منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها Ubisoft الحديث عن Assassin’s Creed Mirage بدا واضحاً أن الشركة تسعى لإعادة شيء من الروح الكلاسيكية التي أحبها اللاعبون في السلسلة، تلك الروح التي كانت تجمع بين سرد قصصي بسيط وواضح، وأساليب تسلل تقليدية، وطابع شرقي يجعل كل خطوة داخل الأزقة الضيقة لبغداد تجربة محكمة التفاصيل. ومع مرور الشهور، خصوصاً بعد الإطلاق في شتنبر من السنة الماضية، لم يكن أحد يتوقع تماماً حجم الاهتمام الذي ستستقطبه اللعبة بعد تحديثات متفرقة ومحتوى إضافي حمل معه جرعة جديدة من الاستكشاف. لكن المفاجأة جاءت هذه الأيام عندما أعلنت Ubisoft في تقريرها المالي الأخير أن Mirage تجاوزت حاجز عشرة ملايين لاعب حول العالم. هذا الرقم، رغم بساطته على الورق، يحمل خلفه قصة تطور مثيرة خلال الفترة الماضية، وقصة أخرى تتعلق بكيف تتغير توقعات الجمهور حين يحصل على المحتوى المناسب في الوقت المناسب.
عند قراءة تفاصيل تقرير Ubisoft يتضح أن المحتوى الإضافي Valley of Memory لعب دوراً مركزياً في دفع أعداد اللاعبين إلى الارتفاع. من الواضح أن إصدار هذا المحتوى لم يكن مجرد إضافة جانبية تضعها الشركة فقط لملء التقويم السنوي، بل بدا أشبه بمحاولة لإعادة جذب شريحة واسعة من الجمهور التي كانت مترددة في العودة للعبة أو ربما اكتفت بتجربتها الأساسية. حسب ما ورد في التقرير فإن تفاعل اللاعبين تضاعف بشكل ملحوظ بعد صدور Valley of Memory وهو أمر يمكن ملاحظته بسهولة حتى عند متابعة النقاشات بين مجتمع اللاعبين على منصات التواصل. الكثيرون رأوا في هذا المحتوى فرصة للعودة إلى عالم Basim من زاوية جديدة واعتبروه نقطة تحول أعادت Mirage إلى دائرة الضوء بعدما خفت بريقها قليلاً في الأسابيع الأولى للإطلاق. يمكن تخيل أحد اللاعبين وهو يراجع مكتبته الرقمية في إحدى الليالي متسائلاً ما إذا كانت اللعبة تستحق فرصة أخرى ثم يجد نفسه منجذباً لتجربة التحديث الجديد، ليكتشف لاحقاً أن التجربة تغيرت أكثر مما توقع.
استعادت Ubisoft ثقتها بهذا المشروع تدريجياً بعدما لاحظت أن توقعاتها التجارية في النصف الأول من السنة المالية تم تجاوزها بالفعل، وهو ما أكدت عليه الشركة في بيانها. تقريباً كل مؤشرات المبيعات، حسب التقرير، سجلت ارتفاعاً أفضل من المخطط له، وهذا يعطي انطباعاً بأن Mirage لم تكن مجرد عنوان انتقالي بميزانية متوسطة كما ظن البعض أثناء التسويق الأول، بل مشروع قادراً على الصمود تجارياً حتى مع حجم الإنتاج المحدود مقارنة بالإصدارات الضخمة الأخرى للسلسلة. ربما لم تصل إلى زخم Assassin’s Creed Valhalla التي استقطبت أرقاماً عملاقة عند صدورها، لكنها استطاعت أن تجد جمهورها وأن تحافظ عليه بطريقة مختلفة. المهم هنا أن Ubisoft بدأت تدرك من جديد قيمة المشاريع التي تركز على تجربة أضيق نطاقاً ولكن أكثر تماسكاً، وربما هذا ما سيؤثر على مستقبل السلسلة خلال السنوات المقبلة.
عندما ننظر إلى آراء اللاعبين في Mirage منذ صدورها نجد أنها انقسمت في البداية بين من أحب العودة إلى أسلوب اللعب القديم وبين من شعر أن اللعبة قد تكون خطوة للخلف مقارنة بالأجزاء الأخيرة التي قدمت عوالم مفتوحة ضخمة مثل Odyssey و Origins. لكن بعد التحديثات المستمرة تغير هذا الانطباع شيئاً فشيئاً، حيث بدأ اللاعبون يلاحظون تحسناً في الإيقاع العام للعبة وفي طريقة بناء المهام، بل وحتى في نظام الحركة الذي أصبح أكثر سلاسة مع التصحيحات المتكررة. كثيرون قالوا في النقاشات الرقمية إن اللعبة أصبحت أقرب إلى ما كانت Promising في أول عرض لها، وبدأ بعضهم يقارنونها بروح Assassin’s Creed الأولى التي صدرت قبل أكثر من خمسة عشر سنة. بالإضافة إلى ذلك فإن التركيز على بغداد في القرن التاسع كان نقطة قوة تستحق الذكر، فالعالم بدا مشبعاً بتفاصيل تاريخية واقعية تمنح اللاعب إحساساً بأنه يعيش تجربة يمكن أن تكون اقتباساً سينمائياً لمرحلة حيوية من تاريخ المنطقة. هناك من قال في تعليقه على المحتوى الجديد جملة لافتة وهي: “Mirage لم تكن مجرد قصة قصيرة في السلسلة لكنها أصبحت درساً صغيراً في كيف يمكن للبساطة أن تنتصر عندما تُكتب وتُقدّم بإتقان”. هذا الاقتباس ربما يختصر شعور فئة كبيرة من اللاعبين الذين وجدوا في الإصدار شيئاً يختلف عن التركيز المفرط على العناصر الضخمة المعتادة في ألعاب العالم المفتوح.
التقرير المالي الأخير أعاد لعبة Mirage إلى الواجهة بالمعنى الواسع للكلمة، ليس فقط من حيث عدد اللاعبين بل أيضاً من حيث صورة Ubisoft أمام المجتمع. فالشركة كانت خلال السنة الماضية تمر بمرحلة مراجعة داخلية لعدد من استراتيجياتها كما ظهر في تصريحاتها الرسمية بشأن تقليص النفقات وإعادة توزيع فرق التطوير. ولذلك فإن نجاح Mirage في تجاوز سقف عشرة ملايين لاعب يمنح المؤسسة مساحة جديدة للتحرك وثقة إضافية بأنها لا تزال قادرة على إنتاج ألعاب تحقق حضوراً بارزاً دون الحاجة إلى ميزانيات هائلة في كل مرة. هذه المعادلة تبدو اليوم أكثر واقعية مما كانت عليه في السنوات السابقة خصوصاً أن سوق ألعاب الفيديو يعرف بدوره تحولات كبيرة فيما يتعلق بسلوك اللاعبين وبالطريقة التي يتعاملون بها مع الإصدارات المتوسطة الحجم. وإذا استمرت Ubisoft في تعزيز اللعبة بتحديثات متوازنة قد نرى Mirage تتحول إلى مثال تتعلم منه الشركة، وتبني على نجاحه في مشاريع مستقبلية توازن بين الطابع الكلاسيكي للسلسلة وبين التحولات الحديثة في أسلوب اللعب.
في النهاية فإن وصول Assassin’s Creed Mirage إلى هذا الرقم ليس صدفة ولا حدثاً عابراً، بل نتيجة تراكمات طويلة. بدأ الأمر من تصميم يعتمد على فلسفة العودة إلى الجذور، ثم تلاه دعم متواصل من خلال تحديثات ركزت على تحسين التجربة، وأخيراً جاء المحتوى الإضافي Valley of Memory ليعطي دفعة قوية تعيد اللعبة إلى دائرة النقاش. هذا النوع من المشاريع يثبت أن الألعاب ليست مجرد نسخ تُباع في يوم الإطلاق بل أعمال لها حياة ممتدة تتغير بتغير الطريقة التي يتفاعل بها الجمهور. ومع كل هذه الأرقام والمؤشرات يبدو أن Mirage وجدت لنفسها موقعاً ثابتاً داخل السلسلة، وربما ستساعد Ubisoft على رسم ملامح المرحلة المقبلة من Assassin’s Creed بطريقة مختلفة أكثر توازناً بين الماضي والحاضر.