يبدو أن معارك Nintendo القانونية لا تعرف التوقف، وهذه المرة جاء الدور على بيرو، حيث تصدّرت الشركة اليابانية العناوين مجددًا بعد أن رفعت دعوى قضائية ضد شركة محلية تُدعى Heyday S.A.C. بتهمة استيراد منتجات تحمل تصميمًا مستوحى من عالم Super Mario دون ترخيص رسمي. القضية أثارت موجة واسعة من الجدل في مجتمع اللاعبين ومواقع التقنية، خاصة أن الأمر يتعلق بمصباح صغير على شكل مكعب الاستفهام “?” الشهير من السلسلة، والذي يُعد أحد أكثر الرموز ارتباطًا بتاريخ Nintendo وثقافتها البصرية.
القصة بدأت حين اكتشفت Nintendo أن الشركة البيروفية قامت باستيراد مصابيح تحمل شكل الصندوق الأصفر المزخرف بعلامة الاستفهام — وهو العنصر الأيقوني الذي يظهر في ألعاب Mario منذ الثمانينيات، ويحتوي عادةً على عناصر مفيدة مثل النقود الذهبية أو الـPower-Ups. بالنسبة لعشاق الألعاب، هذا المكعب يمثل جزءًا من طفولتهم، لكن بالنسبة لـNintendo، فهو ملكية فكرية محمية لا يمكن استخدامها دون إذن رسمي. الشركة لم تتساهل في هذه النقطة، وقررت رفع دعوى قضائية تطالب فيها بتعويض مالي معتبر.
وبحسب ما تم تداوله في الصحافة المحلية، فقد حكمت المحكمة لصالح Nintendo، وألزمت Heyday S.A.C. بدفع غرامة قدرها 117,593 سول بيروفي، أي ما يعادل تقريبًا 35,600 دولار أمريكي. المبلغ ربما يبدو ضخمًا بالنظر إلى حجم المنتج البسيط، لكنه يعكس بوضوح مدى تشدد Nintendo في حماية حقوقها الفكرية حول العالم، حتى وإن كان الانتهاك صغيرًا أو غير مقصود. فالشركة تمتلك تاريخًا طويلاً من القضايا المماثلة ضد متاجر أو شركات قامت ببيع منتجات غير مرخّصة مستوحاة من شخصياتها الشهيرة مثل Mario وLink وPikachu.
المثير في القضية أن المنتج المعني لم يكن لعبة أو برنامجًا رقميًا، بل مصباحًا منزليًا بسيطًا، ما جعل الكثير من المستخدمين في بيرو وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يتساءلون إن كانت Nintendo قد بالغت في رد فعلها هذه المرة. أحد المستخدمين كتب تعليقًا ساخرًا على منصة X قائلاً: “حتى المصابيح الآن يجب أن تحصل على رخصة من Nintendo لتضيء غرفنا!”، في حين اعتبر آخرون أن الشركة على حق في الدفاع عن حقوقها، لأن التساهل مع مثل هذه الحالات قد يشجع على استغلال رموزها التجارية دون إذن في المستقبل.
من الناحية القانونية، تمتلك Nintendo موقفًا قويًا، إذ أن مكعب الاستفهام “?” مسجّل كعنصر تصميمي ضمن مجموعة واسعة من العلامات التجارية الخاصة بها في مختلف البلدان. ويُعد هذا التسجيل أحد أسباب تفوق الشركة في حماية عالم Mario، الذي أصبح علامة تجارية قائمة بحد ذاته. ووفقًا للمحامين الذين تابعوا القضية في بيرو، فقد تم اعتبار المصابيح المستوردة بمثابة “منتجات منسوخة” لأنها تحمل تصاميم طبق الأصل من أصول Nintendo الفنية، دون تصريح أو اتفاق مسبق.
القضية لم تمر دون تأثير على الشركات الصغيرة في المنطقة. العديد من المتاجر التي تعتمد على استيراد سلع الزينة والأدوات المستوحاة من الألعاب صارت أكثر حذرًا بعد صدور الحكم، وبدأت تتواصل مباشرة مع الجهات المالكة للحقوق للحصول على تراخيص رسمية قبل الاستيراد أو البيع. هذا التحول قد يُحدث تأثيرًا طويل المدى على السوق المحلية، حيث كانت مثل هذه المنتجات تُباع بحرية لسنوات دون رقابة تذكر.
ورغم أن الحكم جاء قاسيًا على الشركة البيروفية، إلا أنه لم يكن مفاجئًا تمامًا لمن يعرف سياسات Nintendo. فالشركة تمتلك تاريخًا طويلًا في ملاحقة كل من يعبث بممتلكاتها الفكرية، حتى في حالات يُنظر إليها عادة بعين التسامح من قبل شركات أخرى. فقد سبق لها أن أغلقت مواقع إلكترونية تقوم بتوزيع ROMs لألعابها القديمة، وأوقفت حسابات على YouTube لمجرد استخدام موسيقى ألعابها في مقاطع الفيديو، بل ومنعت أيضًا تنظيم بطولات ألعاب معدّلة من قبل المعجبين، معتبرة ذلك انتهاكًا مباشرًا لشروط الاستخدام.
المدافعون عن Nintendo يرون أن هذه السياسة الصارمة ليست مجرد قسوة غير مبررة، بل تعبير عن التزام الشركة بحماية إرثها. فهم يعتقدون أن السماح لأي طرف خارجي باستغلال رموز Mario أو Zelda أو Pokémon بحرية سيؤدي مع الوقت إلى فقدان السيطرة على هوية هذه العلامات، ما قد يضرّ بالعلامة التجارية على المدى الطويل. وكما قال أحد المحللين في تصريح نقلته الصحافة اللاتينية: “Nintendo تعرف جيدًا أن سحر علاماتها التجارية يكمن في ندرتها، لا في انتشارها.”
من جانب آخر، يرى البعض أن الشركة بحاجة إلى تطوير نظرتها للتفاعل مع جمهورها. فالكثير من المعجبين اليوم لا يسعون إلى الربح من وراء استخدام رموز Nintendo، بل يرغبون فقط في التعبير عن حبهم لعوالمها من خلال منتجات فنية أو مجسمات أو مصابيح تذكارية مثل هذه. ويشير هؤلاء إلى أن شركات مثل SEGA وCapcom تتبع نهجًا أكثر مرونة، ما جعلها تكسب تعاطف اللاعبين بدلًا من مواجهتهم في ساحات القضاء.
القضية الأخيرة في بيرو فتحت من جديد باب النقاش حول الحدود الدقيقة بين الإبداع الحر وحقوق الملكية الفكرية. إلى أي مدى يمكن أن يُعتبر منتج بسيط بمثابة “انتهاك”؟ وهل يُفترض بالشركات العملاقة أن تراعي النية الحسنة للشركات الصغيرة؟ هذه الأسئلة لا تزال معلّقة، لكن المؤكد أن اسم Nintendo سيظل حاضرًا بقوة كلما تعلق الأمر بقضايا حماية الملكية الفكرية في عالم الألعاب.
اللافت أن القضية تأتي في وقت تعيش فيه Nintendo مرحلة انتقالية مهمة، مع اقتراب نهاية دورة Switch واستعداد الشركة لإطلاق جهازها الجديد خلال العام المقبل. البعض يرى أن الشركة تحاول خلال هذه الفترة توحيد صورتها القانونية والتجارية عالميًا قبل دخول الجيل الجديد، إذ أن السيطرة الصارمة على رموزها وأصولها الفنية جزء أساسي من استراتيجيتها التسويقية للمرحلة القادمة.
أما بالنسبة لعشاق Mario، فقد بدت ردود الفعل متباينة. فبينما عبّر البعض عن استيائهم من تشدد Nintendo، رأى آخرون أن هذا مجرد تأكيد جديد على مدى قوة العلامة التجارية، وأن حماية الرموز الكلاسيكية مثل مكعب الاستفهام ليست مجرد خطوة قانونية، بل حفاظ على ذاكرة أجيال كاملة تربّت على هذه الألعاب. وبالنسبة لكثير من محبي السلسلة، يظل هذا المكعب الصغير رمزًا للأمل والمفاجأة — الشيء الذي جعلهم يعشقون Super Mario منذ البداية.
وبين الجدل القانوني والمشاعر المتناقضة، تظل الحقيقة أن Nintendo نجحت مجددًا في أن تكون حديث الساعة، حتى في مكان بعيد عن موطنها كأمريكا اللاتينية. وبينما تغلق القضية في المحاكم، فإنها تفتح أبواب النقاش في كل مكان حول العالم: إلى أي مدى يمكن أن تمتد حماية الابتكار؟ وهل يمكن للذكريات أن تتحول إلى قضية قانونية؟
مهما كانت الإجابة، يبدو أن Nintendo ستواصل السير على نهجها الصارم، في دفاعها المستميت عن كل رمز صغير أو كبير يحمل توقيعها — حتى لو كان مجرد مصباح على شكل “؟”.