(ح1-ج2) مقدمة في الذكاء الإصطناعي.. تاريخ حلم قديم العهد  بات اليوم حقيقة !

  “.. بات الكثير من الناس حول العالم، مدركين للحضور الوازن للذكاء الإصطناعي و تطبيقاته في حياتهم، التي أضحت موجودة في كل مكان حولنا.. مع هذا الإنتشار الواسع، يخطر على بال الأفراد أسئلة متعددة تخص هذه التقنية من قبيل: “كيف بدأ كل هذا؟”، “في أية مجالات يمكن أو سيستخدم فيها الذكاء الإصطناعي؟”، “ماذا يعني ذلك حقا؟”، “ما أخلاقيات عمل و تطبيق الذكاء الإصطناعي؟” و غيرها من التساؤلات التي سنتطرق لها في هذه السلسلة من المقالات حول “الذكاء الإصطناعي”، منطلقين من كونه كان موضوعا للخيال العلمي إلى جزء لا يتجزء من حياتنا اليوم، مرورا بتطور هذا المجال على مر السنين و ما ساهم به في حياتنا، و وصولا إلى ما قد يشكله من خطر علينا الآن أو مستقبلا..”

*أنواع تعلم الذكاء الاصطناعي و تفرعاته

  يصنف “الذكاء الإصطناعي” المجال الأكثر شيوعا في علوم الكمبيوتر.  و مع ذلك، مع كل التكنولوجيا والأبحاث الجديدة، فإن النمو السريع له قد يكون “مربكا” للكثيرين. علاوة على ذلك، هناك العديد من الحقول المختلفة داخل الذكاء الإصطناعي و لكل منها خوارزمياته الخاصة، و من الضروري معرفة أن الذكاء الاصطناعي ليس مجالا واحدا ولكنه مزيج من المجالات المختلفة، إذ يمكن تقسيم الذكاء الإصطناعي إلى مجالين رئيسيين : “التعلم الآلي” و “الشبكات العصبية”، و كلاهما حقلان فرعيان تحت الذكاء الإصطناعي، و لكل منهما أساليبه و خوارزمياته الخاصة.

  يمكن “التعلم الآلي” (Machine Learning) من جعل أجهزة الكمبيوتر تتعلم من البيانات و الخبرة لتحسين أدائها في بعض المهام أو عمليات صنع القرار، و يستخدم أيضا في “عمليات الإحصاء” و “نظريات الإحتمالات” بالإستناد إلى الخوارزميات لتحليل البيانات و التعلم منها و إتخاذ القرارات بسرعة و كفاءة. غالبا ما يتم تصنيف خوارزميات التعلم الآلي على أنها “خاضعة للإشراف” أو “غير خاضعة للإشراف”. تم تصميم خوارزميات التعلم الآلي للسعي لإنشاء “علاقات خطية” و “غير خطية” في مجموعة معينة من البيانات، و يتم تحقيق هذا من خلال الأساليب الإحصائية المستخدمة لتدريب الخوارزمية على التصنيف أو التنبؤ من مجموعة البيانات.

  بالنسبة ل”التعلم العميق” (أحد فروع التعلم الآلي) الذي يستخدم “شبكات عصبية إصطناعية متعددة الطبقات لتوفير أكبر دقة في إكتشاف الأشياء و التعرف على الكلام و الترجمة”، حيث يعد “التعلم العميق” التقنية المهمة وراء “السيارات ذاتية القيادة”، إذ يتيح “التحليل الآلي” لكميات كبيرة من البيانات المعقدة على سبيل المثال : التعرف على وجوه الأشخاص الذين يظهرون في صورة أو مقطع فيديو. نوع آخر من التعلم الآلي هو “التعلم المعزز”،الذي سمح للذكاء الاصطناعي بأن يصبح خبيرا في ألعاب الطاولة مثل “Go” وألعاب الفيديو مثل StarCraft II.

  للتعلم بكفاءة، تحتاج الآلات (والناس) إلى “التعميم” لإستخلاص المبادئ المجردة للتجارب. تقول “ميلاني ميتشل” عالمة الكمبيوتر في معهد “سانتا في” في “نيو مكسيكو” أن “جزءا كبيرا من الذكاء (على العموم) يكمن في القدرة على أخذ المعرفة و تطبيقها في مواقف مختلفة”. في 2019، أنشأ الباحث في الذكاء الاصطناعي “فرانسوا شوليت” نوعا من إختبار الذكاء للآلات يسمى “Abstraction and Reasoning Corpus”  حيث يجب على أجهزة الكمبيوتر إكمال الأنماط المرئية وفقا للمبادئ الموضحة في أنماط الأمثلة. في نهاية المطاف، قد يستوعب الذكاء الإصطناعي مفاهيم معقدة مثل “الحب” و “الديمقراطية”. قد يساعدنا الذكاء الإصطناعي في إكتشاف أشكال جديدة من الإستخدامات. هناك مجموعة من التقنيات تسمى “الاتمتة الآلية للتعلم”  (AutoML)  حيث تساعد الخوارزميات في تحسين معماريات “الشبكات العصبية” أو حتى الجوانب الأخرى لنماذج الذكاء الاصطناعي، كما يساعد أيضا مهندسي الرقائق على تصميم دوائر متكاملة بشكل أفضل.

  في إستطلاع أجري عام 2016، قدر 352 باحثا في مجال التعلم الآلي وصول “ذكاء الآلة عالي المستوى”  و الذي يعرف بأنه “عندما تتمكن الآلات من إنجاز كل مهمة بشكل أفضل و أرخص من العمال البشريين” بحلول سنة 2060. في هذا الصدد، تقول ميتشل: “نحن لا نفهم ذكائنا، لأن الكثير منه فاقد للوعي. و بالتالي، لا نعرف ما الذي سيكون صعبا أو سهلا بالنسبة الذكاء الاصطناعي، إذ ما يبدو صعبا يمكن أن يكون سهلا و العكس صحيح (مفارقة مورافيك)”. لهذا، تبدو الفجوة بين الذكاء “البشري” و “الإصطناعي” صغيرة في بعض الأحيان لأننا “نجسم الآلات” و بصرف النظر عما إذا كنا نريد حتى ذكاء آليا شبيها بالبشر، مما يثير معضلات أخلاقية وعملية، مرتبطة بنقاط قوة و ضعف فريدة.

 بالحديث عن “الشبكات العصبية”، فهي مستوحاة من الخلايا العصبية البيولوجية في الدماغ البشري و تتكون من طبقات من العقد المتصلة، التي تحتوي بدورها على وظائف رياضية لمعالجة البيانات الواردة و التنبؤ بقيمة المخرجات، و تستند في تعلمها إلى “الإقتداء” على غرار الطريقة التي يتعلم بها البشر من آبائنا و معلمينا و أقراننا، من 3 طبقات: “طبقة إدخال” و “الطبقات المخفية” و “طبقة الإخراج”.  إحدى نتائج هذه التقنية، كان، إصدار مختبر الأبحاث “OpenAI” في عام 2020 النموذج اللغوي المدرب المسمى “GPT-3” و الذي يعتبر الشبكة العصبية “الأكثر تعقيدا” على الإطلاق.

(يتبع)

شاب مغربي، محب للتقنية بصفة عامة، وخاصة العاب الحاسوب و الهاتف النقال، كما اعمل كمترجم و صحفي في الشأنين الإقتصادي و العالمي.