يبدو أن المشهد الرقمي في الجزائر يستعد لمرحلة جديدة، مرحلة ينتظرها المبدعون منذ سنوات طويلة، خصوصًا أولئك الذين يعملون في مجالات المؤثرات البصرية وصناعة الألعاب والأنيمشن وتقنيات Motion Capture. الإعلان الذي خرج به Samy Lamouti المعروف في الوسط الرقمي باسم samiis64 أحدث ضجة إيجابية واسعة، ليس فقط لأنه كشف عن تأسيس AVEE Studio في الجزائر، بل لأن المشروع نفسه يحمل روحًا مختلفة وطموحًا صريحًا لربط البلاد بخبرات عالمية تقع في كندا والولايات المتحدة. ومن النادر أن نشهد مشروعًا عربيًا يضع بصمته بهذا الوضوح، خصوصًا في مجال يحتاج دائمًا إلى رأس مال معرفي قبل رأس المال المادي. كثير من المتابعين رأوا في الخبر بداية لمسار جديد ربما كان ينتظره الشباب الجزائري منذ زمن، وربما اعتبره آخرون فرصة لم يكن أحد يعتقد أنها ستظهر بهذه السرعة، لكن الأهم أن المشروع بالفعل يتحرك بخطوات محسوبة ويبدو أنه وُلد بنية حقيقية لتغيير المشهد.
من خلال ما تم الإعلان عنه، فإن AVEE Studio ليست مجرد شركة تقليدية تقدم خدمات المؤثرات أو الإنتاج. الفكرة أوسع وأعمق. الفريق يتعامل مع الصناعة بمنظور حديث يحاول سد فجوة عمرها سنوات طويلة بين ما تملكه الجزائر من مواهب شبابية وما لم يكن متوفرًا لها من أدوات متقدمة ومساحات احترافية للعمل. من يتابع المجالات الإبداعية يعرف جيدًا أن التطور التقني صار عاملًا فاصلًا، وأن مشاريع الأفلام، الإعلانات، الأنيمشن، وحتى الألعاب، أصبحت تحتاج إلى هذا النوع من الاستوديوهات المتخصصة كي تتجاوز مرحلة الهواة وتدخل منطقة الاحتراف الفعلي. ولهذا السبب بالذات أثار الإعلان حماسًا لدى كثيرين، وكأن جزءًا من الحلم أصبح أقرب إلى اليد. ربما لا يدرك البعض حجم هذا التحول الآن، لكن مع مرور الوقت سيظهر أثره تدريجيًا، تمامًا كما حدث في دول أخرى عندما ظهرت فيها أولى شركات المؤثرات أو الألعاب.
أحد الجوانب اللافتة في المشروع هو الجمع بين عدة اختصاصات في كيان واحد. فالاستوديو يعمل في المؤثرات البصرية والإنتاج وما بعد الإنتاج، إضافة إلى تطوير الألعاب والأنيمشن والذكاء الاصطناعي وتقنيات Motion Capture، وهي عادة مجالات تعمل منفصلة في العديد من الدول العربية. جمعها في مساحة واحدة يفتح الباب أمام إنتاجات جديدة لا تعتمد على أطراف خارجية، ويمنح المواهب المحلية فرصة العمل في بيئة شبيهة بتلك الموجودة في الشركات العالمية. كثير من الفنانين والمصممين العرب يضطرون إلى السفر إلى الخارج كي يجدوا بيئة تساعدهم على تطوير مهاراتهم، لكن AVEE Studio يسعى إلى كسر هذا النمط، وإلى تقديم مساحة يستطيع فيها المبدع الجزائري أن يختبر نفسه دون أن يغادر بلده. وبالنسبة لأي صانع محتوى أو مطور ألعاب يعرف مدى تعقيد هذه المجالات، فإن وجود مثل هذه البيئة يشبه نقطة انطلاق كانت غائبة عن المنطقة فترة طويلة.
الربط بين الجزائر وكندا والولايات المتحدة جزء مهم من رؤية المشروع. ففي السنوات الأخيرة صارت كندا أحد أهم المراكز العالمية لصناعة الألعاب والمؤثرات، خاصة في مدن مثل مونتريال وفانكوفر. كثير من شركات AAA تستقر هناك وتستقطب المواهب من مختلف أنحاء العالم. أما الولايات المتحدة فهي موطن أكبر شركات الأنيمشن وصناعة الأفلام، من Pixar إلى Industrial Light and Magic وغيرها. الفكرة التي طرحها Samy Lamouti لا تعتمد على مجرد تعاون إداري، بل على فتح الجسر بين هذه الخبرات وبين الشباب الجزائري، بحيث يمكن نقل المعرفة العملية وليس فقط النصائح العامة. من السهل القول بأننا نريد الارتقاء بالمواهب، لكن من الصعب تنفيذ ذلك عندما لا تكون هناك صلة مباشرة مع بيئات إنتاج حقيقية. لهذا السبب تحديدًا بدا المشروع مختلفًا، لأنه يقدم وعدًا واقعيًا لا مجرد شعارات، إذ يقوم على بناء شبكة علاقات مباشرة تسهل التدريب والتعاون والمشاركة في مشاريع ذات طابع عالمي.
ومع ذلك، النجاح لن يكون فوريًا، وهذا أمر طبيعي في المشاريع الإبداعية. أي استوديو في العالم، حتى الأشهر بينها، احتاج سنوات كي يجد صوته الخاص وموقعه الفعلي. لكن وجود مشروع مثل AVEE Studio يعطي إشارة بأن المنطقة العربية تدخل مرحلة جديدة من التطور في الصناعات الرقمية، مرحلة يكون فيها الشباب جزءًا من الإنتاج بدل الاكتفاء بالاستهلاك. ما يميز الإعلان هو أنه لم يكن مجرد خبر عابر، بل كان بداية حديث واسع على المنصات الاجتماعية، حيث عبّر كثير من المستخدمين عن فرحتهم وفخرهم بالخطوة، واعتبروها دليلًا على أن الجزائر تمتلك طاقات ضخمة فقط تحتاج إلى مكان يجمعها. وربما أجمل ما قيل في سياق الإعلان هو الجملة التي وردت في منشور الفريق، والتي جاءت كما يلي: “نريد أن نربط الجزائر بالعالم عبر عمل احترافي يليق بمواهبها الشابة”. هذا الاقتباس وحده كاف ليبين حجم الطموح وراء المشروع، وحجم المسؤولية كذلك.
وتبقى الإشارة مهمة إلى أن صناعة الألعاب في المنطقة تمر بتحولات لافتة. قبل أعوام قليلة كانت هذه الصناعة شبه غائبة عربيًا، باستثناء محاولات فردية هنا وهناك. لكن اليوم نرى مشاريع ناشئة في المغرب والسعودية والإمارات، ونرى فرقًا عربية تدخل مسابقات عالمية، ونرى شركات تقدم خدمات متقدمة في المؤثرات. دخول الجزائر إلى الساحة عبر مشروع بهذا الحجم يفتح الباب لتسارع أكبر، لأن وجود شركات متعددة في العالم العربي يخلق بيئة منافسة تشجع المبدعين على تقديم الأفضل. كما أن وجود استوديو في الجزائر قد يشجع شبابًا من المغرب وتونس وليبيا على التعاون أو حتى المشاركة في مشاريع مشتركة، بما أن المسافة الثقافية والجغرافية قريبة بينهم جميعًا.
من جهة أخرى، يوفر المشروع فرصة لتطوير محتوى محلي بلمسة عالمية. كثير من الدول التي دخلت هذا المجال قبل عقود لم تبدأ بصنع أفلام ضخمة أو ألعاب عملاقة، بل بدأت تدريجيًا مع مشاريع مستقلة صغيرة، بعضها مستلهم من ثقافتها، ثم توسعت بعد اكتساب الخبرة. ربما يحدث الأمر نفسه هنا، فقد نرى خلال الأعوام القادمة لعبة جزائرية تحمل طابعًا محليًا وتنافس في معارض عالمية، أو فيلم أنيمشن يصنعه فريق عربي بالكامل ويصل إلى منصات دولية. وكل هذا ليس حلمًا بعيدًا، بل واقع يمكن أن يتحقق إذا حصلت المواهب على الأدوات الصحيحة، وهذا ما يحاول AVEE Studio توفيره منذ اللحظة الأولى. ولا شك أن الدعم الجماهيري الذي لقيه الإعلان يعطي الفريق دافعًا أكبر لمواصلة العمل وتحقيق نتائج ملموسة.