مقالاتمقالات تقنية

البشرية تحت رحمة ما تصنعه.. هل ينبغي أن نستعد لإستبدال العقول البشرية بالذكاء الإصطناعي قريبا؟

بدأت تقنية التعلم عبر “تفحص البيانات”، تتغلغل كثيرا في المجالات العلمية، و ذلك لأن للذكاء الإصطناعي يستند لها في تطوير قدرات جمة على الإرتقاء و تسريع الحسابات الرياضية، و تطوير البنيات و تحسينها أيضا، ما أدى بالعديد من المعارضين له من العلماء مسبقا، إلى تقبل فكرة وجوده الآن و العمل به أو (معه). ما يحير البعض، من جهة اخرى، ما إدى كانت هذه الطفرة التقنية، ستحصل أيضا على جوائز نتيجة لما تقدمه من خدمات للبشرية من قبيل “جائزة نوبل”، تقدم على طبق من ذهب لآلة إستحوذت على كامل معارف العالم، أو أثبت نظرية ما (تخصها) أو إكتشفت علاجا ثوريا فعالا لمعضلة صحية خطرة على صانعيها (البشر عموما) أو غيرها من الأمور…

  يبدو أن الذكاء الإصطناعي، سيتوسع بشكل أوسع بما يتجاوز حدود تفكيرنا مستقبلا وصولا للمختبرات العلمية و الطبية، على غرار ما فعلته إحدى الفرق العلمية من الإستعانة بتطبيق “ذكاء إصطناعي” لتحسين “جودة الصور الملتقطة من الميكروسكوبات المعملية”.. أو كما قامت به منصة “فايسبوك” بتطوير ذكاءها الخاص للعثور على حلول سريعة لمعضلات حسابية، و الحال لا يختلف لدى “غوغل” بحل ما يقرب من 200 معضلة علمية من مستويات “الباكلوريوس” في مجالات “الإقتصاد”  و “الحساب” و “الفيزياء” و غيرها… في نفس السياق، أوكل فريق من العلماء “الفرنسيين و الألمان” مهمة “الحفاظ لأطول وقت ممكن على هيئة غرض كمومي متناهي الصغر” لذكاء إصطناعي نجح نظريا في ذلك، متشابه من حيث الإنجاز (هذا الصيف) مع مشروع “غوغل” المسمى “ألفا فولد” (AlphaFold)، من لدن شركة (تابعة لها) تسمى “ديب مايند” (DeepMind)، الذي كلف بالعمل على “توقع ثلاثي الأبعاد لشكل البروتين إنطلاقا من بنيته الكيميائية، مضيفا ما يقرب من 1 مليون من الإعدادات الأساسية لتلك المرجعية، و التي لم تكن تتوفر إلا على 200 ألف بنية محددة إختباريا مسبقا”.

  لهذا، نرى كل يوم، أن مجالات تطبيق “الذكاء الإصطناعي” آخدة في التوسع، و بشكل يبدو “عشوائيا” منذ سنة 2016 كما ذكر “دافيد روسو” الكاتب المشارك في مؤلف “الذكاء الإصطناعي للطاقة الفيزيائية العالية”. فمنذ سنة 2012، و الذكاء الإصطناعي يواصل تعلمه بوثيرة مستقرة و متسارعة، من خلال تفحص البيانات و التعلم من خلالها، و في ذات الوقت من خلال ترتيبها و فرزها لسهولة الوصول إليها فيما بعد، مقارنا بين النظري و التطبيقي بطبيعة الحال. يعقب “إيمانويل فور”، الباحث في مختبر “المعلوميات و الروبوتات” في مونتبولييه : “تصلني طلبات تعاون علمية كثيرة، غير أنني غير قادر على الإجابة عليها جميعا.. إن معظم من رفضوا التقنية بالأمس.. نراهم اليوم يتوجهون لإستخذامها”، نفس الأمر “يؤكده” البروفيسور “أنطوان جورج”، الذي لا يستغني الآن عن الذكاء الإصطناعي في أبحاثه العلمية.

  إن التقدم الذي وصلت له هذه التقنية، نتيجة للعديد من الأبحاث الأكاديمية  فيما يعتبر “غلة رقمية” تجنى ثمارها منذ سنة 1950 و إلى اليوم، مستندة كما ذكرنا اعلاه على التعلم بإستخذام تحليل البيانات و المعطيات (بمختلف انواعها و أشكالها) فيما تعتبره “مايكروسوفت” : “المعيار الجديد للبحث العلمي”، الذي إنتقل من التعلم فقط إلى التصور و الخلق الإبداعي الآن، حيث يسعى الباحثون (المتحفظون منهم) إلى التعاون مع “الذكاء الإصطناعي” على أرض الواقع و في مجال “العمليات الحسابية” إستنادا إلى تقنيات تواصلية تحاكي “المسارات العصبية” للدماغ إلا أنها “آلية و مأتمة” (تعود لسنة 2019) تمكن الذكاء الإصطناعي من محاكاة التواصل بين مكوناته فيما يتشابه مع ما تفعله “الخلايا العصبية” الدماغية الحقيقية، إلا أنها أسرع بكثير في تكوين و حساب نتائج و العمليات المطلوبة منه، كما فعلت في سنة 2012 خوارزمية “أليكس نيت” التي “قلبت” سنوات من التفحص العلمي للمعلومات على الحواسيب  خلال مسابقة لتحليل الصور، مستندة لقدرتها فائقة الآداء على “إعادة بناء” الحلول التي تخص المعضلة أمامها و الإستعانة بهذه السمة لترتيب الصور وفق المطلوب منها.

  يتبارى العلماء الفرنسيون، على غرار نظرائهم حول العالم، للإستعانة بتلك القدرات المذهلة لأنظمة “الذكاء الإصطناعي” في المجلات “العلمية” و الحيوية للبشرية، على غرار “الفيزياء” و علم “الفضاء” بالنسبة ل”نيكولاس دوبيجون” الذي يرغب في تطوير الذكاء ليمكنه من “دمج المعلومات” المتلقاة من مراصد فضائية أرضية و سماوية عدة لتحسين دقة الصور الملتقطة بما يتراوح ما بين 2 إلى 3 اضعاف دقتها و جودتها الحالية”، و بما يقدم يد عون إضافية للعلماء حول العالم، و دفعة مهمة لمجال الفيزياء ككل أو في مجالات حساسة أخرى… وصل الحال ببعض العلماء (الشغوفين) بالمجال، لمحاولة تعلم كل ما يخص الذكاء الإصطناعي و تطويره من خلال تقديم أو تكوين معضلات علمية و حسابية لكي يتمرن عليها، من قبيل ما فعله “غايتن بارسيبوا” الذي طور ذكاءا قادرا على معرفة حل المشكلة أو المعضلة إنطلاقا من جزء صغير منها، مستعينا بالمحاكاة المتكررة للنجاح في ذلك و هو ما نجح بالفعل من فعله سنة 2021.

  من جهته، عمل “جيوم لومبل” (باحث في المعلوميات) منذ 3 سنوات في قلب شركة “فايسبوك”، على تطوير قدرة الذكاء الإصطناعي على “التفكير”  من خلال إنجازاته في الرياضيات، و يقول : “سيكون من الرائع ان نرى الذكاء الإصطناعي قادرا على فك التخمينات الحسابية غير المحلولة”. بالنظر الى ما قدمه هذا الشاب، لا يمكننا الى أن نرتقب إنجازا مهما، على غرار ما فعلته إحدى الخوارزميات التي إبتكرها متم سنة 2019، من “الكتابة و التلاعب” في العمليات الرياضية المعقدة كما يفعل عالم الرياضيات الحقيقي، و بتفوق على البرمجيات المدفوعة المعروفة من قبيل “ماتلاب” (Matlab)  و “ماثيماتيكا” (Mathematica)، حيث يعقب الباحث بهذا الخصوص : “أصابتني الدهشة عندما رأيته قادرا على حل المسائل المعقدة و متعثرا في المسائل السهلة”.. عمل “جيوم” ايضا على خوارزميات أخرى، إحداها كان قادرا على “تاكيد صحة النظريات” و نجح في حل 65% من المعضلات التجريبية.

  لا يمكننا أن ننكر أن وراء إنجازات الذكاء الغصطناعي علماءا حقيقيين، من بينهم “لينكا زديبوروفا” التي تحولت من علم “الطاقة النووية” إلى أستاذة في “الفيزياء الإحصائية و المعلوميات” سنة 2020، و عضوة في الهيئة التحريرية لصحيفة “ماشين ليرنينغ” (Machine Learning)، كما تقدم دروسا للفيزيائيين في التعلم الآلي و تحاول قدر المستطاع فهم آلية عمل الذكاء الإصطناعي. تقول “لينكا” بأن عملها على بناء انواع متعددة من الذكاء الإصطناعي، قادم من محاولة مقارنتها لنمط العمل لديها و الأسلوب البشري، إلا أنها تتصادف في بعض الاحيان مع ما يعرقل هذا التناغم الآلي – البشري، من قبيل “عدم القدرة على توقع الإجابة الصحيحة لنتائج عملهما، لفقداننا ل”الفهم النظري” الذي يمكننا من دراسة شاملة للظواهر المعقدة، و الذي يعتمد بدوره على علم “الفيزياء الإحصائية” الذي طوره “جيورجيو باريسي” الحاصل على نوبل في الفيزياء سنة 2021.

  و تعقب، بان “الهدف من كل هذا، أن نتمكن من مجالات عدة و نستخدمها لصالح البشرية. غير أن قواعدنا في العمل بهذا الخصوص “أعقد” بكثير مما تفعله التطبيقات البسيطة على الهواتف النقالة، إذ علينا أن “نثق”  في النتائج الأخيرة بحلوها و مرها. و منه، علينا أن نقرر إحتمالية صحة الحل من عدمه، إنطلاقا من عوامل “الكفاءة” و “سرعة التنفيذ” و “قلة أو كثرة الموارد” و “الوقت المستهلك” و “الضرورة الفلسفية””… على سبيل المثال، نتسائل عادة إن ما كان الذكاء الإصطناعي يغير النتائج لتكون مناسبة أو إن ما كان يغير من “النهج العلمي” للوصول إليها. إلى وقت قريب، كنا محصورين في طرق عمل بدائية و معقدة، حتى جاءت طرق العمل الجديدة التي لا تحصر نفسها في نماذج معينة، فيما يشبه “الإنتقال من المحاكاة المعقدة المغلقة على نفسها إلى تلك البسيطة المفتوحة على إحتمالات عدة”، و لهذا سنكون مجبرين على “التأقلم” مع الذكاء الإصطناعي المستند للخيارات ذات الحلول المتعددة كل بحسب الوضع المرهون به.

  في نفس السياق، تذكر البروفيسورة “لينكا زديبوروفا” بأن “أتمتة العلوم و البحوث” قد لا تكون ممكنة الآن بسبب إشراف البشر على عملها و نتائجها، لحاجتنا لإختيار المعلومات و الأسئلة الصحيحة لطرحها على الذكاء الإصطناعي، لكوننا نحن من نزوده بالمعلومات الاولية على غرار “كيفية التحكم في البلازما الساخنة داخل مفاعل نووي”، و لتكون صعوبة المهمة في تقديم شرح مبسط للذكاء الإصطناعي لكي يستوعب المهمة المنوطة به، و يبقى لنا شيء من الحدس و الفيزياء لنعمل به. أما بالنسبة للتطور المتوقع من هذه النهضة العلمية، فإن السؤال ينحصر فيما قد يفعله الذكاء الإصطناعي في المجالات الاخرى؟ و قد تكون الإجابة على غرار ما وقع من القدوم الأول للحواسيب إلى حياتنا.. ما يسعنا تأكيده في المقابل، أن على العلماء ان يجدوا الطريقة الأمثل لإستخذام هذه الاداة بإعتبار المواضيع المطروحة على الأداة مجرد “بيانات” ينبغي تحليلها، و عليهم بدورهم ان يبتكروا أدوات لتبسيط الأسئلة المعقدة عليهم و لتتمكن من حل المعضلات الرياضية بكفاءة أكبر مستقبلا و هذا لدورها المحوري المستقبلي لنا كعلماء و للعالم.

  بخلاف ما ذكر اعلاه، يطرح التساؤل حول “الرفض المبرر” لهذه التقنية، بدواعي أنها و بالرغم من ما تقدمه من تسريع للتقدم التكنولوجي إلا أنها لا تقدم ثورة في مجالات عدة و لن تستطيع أن تتفوق فيها دفعة واحدة، و كذلك لتمكن العلماء على غرار ما فعله عالمين من النمسا من تقديم “طريقة مبسطة لعمليات حسابية معقدة عمل عليها الذكاء الإصطناعي لوقت طويل مقارنة بطريقتهم المبسطة من خطوات قليلة لحل نفس المعضلة الحسابية” أو كما فعل ذكاء إصطناعي من “تضييع أيام بدل ثواني معدودة في حساب مسار الأجسام بعد التصادم في مسابقة حول فيزياء الجسيمات”. من بين ما يقلق العلماء أيضا، مخاوفهم من عدم التمكن في “أفعال أو تفكير أو حتى خطوات عمل الذكاء الإصطناعي”، علاوة على “الكيفية الأمثل لتقييم آدائهم و نتائج عملياتهم الحسابية أو توقعاتهم أو نظرياتهم، و يتخوف من أن يتحول معظم مناصري هذه التقنية إلى مناهضين لها مستقبلا بسبب ما قد تقع فيه من “أوهام بصرية” (المعلومات المغلوطة) كما وصفها “دافيد روسو” و في الإشارات و الصور كما قال المختص في الصور “نيكولاس دوبيجون” من “أن التلاعب في موجات الصور قد يظهرها بأشكال ليست بالموجودة حقا.. إذ تكمن صعوبة المهمة في التأكد من مصداقية المعروض منها على الذكاء الإصطناعي، و أن لا تكون ذات جوانب مضللة له أيضا”.

  في الختام، إن العمل على التأكد من مصداقية المعروض من معلومات على الذكاء الإصطناعي، سيجنبنا حالات التطرف التي قد يمارسها مستقبلا و خاصة على منصات التواصل الإجتماعية، على غرار ما وقع من تغريدات نشرها ذكاء إصطناعي “بوت محاور” يخص “مايكروسوفت” (يدعى ب”تاي” (Tay)) على منصة “تويتر” بتاريخ 23 مارس 2016  ليستهدف الفئة العمرية ما بين 18 و 24 سنة. حيث، و بدلا من تبادل أطراف الحديث مع الجميع، أخذ ينشر تغريدات “عنصرية مسيئة” (بلغت ما يقرب من 96 الف تغريدة خلال 8 ساعات فقط !)، و يعود السبب في ذلك من قبل “مايكروسوفت” إلى “توجه المسخدمين المكثف لتلقينه الإجابة على تغريداته عبر عبارات مسيئة (يستخدم هذا البوت المحاور، مصادر التعلم “مفتوحة المصدر” و “العمومية” لتطوير جمله و مهاراته).. لذلك دعونا نتخيل، كيف سيكون مآل الأمور إن كان عمل الذكاء الإصطناعي ذا أهمية قصوى بالنسبة للبشرية بعد تعرضه لما يشبه حالة البوت “تاي”؟.. قد نعجز عن تخيل “السيناريوهات الكارثية” التي قد تقع بسبب خطأ في التقدير لدى ذكاء إصطناعي غير مراقب.. غير أننا نؤمن، بأن الذكاء الإصطناعي “المراقب و الممنهج” قادر على تمكيننا من تحقيق المعجزات في مجالات عدة  على مدى المستقبلين القريب و البعيد كذلك….

(المصدر : لوموند علوم و طب)

المهدي المقدمي

شاب مغربي، محب للتقنية بصفة عامة، وخاصة العاب الحاسوب و الهاتف النقال، كما اعمل كمترجم و صحفي في الشأنين الإقتصادي و العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

نكون شاكرين لو عطلتم مانع الإعلانات

الإعلانات تساعدنا على الاستمرار وتقديم الأفضل لكم