في مشهد لم يكن أحد يتوقعه قبل بضع سنوات، يواصل جهاز Nintendo Switch مسيرته الأسطورية نحو تحقيق إنجاز جديد في تاريخ صناعة الألعاب. فبحسب التقرير المالي الأخير الذي نشرته شركة Nintendo للربع الثاني من السنة المالية الجارية، وصلت مبيعات الجهاز إلى 154.01 مليون وحدة مباعة عالميًا، بعد أن باع أكثر من 980 ألف وحدة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. هذا الرقم الهائل يجعل الجهاز على بُعد خطوة صغيرة جدًا من تجاوز المبيعات الإجمالية لجهاز Nintendo DS، الذي يُعتبر حتى الآن أكثر أجهزة ننتندو مبيعًا في تاريخها مع 154.02 مليون وحدة، أي بفارق لا يتعدى عشرة آلاف وحدة فقط، وهو رقم يُتوقع أن يُكسر رسميًا في التقرير المالي القادم بلا شك.
عندما أطلقت ننتندو جهاز Switch في مارس 2017، لم يكن كثيرون يتخيلون أن هذا الجهاز الهجين — الذي يجمع بين قابلية الحمل وتجربة اللعب المنزلية — سيتحول إلى ظاهرة ترفيهية عالمية بهذا الحجم. فبعد سنوات من التراجع الذي عانت منه الشركة في حقبة Wii U، أعاد Switch تعريف العلاقة بين المستخدم والجهاز، مقدمًا تجربة تجمع بين المرونة والإبداع وسهولة الوصول. ما جعل الجهاز يحقق مبيعات قياسية بوتيرة مستمرة منذ عامه الأول وحتى اليوم، ليصبح فعليًا أحد أعظم قصص النجاح في تاريخ ألعاب الفيديو. وبنظرة سريعة إلى مسيرة Switch، نكتشف أن السر في نجاحه لم يكن في العتاد فحسب، بل في المنظومة الكاملة التي بنتها ننتندو حوله من محتوى وتجارب وأفكار متجددة.
واحدة من أبرز نقاط القوة التي ساهمت في صعود Switch إلى هذه المرتبة المذهلة هي مكتبته المتنوعة من الألعاب الحصرية، والتي استطاعت أن تجمع بين اللاعبين من مختلف الأعمار. فمن The Legend of Zelda: Breath of the Wild إلى Super Mario Odyssey وAnimal Crossing: New Horizons، قدمت ننتندو مجموعة من التجارب التي لامست مشاعر اللاعبين وأعادت إليهم إحساس المغامرة والدهشة الذي طالما ميّز ألعابها. ومع استمرار إطلاق عناوين قوية مثل Pokémon Legends: Arceus وSuper Smash Bros. Ultimate وSplatoon 3، بقي الجهاز محافظًا على جاذبيته لثماني سنوات متواصلة تقريبًا، وهو أمر نادر في صناعة تتبدل فيها الأجهزة بسرعة مذهلة.
من الناحية التجارية، يمكن القول إن ننتندو استخدمت واحدة من أكثر الاستراتيجيات ذكاءً في تاريخها مع Switch. فبدلًا من التسرع في إصدار جهاز جديد كل بضع سنوات كما تفعل الشركات المنافسة، اختارت الشركة أن تُطيل عمر جهازها من خلال تحديثات مدروسة مثل إصدار Nintendo Switch OLED، الذي قدّم تحسينات على الشاشة والتصميم دون كسر دورة حياة الجهاز الأصلية. هذا القرار ساعد في الحفاظ على استمرارية المبيعات، وخلق ولاء طويل الأمد لدى المستخدمين. إضافة إلى ذلك، اعتمدت الشركة على سياسة تسعير ثابتة نسبيًا، وهو أمر نادر في سوق الألعاب، ما عزز من قيمة المنتج في نظر المستهلكين. كما أن دمج الألعاب الشهيرة في حزم تسويقية ذكية، مثل نسخة Switch الخاصة بلعبة Mario Kart 8 Deluxe، ساهم في جذب الملايين من المشترين الجدد سنويًا.
الاقتراب من تحطيم رقم مبيعات Nintendo DS ليس مجرد إنجاز رقمي، بل هو حدث رمزي يعكس قدرة الشركة على التطور المستمر رغم المنافسة الشرسة. فـDS كان بدوره ثورة في عالم الأجهزة المحمولة حين صدر عام 2004، بفضل شاشته المزدوجة وتقنية اللمس التي كانت مبتكرة في ذلك الوقت. واليوم، يعيد Switch كتابة القصة نفسها ولكن بأسلوب أكثر عصرية، جامعًا بين قوة الأجهزة المنزلية ومرونة المحمولة. يمكن القول إن ننتندو نجحت في أن تجعل من Switch الامتداد الطبيعي لتاريخها الطويل في الابتكار، دون أن تتخلى عن هويتها الفريدة. وقد عبّر أحد مسؤولي الشركة في وقت سابق عن هذه الفلسفة بقوله: “نحن لا ننافس الآخرين في القوة التقنية، بل في الفكرة والتجربة التي نقدمها.”
من المنتظر أن تتخطى مبيعات Switch رسميًا جهاز DS في التقرير المالي القادم، وهو ما سيمنح ننتندو لقب الجهاز الأكثر مبيعًا في تاريخها الممتد لأكثر من أربعة عقود. وإذا استمرت المبيعات بنفس الوتيرة، فقد يصبح Switch أيضًا ثاني أكثر جهاز مبيعًا في تاريخ صناعة الألعاب عمومًا، بعد PlayStation 2 من شركة Sony، الذي يحتفظ بالصدارة حتى الآن مع أكثر من 155 مليون وحدة مباعة. لكن الفارق الضئيل بين الجهازين يفتح الباب أمام مفاجأة محتملة: أن يتحول Switch إلى الجهاز الأكثر مبيعًا في التاريخ بأكمله مع نهاية السنة المالية المقبلة، خصوصًا مع تزايد الطلب على الجهاز في الأسواق الناشئة واستمرار دعمه بالألعاب الجديدة.
ورغم أن الأنظار تتجه الآن نحو الجيل الجديد، وبالأخص جهاز Nintendo Switch 2 الذي أطلقته الشركة مؤخرًا، فإن النجاح المتواصل للجهاز الأول يبرهن أن ننتندو تعرف كيف تحافظ على استدامة منتجاتها دون أن تُفقدها بريقها. فحتى بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على إطلاقه، ما زال Switch يحظى بمبيعات قوية، وهو ما يُعد سابقة في عالم الأجهزة الإلكترونية. ويبدو أن الشركة تستفيد من القاعدة الجماهيرية الواسعة التي بنتها عبر سنوات، حيث ما زالت الألعاب الكلاسيكية تحقق مبيعات جديدة بفضل البرامج الترويجية والتخفيضات الموسمية.
خلاصة القول، إن Nintendo Switch على وشك أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، ليس فقط بصفته جهازًا ناجحًا تجاريًا، بل كرمز لحقبة كاملة أعادت فيها ننتندو تعريف متعة اللعب. فبينما يتغير شكل الصناعة باستمرار، يظل Switch مثالًا على أن البساطة والابتكار يمكن أن يتفوقا على القوة التقنية الصرفة. ومع تجاوز حاجز مبيعات DS المنتظر، سيكون من الصعب على أي جهاز مستقبلي أن يكرر هذه الرحلة المذهلة التي جمعت بين الحنين والتجديد، وبين اللعب الفردي والعائلي، وبين الشغف والإبداع. من الواضح أن Switch لم يكن مجرد منصة ألعاب، بل كان ظاهرة ثقافية خالدة في ذاكرة اللاعبين حول العالم.