لم يعد الحديث عن جهاز Super Nintendo مجرد استرجاع لذكريات حقبة قديمة، بل أشبه بفتح صفحة من تاريخ ألعاب الفيديو التي أعادت صياغة مفهوم الترفيه المنزلي في بداية التسعينيات. فمنذ إطلاقه في واحد وعشرين نونبر من سنة ألف وتسعمائة وتسعين، خط الجهاز لنفسه مكانة لا تزال قوية في الذاكرة الجماعية للاعبين حول العالم. وفي كل مرة تحل فيها ذكرى هذا الجهاز تعود الحكايات القديمة المرتبطة به، من سباقات F-ZERO إلى المغامرات التي لا تنسى في Super Mario World، وحتى الأثر الذي تركه ظهور أزرار L وR التي فتحت بابا جديدا بالكامل في تصميم الألعاب وأساليب التحكم. وربما الجملة التي تلخص إحساس تلك الحقبة هي العبارة التي كان يرددها اللاعبون آنذاك والتي وصفوا بها قدرتهم على رؤية ألعاب تتحرك وتتوسع وتدور بصورة لم يعتادوا عليها من قبل حيث قال أحدهم ذات مرة: “ظهرت ألعاب جعلتنا نشعر أننا دخلنا عصرا جديدا بلا رجعة”. هذه الفكرة كانت محور الحديث كلما ذكر اسم Super Famicom، كأن الجهاز لم يكن مجرد جهاز بل بداية حقيقية لعهد مختلف.
عندما انتقلت Nintendo من معمارية ثمانية بت التي اعتمد عليها جهاز Famicom إلى معمارية ستة عشر بت في Super Famicom كان المشهد أشبه بخطوة جريئة نحو مستوى جديد لم تتضح ملامحه بالكامل آنذاك. اللاعبون الذين عاشوا تلك الحقبة كانوا ينتظرون إطلاق الجهاز بفارغ الصبر خاصة أن السوق خلال سنة ألف وتسعمائة وتسعة وثمانين كان يعيش حالة غليان واضحة مع ظهور أجهزة منافسة مثل Mega Drive وتوسع قاعدة مستخدمي PC Engine CD-ROM. وفي تلك الفترة بدأت صناعة الألعاب تتجاوز فكرة الترفيه البسيط نحو تجارب أعمق بصريا وصوتيا مما جعل المفهوم التقليدي للألعاب يتغير تدريجيا. ومع أن Super Famicom لم يصدر في موعده الأول بسبب مشاكل مرتبطة بالتصنيع ونقص في أشباه الموصلات إلا أن الانتظار الطويل لم يزد اللاعبين إلا شغفا وترقبا. والغريب أن الجهاز عند صدوره لم يكن مشحونا بكل الملحقات المعتادة في تلك الحقبة إذ لم يتضمن علبة الجهاز سوى الهيكل الأساسي ووحدتي التحكم بينما احتاج اللاعبون إلى استخدام محول الطاقة القديم الخاص بجهاز Famicom إضافة إلى RF Switch القديم أيضا الأمر الذي جعله إطلاقا غريب الطابع مقارنة بعادات السوق في ذلك الوقت لكنه في النهاية لم يؤثر على الإقبال الكبير الذي حصل عليه الجهاز منذ يومه الأول. بل بالعكس جعل عددا كبيرا من المستخدمين يشعرون أنه امتداد طبيعي لجهازهم القديم لكن بشكل أكثر قوة ووضوحا وجودة.
[/embedpress]
وأبرز ما ميز Super Famicom دون أي مبالغة هو قدراته الرسومية غير المسبوقة. تقنيات التوسع والانكماش والدوران كانت بمثابة المعجزة في ذلك العصر إذ لم يكن أي لاعب يتوقع أن يرى شاشة لعبة تتحرك بهذه السلاسة بينما تدور الطبقات الخلفية وتتبدل زوايا الكاميرا بصورة ديناميكية. الألعاب الأولى التي استعرضت هذه الإمكانيات مثل F-ZERO وPilotwings تركت انطباعا لا ينسى لدى الجيل الذي عاش تلك المرحلة. كان اللاعب يشاهد الطائرة تحلق فوق مناظر تتغير بسرعة بينما الخلفيات تدور في مشهد جعل الكثيرين يتساءلون كيف أمكن لجهاز منزلي أن يعرض هذه التقنية التي كانت حكرا على أجهزة Arcade المتطورة آنذاك. وحتى على صعيد الصوت كان Super Famicom متفوقا بوضوح حيث أصبح بإمكانه تشغيل ثمانية مسارات صوتية في اللحظة نفسها الأمر الذي أتاح للموسيقيين حرية أكبر في تأليف مقطوعات موسيقية أصبحت لاحقا رموزا خالدة في ذاكرة الألعاب. موسيقى ActRaiser على سبيل المثال كانت من أكثر الأعمال التي تركت أثرا عند اللاعبين بسبب طابعها الملحمي غير المعتاد. أما موسيقى Final Fantasy IV وFinal Fantasy V فقد أصبحت لاحقا جزءا من أرشيف أهم الأعمال الموسيقية في تاريخ Square حيث كانت العديد من اللحظات داخل اللعبة ترتبط موسيقيا بالأجواء التي يعيشها اللاعب ما جعل التجربة أكثر عمقا.
[/embedpress]
ومع كل هذا الزخم لا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي لعبه تصميم وحدة التحكم الخاصة بالجهاز. ظهور الأزرار X وY وL وR لم يكن مجرد إضافة بسيطة بل كان تطورا حقيقيا في طريقة تصميم الألعاب والتحكم فيها. فما قبل Super Famicom كانت معظم الألعاب تعتمد على أزرار محدودة مما جعل الابتكار في أساليب اللعب مقيدا نسبيا لكن مع ظهور هذه المجموعة الجديدة من الأزرار أصبح بالإمكان تنفيذ حركات إضافية وإضافة أوامر أكثر تعقيدا دون التضحية بسهولة التحكم. هذا التصميم أصبح لاحقا الأساس الذي بنيت عليه معظم وحدات التحكم الحديثة مثل يد PlayStation الأصلية أو يد Xbox الأول قبل تطورها في الأجيال اللاحقة. البعض حتى يعتبر أن يد Super Famicom ليست مجرد وحدة تحكم بل حجر الزاوية الذي قامت عليه فلسفة التحكم في الألعاب الحديثة كلها. ومع أن شركات مثل Sega وSony أضافت تغييرات وتطويرات لاحقا إلا أن جوهر الفكرة ظل نفسه تقريبا خاصة من حيث تموضع الأزرار وطبيعة الإمساك باليد.
ومن الطريف أن الجهاز رغم قوته الهائلة صدر بعدد محدود من العناوين عند الإطلاق مثل Super Mario World وF-ZERO لكن هذا العدد الضئيل لم يمنع الجهاز من أن يصبح منصة تحتضن لاحقا عشرات السلاسل التي أصبحت أسطورية بمرور الزمن. ويمكن لأي لاعب عاش تلك الفترة أن يسرد قائمة طويلة من الألعاب التي شكلت ذاكرة جيل كامل مثل Street Fighter II أو Chrono Trigger أو Dragon Quest V أو Kamaitachi no Yoru أو حتى Shiren the Wanderer. كل لعبة من هذه كانت تمتلك هويتها الخاصة وطريقتها في تقديم ميكانيكيات لعب جديدة في ذلك الوقت مما جعل Super Famicom منصة ذهبية للمطورين الذين كانوا يتنافسون على تقديم أفكار مبتكرة. وفي أواخر التسعينيات أصدرت Nintendo نسخة مصغرة من الجهاز تحت اسم Super Famicom Jr كما أطلقت نسخة Nintendo Classic Mini Super Famicom في أكتوبر من سنة ألفين وسبعة عشر مما خلق موجة اهتمام جديدة لدى الجيل الجديد من اللاعبين الذين لم يعيشوا الحقبة الأصلية لكنهم سمعوا الكثير عن قوة هذا الجهاز وما قدمه من ألعاب. ويمكن القول إن Super Famicom لم يكن مجرد جهاز مر على سوق الألعاب بل جهازا ساهم في تشكيل مستقبل الصناعة ومنحها مسارا جديدا ما زالت آثاره ظاهرة حتى اليوم.