بعد مرور ثلاثة وثلاثين عاما على إطلاق Street Fighter II Turbo في صالات الأركيد، يعود هذا العنوان الأسطوري إلى الواجهة مجددا ولكن هذه المرة ليس عبر نسخة محسنة أو إصدار جديد، بل من خلال اكتشاف تقني دقيق وخفي ظل مخفيا طوال هذه العقود. الاكتشاف جاء على يد المستخدم المعروف باسم TurboAnnihilate، الذي تمكن من الوصول إلى قائمة Debug سرية لم يسبق الكشف عنها رسميا، وهي قائمة تسمح بالتحكم في دوران الشخصيات وتغيير حجم الـ sprites داخل اللعبة. الخبر انتشر كالنار في الهشيم داخل أوساط مجتمع محبي الألعاب القتالية، ليس فقط لأنه اكتشاف نادر، بل لأنه يفتح بابا واسعا للأسئلة حول ما الذي كانت تخطط له Capcom فعلا أثناء تطوير واحدة من أهم ألعاب القتال في التاريخ. نحن هنا لا نتحدث عن خدعة بسيطة أو كود شهير متداول، بل عن نظام اختباري كامل لم يكن مذكورا في أي وثائق رسمية أو تسريبات سابقة، وكأن اللعبة كانت تخبئ سرا تقنيا ينتظر من ينفض عنه الغبار بعد ثلاثة عقود كاملة.
قائمة Debug المكتشفة تتيح للمستخدم التلاعب بدوران المجسمات وتغيير حجمها بشكل حي، وهي خصائص لم تكن موجودة في النسخة النهائية من Street Fighter II Turbo كما نعرفها جميعا. طريقة الوصول إلى هذه القائمة ليست عشوائية أو بسيطة، بل تتطلب الدخول إلى وضع الاختبار عبر إعدادات dip menu في محاكيات مثل Fightcade أو MAME، ثم إعادة تشغيل اللعبة والضغط على مجموعة أزرار محددة بدقة ومنها P1 MP و P2 Start ثم P1 LP في ترتيب معيّن. هذه العملية، رغم تعقيدها الظاهر، تؤكد أن Capcom كانت قد دمجت داخل اللعبة نظام اختبار داخلي متقدم نسبيا لم يتم حذفه من النسخة النهائية. الأهم من ذلك أن عناصر التحكم نفسها تشير بوضوح إلى أن الهدف كان اختبار دوران الشخصيات وتكبيرها وتصغيرها، مع إمكانية إعادة القيم إلى وضعها الأصلي بضغطة زر واحدة. هذا النوع من الأدوات لا يضاف عبثا خلال التطوير، بل يكون عادة جزءا من تجارب حقيقية على أفكار كانت مطروحة على الطاولة داخل استوديو التطوير.
وهنا يبرز السؤال الأكثر إثارة والذي يتردد الآن في كل النقاشات التقنية، هل كانت Capcom تخطط فعلا لإضافة تقنيات sprite scaling إلى Street Fighter II Turbo كما هو الحال في ألعاب مثل Art of Fighting و Fatal Fury. في تلك الفترة، كانت SNK قد أشعلت المنافسة عبر إدخال تقنيات تحجيم الشخصيات وإعطائها أبعادا بصرية تشبه الزووم داخل القتال، وهو أمر كان يعتبر قفزة نوعية على مستوى الإحساس بالحركة والمسافة. وجود أدوات اختبار مشابهة داخل محرك Street Fighter II Turbo يوحي بأن Capcom كانت تدرس الفكرة بجدية، وربما وصلت إلى مرحلة تجريبية متقدمة قبل أن تتراجع عنها لأسباب تقنية أو فنية أو حتى تجارية. أحد المتابعين علق على هذا الاكتشاف بجملة انتشرت بسرعة في المنتديات تقول “كنا نظن أننا نعرف كل أسرار Street Fighter II لكن يبدو أن اللعبة ما زالت تحتفظ بمفاجآت حتى بعد ثلاثة عقود”، وهي عبارة تلخص شعور الدهشة العام الذي رافق هذا الخبر. والواقع أن قرار عدم اعتماد هذه التقنية في النسخة النهائية ربما كان جزءا من فلسفة Capcom في الحفاظ على سرعة اللعب واستقراره، لأن التكبير والتصغير كان قد يؤثر على وضوح الضربات والتوازن التنافسي الذي تميزت به السلسلة منذ بداياتها.
[/embedpress]
الأبعاد التاريخية لهذا الاكتشاف لا تقل أهمية عن جانبه التقني. Street Fighter II Turbo ليست مجرد لعبة عادية في تاريخ الصناعة، بل هي حجر زاوية حقيقي شكل ملامح ألعاب القتال الحديثة ورسخ مفاهيم أساسية مثل الإطارات الزمنية والتوازن بين الشخصيات والهوية البصرية الواضحة لكل مقاتل. عندما نكتشف اليوم أن هذه اللعبة كانت تخفي نظاما تجريبيا لتقنيات بصرية متقدمة لم تر النور، فإننا نعيد النظر في طريقة فهمنا لمسار تطور السلسلة نفسها. هذا يذكرنا بأن تطوير الألعاب في بداية التسعينات لم يكن أبدا عملية خطية كما نتخيل اليوم، بل كان مليئا بالتجارب والاختبارات والأفكار التي تولد وتموت داخل الاستوديوهات. وربما لو قررت Capcom حينها المضي قدما في خيار sprite scaling، لكنا اليوم نتحدث عن هوية بصرية مختلفة تماما للسلسلة، وربما لتغير مسار المنافسة مع SNK بشكل جذري. الأجمل في هذا كله أن الاكتشاف جاء من المجتمع نفسه، من لاعب شغوف نبش في أعماق الكود كما ينقب عالم آثار في أطلال قديمة، ليخرج لنا قطعة جديدة من تاريخ الألعاب لم نكن نعرف بوجودها.
بالنسبة لمتابعي PixelArab وبيكسل_عرب، فإن هذا النوع من الأخبار يذكرنا دائما بأن عالم الألعاب القديمة لم يقل كلمته الأخيرة بعد، وأن كل لوحة أركيد وكل شريط ROM قد يحمل في داخله سرا تقنيا أو تاريخيا ينتظر من يكتشفه. نحن في زمن أصبحت فيه الأدوات التحليلية والمحاكيات المتقدمة قادرة على فك شفرة ألعاب صدرت قبل عقود، وكشف طبقات من العمل البرمجي والفني الذي كان مخفيا عن اللاعبين. وهذا يعطينا درسا مهما بأن تاريخ الألعاب ليس مجرد قصص نجاح وإصدارات شهيرة، بل هو أيضا سجل ضخم من الأفكار التي جربت ولم تكتمل، ومن القرارات التي غيرت مسار سلاسل كاملة. اكتشاف قائمة Debug في Street Fighter II Turbo ليس مجرد خبر طريف لعشاق الريترو، بل هو نافذة جديدة نطل منها على كواليس التطوير في واحدة من أهم مراحل صناعة الألعاب. ومن يدري، ربما يحمل المستقبل القريب المزيد من الأسرار المدفونة داخل عناوين كنا نظن أننا حفظناها عن ظهر قلب.