسخة المستعملة (Loose) تُقدَّر بـ 12.85 دولارًا. PriceCharting
نموذج آخر هو Zelda – Breath of the Wild Champions Set Amiibo الذي يُعرض ضمن قائمة أغلى مجسمات amiibo، حيث يُظهر الموقع قيمة تقدر بـ 62.10 دولارًا كأعلى سعر معروض، مما يعكس الطلب القوي على إصدارات الأبطال من سلسلة Zelda. PriceCharting+1
كما تجدر الإشارة إلى نموذج Link – Link’s Awakening Amiibo، الذي يُقدّر حالياً (في حالة loose) بـ 10.48 دولارًا، وقد يصل إلى 14.79 دولارًا في الحالة الجديدة (New). PriceCharting
وبالنسبة لبعض النماذج الأكثر تفرّدًا، مثل Link – Toon Wind Waker Amiibo، فإن السعر الحالي للنسخة المفككة (loose) يصل تقريبًا إلى 14.55 دولارًا، بينما النسخة الجديدة (New) قد تسجّل حوالي 27.49 دولارًا. PriceCharting
حتى مجسمات بسيطة أخرى مثل Link – 8 Bit Amiibo تحقق أسعارًا محترمة؛ النسخة المفككة تُسجَّل عند حوالي 15.79 دولارًا، في حين النسخة الجديدة قد تصل إلى 22.66 دولارًا أو أكثر. PriceCharting
تُظهر هذه المقتطفات أن القيمة الحقيقية لأي مجموعة Zelda لا تتوقف على عدد القطع فحسب، بل على نُدرة القطعة، حالتها، وشهاداتها إن وُجِدت. جمع قطع نادرة مختومة أو مطبوعة من أول إنتاج يُعد حلمًا لكل جامع، ويُشكّل فرقًا في القيمة من بضع مئات إلى مئات الآلاف من الدولارات.