لم يكن أحد يتوقع أن زيارة عابرة إلى متجر Goodwill المستعمل خلال سنة ألفين وستة عشر ستتحول إلى واحدة من أكثر القصص غرابة وإثارة في عالم جمع التحف المرتبطة بتاريخ ألعاب الفيديو. فمثل هذه المتاجر تضم عادة أشياء بسيطة أو مقتنيات اعتاد الناس التخلص منها بعد مرور سنوات طويلة عليها، لكن ما عثر عليه أحد المتسوقين العاديين هناك لم يكن شيئاً يمكن تجاهله بسهولة. فقد كانت الدمية القماشية التي شاهدها ملقاة على الأرض تبدو كما لو أنها خرجت مباشرة من أرشيف Nintendo في نهاية السبعينات، قبل أن يصبح اسم Mario نفسه أيقونة عالمية يعرفها الجميع. وما أعطى القصة بعداً أكثر إثارة أن هذه الدمية تعود إلى سنة ألف وتسعمئة وثمانية وسبعين، أي قبل ظهور Mario بشكل رسمي في لعبة Donkey Kong بثلاث سنوات كاملة، وهو ما فتح باباً واسعاً أمام سيل من التساؤلات بين الباحثين والمهتمين بتاريخ الصناعة. وفي الحقيقة، مجرد وجود دمية بهذه المواصفات وفي هذا الزمن المبكر أمر يطرح مسألة التراث البصري للشخصيات التي سبقت إطلاقها رسمياً، خاصة أن العديد من الشركات كانت تختبر تصاميم مختلفة قبل اعتماد الشكل النهائي في ألعابها. ولهذا ظهرت النظريات التي تقول إن هذه القطعة قد تكون من بدايات مرحلة بناء الهوية الأولى للشخصية التي ستصبح لاحقاً أهم رمز في تاريخ Nintendo.
ومع انتشار الخبر داخل مجتمع الجامعين على منصة Reddit بعد ساعات قليلة من اكتشاف الدمية، بدأ الهواة في تقليب الصور الأولى التي شاركها صاحب الاكتشاف ومقارنتها بكل النماذج القديمة التي نعرفها للشخصيات ذات الصلة بفترة ما قبل إطلاق لعبة Donkey Kong. وقد لاحظ الكثيرون التشابه اللافت بين الدمية وشخصية عامل النجارة التي ظهرت مبكراً قبل أن تتحول إلى الشخصية المعروفة اليوم باسم Mario. ومع أن الأدلة المادية لا تزال محدودة، إلا أن النقاش الذي أحاط بالقطعة أعاد فتح ملف منتجات شركات يابانية أقل شهرة مثل Etone، التي كانت تصنع ألعاباً بسيطة ودُمى مرتبطة ببعض الشخصيات العامة في تلك الحقبة. ومن هنا ظهرت الفرضية التي تقول إن الشركة قد تكون أنتجت مجموعة محدودة جداً من دمى أولية اعتماداً على نموذج تصميم تم تداوله في مرحلة مبكرة بين مطوري Nintendo، وهو احتمال يعززه تشابه معالم الوجه وأسلوب الخياطة والألوان المستخدمة في الحقبة نفسها. وقد عبّر أحد الباحثين في تاريخ الألعاب عن رأيه قائلاً: “ربما لا نملك الوثائق التي تؤكد أن هذه الدمية جزء رسمي من تاريخ Mario، لكن غياب الدليل لا يلغي أن مثل هذه القطع تظهر أحياناً عندما يخرج شيء من خطوط الإنتاج قبل أن يصبح مشروعاً مكتمل الهوية”.
ومع مرور الأشهر وازدياد اهتمام مجتمع الجامعين بالقصة، ظهرت تفاصيل إضافية عززت قيمة الدمية بشكل غير متوقع، إذ تبين أن المواد المستخدمة في صناعتها تتوافق مع مواد كانت شركات آسيوية تعتمد عليها في نهاية السبعينات، سواء تعلق الأمر بنوعية الخيوط أو كذلك الرغوة الداخلية وطريقة تثبيت العينين. ورغم أن أصل القطعة لم يُحسم نهائياً، إلا أن هذه التفاصيل الصغيرة لعبت دوراً كبيراً في تغيير نظرة الشك الأولى إلى نظرة أقرب إلى التصديق الحذر. في الوقت نفسه، ظهرت تحاليل أخرى تشير إلى أن وضع الدمية على الأرض بالطريقة التي وُجدت بها يوحي بأنها قد تكون نُقلت في صناديق قديمة خلال عملية تبرع عادية، وهو ما يحدث غالباً عندما يتم إفراغ بيوت قديمة أو مخازن لم يفتحها أحد منذ عقود. وقد كان هذا السيناريو مقنعاً للعديد من المتابعين لأن مثل هذه الاكتشافات النادرة تظهر عادة من أماكن تبدو غير متوقعة، بينما تختفي القطع الأصلية داخل مستودعات أو مجموعات شخصية لعقود قبل أن تصل بالصدفة إلى السوق.
وبعد فترة قصيرة من بدء الجدل، وصلت الدمية إلى منصة eBay حيث طُرحت بسعر البداية الذي أثار بدوره ضجة مشابهة. فقد بلغ السعر خمسة وعشرين ألف دولار، وهو مبلغ قد يبدو مبالغاً فيه بالنسبة لشخص يرى الدمية لأول مرة ولا يعرف سياقها التاريخي المحتمل، لكنه ليس غريباً على مجتمع الهواة الذي يبحث دائماً عن القطع النادرة المرتبطة ببدايات الشخصيات الأكثر شهرة في عالم الألعاب. وفي الحقيقة، السوق العالمية لهذه المقتنيات شهدت خلال السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في قيمة الأشياء ذات الصلة بتاريخ Nintendo، خصوصاً تلك التي تدخل ضمن ما يسمى النماذج الأولية المبكرة أو القطع التي لا يوجد منها سجلات إنتاج رسمية. وتعتبر هذه الدمية مثالاً مناسباً على ذلك، إذ تجمع بين الغموض التاريخي والظهور المفاجئ في مكان متواضع لا يتوقع المرء أن يجد فيه شيئاً يعادل قيمة متحف متخصص. وهذا التناقض بين بساطة مكان الاكتشاف والوزن التاريخي المحتمل للقطعة هو ما جعل القصة تنتشر بهذه السرعة الواسعة، حتى أن بعض المتابعين شبهوها بقصص العثور على لوحات فنية أصلية في أسواق الخردة الأوروبية.
ومع زيادة النقاش حولها، تحولت الدمية إلى ما يشبه رمزاً جديداً لمفهوم الاكتشافات العشوائية التي تعيد رسم أجزاء من تاريخ الألعاب الذي لا تزال بعض ملامحه غير مكتملة. فحتى اللحظة، لا أحد يمتلك الرواية الكاملة. هل هي نموذج أولي مبكر لشخصية Mario؟ هل كانت ضمن خط إنتاج محدود توقف قبل أن يرى النور؟ أم أنها مجرد لعبة صنعتها شركة صغيرة دون أي صلة مباشرة بالمشاريع الأولى لدى Nintendo؟ هذه الأسئلة لا تزال معلقة، لكن وجود قطعة واحدة بهذه المواصفات وبهذا التأريخ كاف لفتح نقاشات جديدة حول مرحلة لم تكن موثقة بشكل جيد من بدايات صناعة ألعاب الفيديو. ومهما اختلفت التفسيرات، فإن الدمية تبقى قطعة فريدة في عالم التحف، ليس فقط بسبب قيمتها المادية أو سعرها المرتفع، بل لأنها تقدم نافذة فريدة على لحظة قد تكون شكلت ملامح شخصية ستصبح لاحقاً رمزاً عالمياً. والأمر الأهم أن القصة نفسها أصبحت مثالاً يوضح كيف أن التاريخ لا يزال يحتفظ بمفاجآت تظهر فجأة في أماكن غير متوقعة، تماماً كما حدث مع هذه الدمية التي تحولت من قطعة منسية في متجر بسيط إلى لغز يشغل مجتمع الألعاب حول العالم.