في مثل هذا اليوم من سنة 1985، كان عشاق الألعاب في اليابان على موعد مع ولادة جهاز سيغيّر مسار تاريخ الترفيه المنزلي. جهاز Sega Master System لم يكن مجرد محاولة أخرى من شركة SEGA لدخول عالم أجهزة الألعاب، بل كان بداية رحلة جريئة في حرب المنصات التي ستظل تُروى تفاصيلها لعقود. كان المشهد وقتها يتشكل حول أسماء كبرى، ووسط منافسة شرسة من Nintendo Entertainment System، قررت SEGA أن تدخل الميدان بسلاحٍ مختلف: جودة أركيد منزلية لم يسبق لها مثيل.
لم يكن الجيل الجديد من اللاعبين في منتصف الثمانينات يتخيل أن جهازًا بثماني بِتّات يمكن أن يجلب تجربة مشابهة لما كانت تقدمه صالات الألعاب. لكن SEGA Master System غيّر تلك الفكرة رأسًا على عقب. بفضل ألوانه الزاهية وسرعة استجابته، وقدرته على نقل روح الأركيد إلى التلفاز المنزلي، أصبح الجهاز رمزًا لجيلٍ كامل. حين ظهرت ألعاب مثل Alex Kidd in Miracle World، شعر اللاعبون أن شيئًا مختلفًا يحدث؛ أن هناك عالمًا جديدًا يُفتح أمامهم، مختلفًا في هويته عمّا قدمته Nintendo.
ورغم أن جهاز Nintendo تفوّق تجاريًا في الأسواق العالمية، فإن SEGA لم ترضَ بدور المنافس الثانوي. بل أرادت أن تترك بصمتها عبر تجربة متفردة توازن بين التقنية والابتكار البصري. أحد عناصر القوة في Master System كان تصميمه الجريء الذي حمل لمسة مستقبلية واضحة، وكأنه قطعة من أجهزة الخيال العلمي. حتى الأشرطة التي كانت تُباع وقتها حملت هالة فريدة؛ أغلفتها البيضاء الشبكية وأسلوبها البسيط منحاها هوية لا تُنسى. تلك التفاصيل الصغيرة، رغم بساطتها، ساهمت في تكوين هوية بصرية لا تزال تُذكر حتى اليوم بين محبي العلامة الزرقاء.
على الصعيد التقني، كان Master System يتفوق على نظيره من حيث القوة الرسومية ودقة الألوان، إذ كان قادرًا على عرض 64 لونًا على الشاشة في وقتٍ كانت أجهزة أخرى تكتفي بنصف ذلك. هذا التفوق جعل ألعابًا مثل Phantasy Star تُعتبر معجزة تقنية في زمنها. اللعبة لم تكن مجرد تجربة RPG متقدمة، بل كانت رؤية مبكرة لعالم ثلاثي الأبعاد في وقتٍ لم يعرف فيه اللاعبون هذا المفهوم إلا من خلال صالات الأركيد. استطاعت SEGA عبرها أن ترسل رسالة واضحة: التكنولوجيا ليست حكرًا على أحد، وأن الإبداع يمكن أن يولد من التحدي نفسه.
من جهة أخرى، مثّلت ألعاب مثل Shinobi وWonder Boy الوجه الآخر لهوية SEGA. فقد حملت هذه الألعاب روح الأركيد الحماسية، مع مستوى صعوبة منحها طابعًا تنافسيًا حقيقيًا. لم تكن سهلة أو متساهلة مع اللاعب، بل اختبرت ردات فعله وصبره، تمامًا كما كانت تفعل ألعاب الصالات. هذه الصعوبة كانت جزءًا من فلسفة SEGA نفسها في ذلك الوقت، التي آمنت بأن “اللعب يجب أن يكون تحديًا قبل أن يكون ترفيهًا”. وهي الجملة التي وردت في أحد كتيّبات الشركة في الثمانينات، لتلخص نهجها في التصميم.
ورغم أن SEGA Master System لم يحصد النجاح التجاري الضخم في السوق اليابانية أو الأمريكية مقارنة بمنافسه Nintendo، إلا أنه حقق انتصارًا لافتًا في أوروبا وأمريكا الجنوبية، خصوصًا في البرازيل، حيث لا يزال الجهاز يُباع رسميًا هناك حتى اليوم عبر شركة TecToy. تلك المفارقة الغريبة جعلت الجهاز يعيش حياة طويلة بشكل غير متوقع، متحوّلًا إلى رمزٍ ثقافي في أماكن لم تكن SEGA تتوقعها أصلاً. وربما هذه واحدة من أجمل مفارقات التاريخ في عالم الألعاب: أن النجاح لا يقاس فقط بالأرقام، بل أيضًا بالذكريات التي يتركها الجهاز في قلوب لاعبيه.
وبينما كان العالم يتجه نحو معالجات 16-بت وظهور أجهزة مثل Mega Drive / Genesis، لم يفقد Master System بريقه أبدًا. فالكثيرون يعتبرونه اليوم الجسر الذي نقل SEGA من مرحلة التجريب إلى مرحلة النضج التقني. بعض المحللين يرون أن فلسفة SEGA التصميمية في تلك الفترة – والتي جمعت بين الجرأة في الأفكار والدقة في التنفيذ – هي ما مهد الطريق أمام نجاحها اللاحق في التسعينات. ومن دون Master System، ربما لم تكن هناك Sonic أو Streets of Rage أو Golden Axe بالشكل الذي نعرفه.
اللافت أن تصميم واجهة الجهاز وشعار SEGA الأحمر المائل أصبحا أيقونة في حد ذاتهما. كان فتح العلبة، تركيب الشريط، وسماع صوت التشغيل الأول تجربةً لها طقوسها الخاصة. تلك اللحظة البسيطة كانت كافية لتغرس في قلوب اللاعبين حبّ التكنولوجيا والخيال معًا. واليوم، حين نتحدث عن الألعاب الرجعية أو Retro Gaming، يعود اسم Master System ليُذكر كإحدى العلامات الأولى التي جسّدت روح العصر الذهبي للألعاب المنزلية.
وربما أجمل ما يمكن قوله عن تلك المرحلة هو ما ورد في أحد مقالات مجلة Famitsu في ربيع 1986:
“ما يميز SEGA Master System ليس عدد الألوان أو السرعة، بل قدرته على إشعال الخيال في عقل اللاعب، وكأن كل لعبة هي دعوة صغيرة إلى عالمٍ جديد.”
هذه الجملة تلخص روح الجهاز تمامًا. فبينما كانت الشركات الأخرى تتنافس على الأرقام والمواصفات، كانت SEGA تراهن على الحلم نفسه. كانت تؤمن أن اللاعب لا يشتري لعبة فقط، بل يشتري تجربة.
مع مرور العقود، تحول Master System إلى قطعة نادرة في مجموعات اللاعبين الكلاسيكيين. بعضهم يحتفظ به كتحفة تذكارية، وآخرون يعيدون تشغيله من وقتٍ لآخر لاستعادة إحساس البساطة الأصيلة. ورغم تطور التقنيات وظهور عوالم ثلاثية الأبعاد وأجهزة الجيل التاسع، ما يزال تأثيره حاضرًا في تصميم الألعاب الحديثة، من حيث بساطة الفكرة ووضوح الهدف وسحر البدايات.
اليوم، حين تحتفل SEGA بتاريخها وتعرض أرشيفها الغني في معارض الألعاب حول العالم، يعود اسم Master System دومًا كأول خطوة في رحلةٍ امتدت لعقود. إنه ليس فقط أول جهاز منزلي للشركة، بل حجر الأساس لثقافة SEGA بأكملها، تلك الثقافة التي جعلت اللعب مغامرة بصرية وصوتية وشعورية في آنٍ واحد. في النهاية، تظل هذه المنصة شاهدًا على أن الشغف هو ما يصنع التاريخ، وأن كل أسطورة تبدأ بخطوة، تمامًا كما بدأ كل شيء مع SEGA Master System في خريف سنة 1985.