شهدت ساحة ألعاب الفيديو خلال الأيام الأخيرة نقاشا متزايدا حول الخطوة المقبلة لفريق التطوير Neon Giant الذي عرفه الجمهور جيدا بعد نجاح لعبة The Ascent. هذا الفريق السويدي الصغير نسبيا لفت الأنظار بطريقة لم يتوقعها الكثيرون عندما قدم لعبة مستقلة تميّزت ببيئتها السيبرانية وأسلوبها القتالي السلس الذي جمع بين اللعب التعاوني والأجواء المستقبلية الثقيلة. ومع مرور الوقت أصبح الجمهور يتساءل عن المشروع التالي الذي يمكن أن يقدمه فريق يمتلك هذا القدر من الطموح الفني رغم محدودية موارده. وفي بداية شهر دجنبر جاءت الإجابة الأولى عندما أعلن Neon Giant أنه سيكشف رسميا عن مشروعه الجديد يوم الحادي عشر من نفس الشهر. الإعلان لم يأت بصيغة مباشرة فقط، بل صاحبه نشر صورة تشويقية تحمل بعض التفاصيل الخفية التي أثارت فضول المتابعين حول طبيعة اللعبة المقبلة.
الصورة التي نشرها الفريق كانت بسيطة من حيث عناصرها لكنها كانت كافية لإطلاق موجة من التكهنات. البعض رأى فيها ملامح عالم مفتوح يتنفس الحرية والحركة السريعة، بينما اعتبر آخرون أن الإضاءة وطريقة توزيع الظلال فيها توحي بلعبة تصويب من منظور الشخص الأول تحمل طابع المستقبل القريب. هذا النوع من الصور التشويقية يهدف عادة إلى خلق حالة من الشحن العاطفي قبل الكشف الرسمي، وهو أسلوب يعتمد عليه مطورو الألعاب لبناء حالة من الانتظار دون الإفراط في الوعود. ومن يعرف فريق Neon Giant يدرك جيدا أن المطورين هناك يحبون اللعب على هذا النوع من الإشارات البصرية لأنهم يفضلون أن يتحدث أسلوب الفن لديهم قبل أي تصريح مباشر. وفي الواقع فإن هذه الطريقة تتقاطع تماما مع الطريقة التي رُوّج بها إلى The Ascent، حين كانت الصورة الأولى التي ظهرت وقتها تحمل نفس الطابع الغامض الذي يجمع بين الألوان النيون والجو الصناعي المكتظ بالآلات.
ما يجعل هذا الكشف الجديد مهما، ليس فقط الفضول المرتبط بالمشروع نفسه، بل لأن Neon Giant يعيش اليوم مرحلة مختلفة تماما عن تلك التي كان عليها وقت تطوير The Ascent. فمنذ العام الماضي أصبح الفريق تحت مظلة Krafton التي استحوذت عليه بهدف توسيع حضورها في سوق الألعاب الغربية ومنح الفريق ميزانية أكبر للتطوير. Krafton المعروفة بلعبة PUBG ليست شركة صغيرة، وهي بالتأكيد تملك خبرة واسعة في المشاريع الضخمة وإدارة الموارد. ومن الطبيعي أن يشعر المتابعون بأن الدعم الذي سيتلقاه Neon Giant اليوم قد يغير شكل مشروعه المقبل جذريا مقارنة بما قدّمه في السابق. هذا الواقع جعل البعض يعتقد بأن المشروع الجديد سيكون أضخم من The Ascent سواء من حيث حجم العالم أو أنظمة اللعب أو حتى طريقة تقديم القصة. وحتى أولئك الذين ينتظرون لعبة أصغر حجما يتفقون على أن المستوى الفني قد يشهد قفزة ملحوظة بفضل هذا الدعم.
[/embedpress]
ومن بين المعلومات التي يعرفها الجمهور منذ مدة أن الفريق بدأ فعلا العمل على لعبة تصويب من منظور الشخص الأول داخل عالم مفتوح. هذا المشروع طُرح للنقاش عندما أعلنت Krafton عن خططها بعد الاستحواذ، لكن رغم ذلك لم يكن مؤكدا إن كان هذا هو المشروع الذي سيتم الكشف عنه في دجنبر أم أن Neon Giant ربما يعمل على لعبة أخرى مختلفة يجري تطويرها بالتوازي. فمن الشائع داخل فرق التطوير أن تتغير الخطط أو تُرجأ مشاريع معينة حسب الحاجة. ومع ذلك، تظل المؤشرات الأقوى تميل إلى أن الإعلان المقبل سيرتبط بذلك المشروع الذي تحدثت عنه Krafton سابقا. ويستند هذا التوقع إلى عدة عناصر، أبرزها أن الصورة التشويقية المنشورة تحمل أسلوبا بصريا قريبا من ألعاب التصويب الحديثة التي تعتمد على مساحات واسعة للتجول واستكشاف البيئات. ومع أن الصورة لا تكشف أي تفاصيل مباشرة، إلا أن طريقة توزيع الخطوط فيها توحي بوجود عالم مفتوح متعدد الطبقات وهو أمر لم يكن جزءا أساسيا من The Ascent التي اعتمدت على مسارات محددة نسبيا.
تزامن موعد الكشف عن اللعبة الجديد مع حدث The Game Awards ليس مجرد صدفة عابرة. هذا الحدث الذي ينظم عادة في دجنبر أصبح واحدا من أهم المنصات العالمية للإعلان عن الألعاب الجديدة، سواء كانت من شركات ضخمة أو من فرق مستقلة تبحث عن تسليط الضوء على مشاريعها. وجود Neon Giant في هذا الموعد يعني أن الفريق يطمح إلى أن يضع مشروعه في مقدمة النقاشات بين مجتمع اللاعبين خلال موسم نهاية السنة. واللافت أن The Game Awards دائما ما يكشف عن مشاريع تظهر لأول مرة أمام الملايين من المشاهدين حول العالم، وهو ما قد يمنح اللعبة الجديدة دفعة تسويقية قوية حتى قبل الإعلان الرسمي الكامل عنها. ولعل هذا هو السبب الذي دفع المتابعين إلى الاعتقاد بأن الكشف لن يكون مجرد عرض تشويقي صغير، بل ربما نشاهد لقطات من أسلوب اللعب أو عناصر أساسية من عالم اللعبة. وهذا ما يجعل الحادي عشر من دجنبر يوما مهما لمحبي ألعاب التصويب وألعاب العالم المفتوح على حد سواء.
قد تبدو تفاصيل المشروع شحيحة في الوقت الحالي، لكن الأسئلة المطروحة حوله كثيرة ومتنوعة. كثيرون يتساءلون عن مدى التغييرات التي قد يقدمها Neon Giant في أسلوب لعبه بعد انتقاله إلى منظور الشخص الأول، خصوصا أن The Ascent كانت تعتمد منظور الكاميرا العلوية الذي يمنح اللاعبين رؤية واسعة لمناطق القتال. الانتقال إلى منظور مختلف تماما يعني تغييرا في طبيعة السرعة والانغماس ومستوى التفاعل مع البيئة. أحد الأمثلة التي يطرحها اللاعبون هو أن اللعب من منظور الشخص الأول يفرض على الفريق بناء عالم تفاعلي بدرجة أكبر يتيح حرية الاستكشاف والتفاعل مع تفاصيل البيئة، بدل التعامل مع المسارات الثابتة. وهذا يعني أيضا الحاجة إلى تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تقدما للتعامل مع حركة اللاعب من مسافة قريبة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الميزانية التي يمكن أن توفرها Krafton، فمن المتوقع أن يكون الفريق قادرا على تنفيذ هذه الأفكار بطرق مبتكرة.
على الجانب الآخر هناك من يعتقد أن Neon Giant قد يفاجئ الجمهور بلعبة لا علاقة لها بالمشروع الذي سمعنا عنه سابقا. هذا الاحتمال يظل قائما لأن بعض المطورين يفضلون تجريب أكثر من فكرة في وقت واحد قبل الاستقرار على المشروع النهائي الذي سيصدر أولا. ومن يعرف تاريخ الفريق يدرك أن أفراده يملكون خلفيات متنوعة للغاية حيث جاء بعضهم من شركات تطوير ضخمة عملوا فيها على ألعاب مثل DOOM و Wolfenstein، وهذا يجعل توقعات اللاعبين تميل إلى لعبة تحمل طابعا قتاليّا قويا. ومع ذلك هناك فئة أخرى من الجمهور تأمل أن يقدم الفريق لعبة تجمع بين عناصر لعب تعتمد على القصة والعالم التفاعلي الذي يترك مساحة للخيارات الشخصية. ففي The Ascent كان هناك توازن لطيف بين المهمات الخطية والجوانب التكميلية التي تمنح اللاعب حرية استكشاف جانبية دون أن يضطر للانغماس في عالم مفتوح بالكامل، وربما يكون هذا التوازن هو ما يسعى الفريق لتعزيزه في مشروعه الجديد.
إذا عدنا إلى الصورة التشويقية، فإن العديد من المحللين لاحظوا وجود إشارات صغيرة في زواياها قد توحي بمعالم اللعبة. إحدى الزوايا بدت وكأنها جزء من منشأة صناعية متداعية، بينما ظهر جزء آخر وكأنه جزء من مدينة حديثة ذات طابع شبه واقعي. هذا الخليط جعل التوقعات تتفاوت بين لعبة ذات بيئة حضرية مستقبلية تقليدية، ولعبة أخرى ربما تمزج بين الواقعية والتصميم الصناعي القاسي بطريقة مشابهة لأجواء The Ascent لكن بمنظور جديد. من الصعب الجزم بأي شيء، لكن الشائع أن مثل هذه الإشارات تكون جزءا من حملة تسويق مدروسة تسعى إلى دفع اللاعبين لتكوين توقعاتهم الخاصة والاستمرار في الحديث عن اللعبة قبل الكشف الكامل. أحد اللاعبين كتب تعليقا يقول فيه إن الصورة تبدو مثل نافذة صغيرة تطل على عالم أكبر ينتظر من يكتشفه، بينما كتب آخر ساخرا أنه مستعد للرهان بأن اللعبة ستكون ذات طابع مستقبلي داكن لأن هذا الأسلوب أصبح جزءا لا يتجزأ من هوية Neon Giant.
التوقعات بأن يكون المشروع الجديد لعبة عالم مفتوح تعتمد على إطلاق النار قد تفتح الباب أمام أسئلة إضافية حول طريقة تنفيذ هذه الفكرة. فالعديد من الألعاب الحديثة تعاني من تكرار المهمات أو تقديم محتوى واسع لكنه بلا عمق. ولذلك هناك من يأمل أن يقدم Neon Giant تجربة أكثر تركيزا رغم العالم المفتوح، بحيث تمنح اللاعب حرية التنقل دون الوقوع في فخ التكرار. مثال بسيط على ذلك أن بعض اللاعبين يتمنون أن تكون المهمات مبنية بطريقة تتيح حلول متعددة، سواء عبر المواجهة المباشرة أو التسلل أو استخدام عناصر البيئة لصالح اللاعب. هذا النوع من الحرية الإبداعية قد يكون هو ما يميز المشروع الجديد عن غيره خصوصا أن الفريق يملك خبرة سابقة في بناء بيئات متداخلة غنية بالتفاصيل رغم محدودية المساحة مقارنة بعوالم الألعاب الضخمة.
ومهما كان نوع اللعبة المقبلة، فإن توقيت الإعلان يظل نقطة محورية. فشهر دجنبر عادة ما يكون فترة تنتعش فيها الأخبار بفضل الفعاليات الكبرى مثل The Game Awards، ما يمنح المشاريع الجديدة فرصة الظهور أمام جمهور ضخم يبحث عن كل شيء جديد ومثير. وإذا اختار Neon Giant عرض لعبته في هذا الحدث، فهذا يعني أن الفريق يريد التنافس مع الإعلانات الضخمة التي تكشف عنها الشركات الكبرى. وهذا قد يبدو مخاطرة، لكنه في الوقت ذاته يمنح المشروع فرصة للتألق إذا كان العرض الأول جذابا ومصمما بطريقة تركز على القوة الفنية للعبة.
كما أن اعتماد الفريق على أسلوب التشويق عبر صورة واحدة يشير إلى أن العرض القادم قد يكون مكتملا نسبيا بحيث يقدم تفاصيل أكبر مباشرة. هذا الأسلوب عادة ما تستخدمه الفرق عندما تكون واثقة من أن مستوى الجودة المقترح سيجذب الجمهور دون الحاجة إلى الوعود الطويلة. ومن يدري، ربما نشاهد أيضا بعض الحوارات أو ملامح الشخصيات إذا كانت اللعبة تعتمد على قصة مفصلة. أحد التعليقات المنتشرة بين المتابعين يشير إلى أن فريق Neon Giant قد يكون بصدد تقديم مشروع يعكس تطورا كبيرا مقارنة بأعماله السابقة، وهو ما يتوافق مع التوجه العام لشركة Krafton التي تبحث دائما عن مشاريع قادرة على ترك أثر واضح في السوق.
في النهاية يظل انتظار يوم الحادي عشر من دجنبر هو ما يشغل مجتمع اللاعبين حاليا. فبين المتحمس والمتوقع والمتردد تختلط الآراء، لكن الجميع يتفق على أن Neon Giant أصبح اسما يُتابع باهتمام رغم أنه ليس من الفرق العملاقة. والسبب بسيط هو أن الفريق أثبت بعمله الأول أنه قادر على بناء عوالم جذابة بميزانية محدودة، فكيف سيكون الحال عندما تتاح له موارد أكبر وخطط أكثر جرأة. قد تكون هذه اللحظة بداية فصل جديد في مسيرة الفريق وربما خطوة أولى نحو سلسلة ألعاب كبيرة تبنى على المشروع المقبل.
![]()