يشهد المحتوى العربي المتعلق بألعاب الفيديو موجة جديدة من المبادرات التي تجتهد في تقديم تجارب أكثر قربًا للاعبين في المنطقة، وكان من أبرزها إعلان فريق Gaming Republic عن تعريب لعبة Guns of Fury، وهي خطوة لاقت اهتمامًا واسعًا داخل المجتمعات المهتمة بالألعاب، سواء على منصات التواصل أو في حلقات النقاش بين اللاعبين. ما قد يبدو للوهلة الأولى مجرد ترجمة لنصوص لعبة أكشن ثنائية الأبعاد، يتحول سريعًا إلى نقاش أوسع حول دور التعريب في تقريب الهوة بين اللاعبين العرب وصناعة الألعاب، وهو موضوع يتكرر كثيرًا في هذه السنوات مع تزايد عدد المشاريع التي تستهدف الجمهور العربي بشكل مباشر أو غير مباشر. ولأن Guns of Fury ليست لعبة بسيطة في فكرتها أو عالمها، فقد اكتسب هذا التعريب طابعًا خاصًا؛ إذ يتعامل مع قصة ذات طابع مستقبلي، وشخصيات تحمل بُعدًا سرديًا واضحًا، وأجواء تعتمد على التفاصيل الدقيقة التي تمثل تحديًا دائمًا لأي فريق يقرر تحويل حوار لعبة كاملة إلى العربية.
تدور أحداث اللعبة في مستقبل قريب يواجه فيه العالم أزمة طاقة خانقة، وهي أزمة تنطلق من لحظة حاسمة حين يعلن العالم الشهير Dr. Klaus عن اكتشافه Tetra Cell، وهي خلية طاقة متطورة قد تغير شكل الصناعات بالكامل. غير أنه يختفي بعد يوم واحد فقط من الإعلان، وهو اختفاء لم يكن عابرًا؛ إذ سرعان ما بدأت الشكوك تحوم حول Easton، رئيس Easton Industries، الذي يُعتقد بأنه وراء عملية الخطف. هذا البناء القصصي، رغم اختصاره، يفتح بابًا واسعًا أمام أسئلة حول استغلال العلم والتقنية، وهو موضوع لطالما كان مادة دسمة في أعمال الخيال العلمي. وربما لهذا السبب تحديدًا يشعر اللاعب منذ البداية أن اللعبة لا تكتفي بتقديم مراحل إطلاق النار والقتال، بل تحاول أن تمنحه سببًا ليخوض القصة ويفهم دوافع الشخصيات. في هذا السياق، يأتي Vincent Fury، العميل الخاص الذي يُكلّف بمهمة اختراق المنشأة السرية وإنقاذ Dr. Klaus واستعادة Tetra Cell قبل أن يتحول إلى سلاح فتّاك. هذه النقطة تحديدًا تحمل ذلك النوع من السرد المباشر الذي يجذب اللاعب سريعًا، وتمنحه إحساسًا بأنه أمام مهمة حقيقية ذات تبعات خطيرة، وليس مجرد سيناريو شوهد مئة مرة من قبل. أحد التعليقات داخل مجتمع اللاعبين لخّص هذا الشعور قائلًا: “القصة بسيطة لكن فيها شيء يشدّك دون ما تحس”، وهو الاقتباس الذي يعبّر فعليًا عن الانطباع الأول لدى الكثيرين.
عالم Guns of Fury يعتمد على مساحات واسعة، وأعداء متنوعين، ووجود عشرة زعماء موزعين على مناطق مختلفة، وهي عناصر مثالية لتجربة Metroidvania التي تمزج بين الاستكشاف والترقية وفتح المناطق. اللاعب يبدأ بقدرات محدودة، لكنه مع كل سلاح أو مهارة جديدة يشعر أن الطريق يصبح أكثر اتساعًا وأن حدود العالم تتغير. هذا النوع من التدرج يشبه الطريقة التي تعمل بها ألعاب مثل Hollow Knight أو Axiom Verge، لكن بطابع بصري مختلف يعتمد على 16 Bit Pixel Art. هذا الأسلوب الفني الزاخر بالتفاصيل، مع موسيقى تصويرية تحمل تلك اللمسة الرجعية التي تعيد إلى الذاكرة ألعاب Super Nintendo وMega Drive، يجعل التجربة أقرب إلى رحلة في الماضي ولكن بمنطق تصميم حديث. وهنا يظهر التحدي الأكبر أمام التعريب، لأن النصوص في ألعاب Metroidvania تكون عادة متقطعة لكنها مؤثرة، ويجب أن تحافظ على طابع الشخصية دون أن تفقد خفتها أو جديتها. ووفقًا لما تمت مشاركته من قبل فريق Gaming Republic، فقد تمت مراعاة هذا الجانب بدقة، خصوصًا في الحوارات القصيرة التي تظهر عند مواجهة الزعماء أو عند اكتشاف غرف جديدة داخل المختبرات والمناطق الصناعية. ولأن اللعبة تقدم نهايات متعددة تتحكم فيها اختيارات اللاعب، كان من الضروري أن يأتي التعريب متماسكًا بحيث يفهم اللاعب طبيعة كل قرار والنتيجة المترتبة عليه دون أي التباس.
المثير للاهتمام أن الإعلان عن التعريب لم يقف عند حدود مشاركة خبر بسيط، بل فتح نقاشًا واسعًا بين المتابعين حول مستقبل تعريب الألعاب المستقلة، بل وحتى إمكانية توسيع نطاق التعريب ليشمل سلاسل ضخمة في عالم الـ JRPG مثل Final Fantasy أو Dragon Quest XI، وهي اقتراحات طرحها لاعبون على صفحتهم، ومن بينهم من طالب بأن تمتد التعريبات لتشمل الإصدارات الخاصة بالكونسول وPC. هذه النقاشات لم تكن غريبة، بل تكشف حجم التطلع لدى اللاعبين لرؤية المحتوى العربي في ألعاب أكبر وأكثر تعقيدًا. أحد التعليقات التي لفتت الانتباه جاء من أحد المتابعين الذي تساءل بشكل صريح عن إمكانية تعاون الفرق العربية فيما بينها لإنتاج تعريبات مشتركة. ورغم أن ذلك يبدو طموحًا كبيرًا، فإن التجارب التي ظهرت خلال العامين الماضيين تؤكد أنه ليس مستحيلًا، خصوصًا مع تزايد وعي المطورين واللاعبين على حد سواء بأهمية اللغة وتجربة المستخدم العربي. حتى النقاش الجانبي الذي دار بين Montaser Adel وImojoughan Brahim حول اللعب على الموبايل أو Nintendo Switch يعكس مدى تنوع اللاعبين العرب، وأن الجمهور المستهدف لم يعد محصورًا في منصة واحدة أو فئة واحدة. اليوم نجد لاعبًا يتابع أخبار PS5 وآخر متحمسًا لجهاز Switch وشخصًا آخر يفضل اللعب على الهاتف. هذا التنوع يفرض على أي مشروع تعريب أن يراعي أيضًا اختلاف طريقة تعامل الجمهور مع اللعبة، سواء عبر شاشة صغيرة أو عبر جهاز مخصص.
في ختام هذا المشهد، يمكن القول إن تعريب Guns of Fury ليس مجرد خطوة تقنية تخص ترجمة نصوص، بل جزء من حركة أوسع تعمل على تعزيز وجود المحتوى العربي داخل فضاء الألعاب. ما يقوم به فريق Gaming Republic يعكس رغبة حقيقية في إتاحة تجارب جديدة للاعبين العرب، وتجهيز منصة يمكن أن ينطلق منها جيل جديد من اللاعبين والمترجمين والمطورين. وإذا استمرت هذه المبادرات في التوسع، فمن المتوقع أن تصبح اللغة العربية جزءًا أساسيًا من الألعاب المستقلة وحتى التجارية. قد يستغرق الأمر وقتًا، وقد يتطلب تنسيقًا أكبر وجهدًا جمعيًا، لكنه بلا شك يفتح بابًا جديدًا للاعبين الذين لطالما حلموا بعيش تجربة لعب كاملة بلغتهم الأم. وبينما يواصل اللاعبون اقتراحاتهم وتمنياتهم، يبدو أن المشهد العربي يتقدم بثبات، وأن الخطوة القادمة قد تكون أكبر بكثير مما يتوقعه الكثيرون.