شهدت صناعة الألعاب في الأسابيع الأخيرة نقاشا لم يهدأ بعد، بعدما طفت إلى السطح قضية حساسة تتعلق بوسم الألعاب التي تستعين بالذكاء الاصطناعي خلال مراحل تطويرها أو تصميم جزء من محتواها. الجدل بدأ عندما دعا عدد من الأصوات داخل المجتمع التقني والألعاب إلى إزالة شرط وسم الألعاب التي تعتمد على هذا النوع من الأدوات على منصات بيع الألعاب، وهو مطلب وجد دعما مباشرا من تيم سويني، الرئيس التنفيذي لشركة Epic Games، الذي يرى أن هذه العلامة لا معنى لها، على أساس أن أغلب الألعاب الحديثة تستخدم شكلا أو آخر من الذكاء الاصطناعي، سواء في البرمجة أو الحركة أو التصميم. ورغم أن كلامه بدا منطقيا للبعض، إلا أنه فتح الباب أمام نقاشات كثيرة تتعلق بالشفافية، وأحقية المستهلك في المعرفة، والحدود الأخلاقية لهذه التكنولوجيا التي أصبحت تشكل جزءا جوهريا من الصناعة. وبينما تعتمد منصة Epic Games سياسة عدم إلزام المطورين بالإعلان عن استخدام الذكاء الاصطناعي، حافظت منصات أخرى مثل Steam و Itch.io على سياستها التي تتطلب هذا النوع من الوسم، وهي سياسة أثارت ردود فعل متباينة داخل مجتمع اللاعبين والمطورين على حد سواء. وبمجرد أن انتشرت تصريحات سويني، بدأ كثيرون يتساءلون هل أصبح وسم الألعاب مجرد عبء إداري أم ضرورة لحماية العمل الإبداعي من التشويه.
رد Valve لم يتأخر كثيرا، حين خرج الفنان Ayi Sanchez ليقدم وجهة نظر مختلفة تماما، تجعل النقاش يبدو أعمق مما بدا في البداية. Sanchez أكد أن للمستهلك الحق الكامل في معرفة الطريقة التي استخدمت في إنتاج اللعبة التي يشتريها أو يلعبها، مشبها الأمر بقراءة مكونات الطعام أو الاطلاع على طريقة تصنيع منتج ما قبل اتخاذ قرار الشراء. كان كلامه واضحا ومباشرا، إذ قال إن الشفافية ليست خيارا إضافيا وإنما جزء من واجب أخلاقي على الشركات والمطورين تجاه المستهلك. ومن وجهة نظره، فإن وسم الألعاب التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لا يستهدف إحراج المطورين ولا خلق تمييز بينهم، بل يهدف ببساطة إلى مساعدة اللاعبين على تكوين صورة أوضح حول العمل الذي يقفون أمامه. الأمر لا يتعلق بالمحتوى النهائي فقط، بل بالطريق الذي سلكه المشروع للوصول إلى هذه النتيجة. هذه الرؤية خلقت تفاعلا كبيرا، لأن حديث Sanchez بدا وكأنه يمثل فئة واسعة من المجتمع ترى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل موضوع يتضمن أبعادا أخلاقية تحتاج إلى معالجة حقيقية. ووسط اختلاف الآراء، بدأ بعض المتابعين يشعرون أن النقاش تجاوز حدود وسم بسيط إلى حديث أوسع عن مستقبل الإبداع نفسه داخل صناعة الألعاب.
ما يجعل القضية أكثر حساسية هو الطريقة التي ينظر بها اللاعبون إلى الذكاء الاصطناعي داخل الألعاب. فالكثير منهم لا يرى مشكلة في استخدام أدوات AI لتحسين الحركة أو تطوير أنظمة الذكاء الداخلي داخل اللعبة أو حتى تسريع بعض مراحل الإنتاج. لكن المشكلة تظهر عندما يصبح الذكاء الاصطناعي بديلا مباشرا عن العمل الفني أو الإبداعي البشري، خصوصا في المجالات التي تعتمد على الجهد الشخصي، مثل الرسم أو كتابة السيناريو أو تصميم الشخصيات. عندما يتساءل اللاعب مثلا إن كانت إحدى الرسومات أصلية أم ناتجة عن نموذج ذكاء اصطناعي، يصبح الأمر بالنسبة للبعض أكثر من مجرد فضول، بل يتحول إلى تساؤل أخلاقي يرتبط بقيمة العمل. لهذا السبب كان تعليق Sanchez حول تفضيل المستهلكين للأعمال الأصلية على النسخ المقلدة مهما للغاية. فعبارته التي قال فيها إن الذكاء الاصطناعي قضية أخلاقية تتعلق بالشفافية والعمل الأصلي أصبحت تتداول على منصات التواصل كأنها تلخص ما يحاول كثيرون التعبير عنه منذ فترة. وما زاد النقاش حرارة هو الشعور بأن بعض المطورين يلجؤون للذكاء الاصطناعي بشكل يخفي عن اللاعب حقيقة مستوى الجهد البشري المبذول، وهو ما يجعل الوسم، في نظر بعضهم، ليس مجرد إجراء بل ضرورة للحفاظ على ثقة الجمهور. وكلما ازداد استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون توضيح، أصبح النقاش أكبر، وكأن الطرفين يحاولان تحديد مكان الوقوف في مرحلة قد تعيد تشكيل علاقة الجمهور بالمحتوى.
لكن رغم الجدل المستمر، يبدو أن Valve اتخذت موقفا واضحا وصارما في هذا الملف، إذ أعلنت أنها ستواصل وسم الألعاب التي تستخدم الذكاء الاصطناعي دون نية للتراجع في الوقت الحالي. من جانبها، ترى الشركة أن المستهلكين بحاجة إلى معرفة مستوى مساهمة الذكاء الاصطناعي في أي جزء من اللعبة، سواء كان هذا المستوى صغيرا أو كبيرا. ويبدو أن هذه السياسة لن تتغير بسهولة، لأن Valve تتعامل مع الموضوع كجزء من التزامها تجاه اللاعبين منذ سنوات طويلة، التزام يقوم على منح المستخدم حرية اتخاذ القرار بناء على معلومات دقيقة. هناك من قد يرى أن Steam تبالغ في حرصها، لكن من الصعب تجاهل أن المنصة بنت جزءا كبيرا من مصداقيتها على هذا النوع من الوضوح. وبينما تعلن Epic Games أن وسم الذكاء الاصطناعي غير ضروري لأن كل الألعاب تستخدمه بطريقة أو بأخرى، ترد Valve بأن ما يهم ليس وجود الذكاء الاصطناعي بل درجة استخدامه ومجاله داخل عملية التطوير. فهناك فرق كبير بالنسبة للمستهلك بين لعبة مصممة بالكامل عبر موارد أصلية وأخرى اعتمدت بنسبة كبيرة على أدوات توليدية. ورغم أن هذا الفرق قد لا يظهر مباشرة داخل التجربة النهائية، إلا أنه يظل مهما بالنسبة للاعب الذي يهتم بمعرفة طريقة صناعة المنتج.
أما المطورون، فهم يجدون أنفسهم اليوم داخل دائرة نقاش أكبر مما توقعوه. بعضهم يشعر بأن الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة تساعد على تسريع العمل وتقليل الجهد المتكرر، وأن وسم الألعاب قد يجعل الجمهور يسيء فهم استخدامهم للتقنية. والبعض الآخر يخشى أن يتحول النقاش إلى نوع من الضغط الأخلاقي غير الضروري، خصوصا أن سوق الألعاب يتنافس بسرعة كبيرة. لكن في المقابل، هناك مطورون يرون أن النقاش ضروري لأنه يفتح الباب لمرحلة جديدة من التنظيم داخل الصناعة. فالذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة ثانوية، بل أصبح في حالات كثيرة حلا جاهزا قد يغري البعض باستخدامه بشكل مبالغ فيه، وهو ما يهدد قيمة الإبداع الفردي. لهذا أصبح السؤال اليوم أكبر من مجرد وسم: هل يحتاج مجال الألعاب إلى قواعد جديدة تنظم حدود استخدام هذه التقنيات داخل الإنتاج الفني. وبينما يواصل الجمهور متابعة كل تصريح جديد من Epic أو Valve، يبدو أن اتجاه السوق في الشهور المقبلة سيكشف الكثير حول مستقبل العلاقة بين التكنولوجيا والإبداع، وكيف يمكن للصناعة أن توازن بين الاستفادة من الأدوات الجديدة والمحافظة على أصالة العمل الذي يتوقعه الجمهور.