أجرى الحوار د. محمد سويلم
نستكشف مع د. عدنان قاسم في قسم من حوار ثري شكل السوق التجاري في جدة إبان حقبة الثمانينات والتسعينات، يستعرض لنا خبير التسويق خلالها تقنياته المبتكرة آنذاك، وركائز ابتكاره لمنتجات قوية بقدرة تنافسية غير مسبوقة، ورؤيته في اختيار ملامح كل فكرة أراد أن يدشن لها قاعدة جماهيرية مدروسة بعناية، فضلاً عن نصائح تفيد كل مستثمر يود خوض غمار التجربة.
لاستعراض الجزء الأول [رابط ١]
الجزء الثاني من الحوار [رابط ٢]
1- سوق الجنوبية.. شارع بن زقر.. جدة.. بحكم نشأتكم في المملكة وتخصصكم الثري في علم التسويق، كيف بدأت حركة التجارة في تلك المنطقة؟ وكيف وصل التخصص فيه إلى ذروته متمثلاً في المنتجات الإلكترونية المعقدة؟
سوق الجنوبية بجدة لم يكن مجرد منطقة تجارية عادية؛ بل كان نقطة محورية ومركزًا نابضًا بالحياة التجارية في جدة والمملكة بأسرها، وخصوصًا في مجال السلع الكهربائية والإلكترونية.
بدأت الحركة فيه من سوق (شارع بن زقر) العريق الكائن في منطقة البلد، الذي كان بمثابة النواة الأولى. ثم امتد هذا النشاط التجاري ليتوسع ويشمل سوق الجنوبية، مستفيدًا من موقع جدة المتميز كمدينة ساحلية ومنفذ رئيسي للمملكة. في بداياته، عُرف السوق بأنه سوق مركز حيوي يجمع تجار الجملة والتجزئة، حيث كان بمثابة الشريان الذي يغذي تقريبًا جميع مناطق السعودية، فكان المستهلك النهائي والموزع يجدان فيه كل احتياجاتهما من الأدوات الكهربائية والإلكترونيات.
وصل التخصص في هذه المنتجات إلى ذروته بفضل الخبرة المتراكمة للتجار في تلبية احتياجات السوق، وتبنيهم نظام تسويق مباشر ومرن. كما ساهمت جرأتهم في استيراد أحدث المنتجات الكهربائية والإلكترونية في تعزيز ريادة السوق.
لذا كان يعتبر سوق الجنوبية نموذجًا للسوق الحركي المتدفق بالمنتجات ، حيث قادت المنافسة الشديدة وسرعة الاستجابة لمتطلبات السوق إلى مكانته الرائدة .
2- كيف كانت تنشأ فكرة المشروع لديكم سواء في صورة جهاز أو وسيلة أخرى؟
•فكرة المشروع لدينا لم تكن تنشأ بمعزل عن واقع السوق؛ بل كانت دومًا تنبع من تطلعنا المستمر لكيفية تلبية احتياجات السوق المتغيرة.ولكن كيف ؟
كنا نراقب عن كثب:
•الطلب المتزايد:نلاحظ أي نقص أو فجوة في المنتجات التقنية المتوفرة، خاصة تلك المتعلقة بالتعليم أو الألعاب باللغة العربية.
•التقنيات الجديدة: نتابع التطورات في الأسواق الآسيوية، وخاصة التايوانية، حيث لم يكن أوان المنتجات الصينية قد حان بعد. كنا نبحث عن أي تقنيات ناشئة يمكن تكييفها لخدمة المستخدم العربي.
•المشكلات التي يواجهها المستهلك:نحاول فهم الصعوبات التي يواجهها الأفراد أو الأسر في استخدام التقنيات الأجنبية، ونفكر في حلول عربية مبسطة.
من خلال هذا الرصد ، كانت الأفكار تتشكل. قد تبدأ كحاجة بسيطة، ثم تتحول إلى تصور لجهاز أو برنامج يمكن أن يحل هذه الحاجة بطريقة مبتكرة ومناسبة للسوق المحلي. لم يكن الأمر يتعلق بخلق منتج ثم البحث عن سوق له، بل كان العكس: السوق واحتياجاته كانت هي المحرك الأساسي لتوليد أفكار مشاريعنا،كما هو معلوم في مبادئ التسويق ، سواء كانت أجهزة إلكترونية أو وسائل برمجية
3- في غمار سوق وليد مليء بالمغامرة.. كيف كان يتم إعداد دراسة الجدوى وقتها؟ هل كان قراركم يعتمد بشكل أساسي على ملاحظة حالة السوق أم بتجارب السابقين متمثلة في رواج أو فشل منتجات بعينها؟
في غمار سوق كان لا يزال في طور التشكّل ومليئًا بالمغامرات مثل سوقنا في تلك الحقبة، لم تكن دراسات الجدوى تُعدّ بالصيغ العلمية المعقدة التي نعرفها اليوم. بدلًا من ذلك، كان قرارنا يعتمد بشكل أساسي على ملاحظة دقيقة ومستمرة لحالة السوق، جنبًا إلى جنب مع التعلم من تجارب المنتجات السابقة، سواء تلك التي حققت رواجًا أو فشلت.
إليك كيف كنا نُعِدُّ “دراسة الجدوى” لدينا، إن صح التعبير، في تلك الفترة:
•الملاحظة المباشرة للسوق:كانت الملاحظة الميدانية هي عماد عملنا. نُمضي وقتًا طويلًا في الأسواق، خاصةً سوق الجنوبية وشارع بن زقر بجدة، لنلمس بأيدينا احتياجات المستهلكين الحقيقية. نراقب المنتجات المتوفرة، ونستمع إلى تعليقات التجار والمشترين، ونلاحظ أي فجوات في العرض أو طلبات غير ملباة. هذا كان أشبه بدراسة جدوى “حية” تُجرى على أرض الواقع.
•تجارب المنتجات السابقة:كانت تجارب المنتجات الأخرى، سواء المنافسة أو الشبيهة، بمثابة مختبرنا الكبير. إذا لاحظنا رواجًا لمنتج معين (مثل أتاري ومن ثم نينتندو (FAMICOM)، وكذلك لاحقًا كمبيوتر صخر التعليمي)، نحلل أسباب نجاحه بطريقتنا: ما هي ميزاته؟ كيف سُوّق؟ ما هي الشريحة التي يستهدفها؟ والعكس صحيح: إذا فشل منتج ما، نحاول فهم أسباب الفشل لتجنبها. هذا التعلم من تجارب الآخرين كان يوفر علينا الكثير من الجهد والمخاطر.
•المرونة والقدرة على التكيّف:لم نكن نعتمد على خطط جامدة. طبيعة السوق المتغيرة كانت تتطلب مرونة عالية وقدرة سريعة على التكيّف. إذا أطلقنا منتجًا ولم يحقق النجاح المتوقع، كنا مستعدين لتعديل استراتيجيتنا بسرعة أو حتى إصلاح المنتج على نفقتنا إذا لزم الأمر، والتوجه نحو فرص جديدة. كانت “دراسة الجدوى” لدينا أشبه بعملية مستمرة من التقييم والتعديل، لا وثيقة تُعدّ لمرة واحدة.
•المغامرة المحسوبة والحدس:نظرًا للطبيعة البكر للسوق، كان هناك عنصر من المغامرة المحسوبة والحدس التجاري. بناءً على خبرتنا المتراكمة في السوق وقدرتنا على استشراف الاتجاهات المستقبلية، كنا نتخذ قرارات جريئة أحيانًا لانتاج أو تطوير منتجات جديدة، حتى لو لم يكن هناك دليل قاطع على نجاحها في البداية.
باختصار، كانت دراسة الجدوى لدينا مزيجًا من الملاحظة الميدانية المكثفة، والتحليل العميق لتجارب السوق (نجاحًا وفشلًا)، والمرونة التشغيلية، والحدس التجاري المدعوم بالخبرة. هذا المنهج العملي كان مفتاح النجاح في سوق متقلب وواعد في آن واحد.
4- شهدنا جميعنا جودة منتجاتكم التي لم تعتمد على مجرد حلول جاهزة مستوردة من شرق آسيا، بل كانت إصدارات مخصصة Customized للسوق السعودي بما يتناسب مع هوية المستهلك..
وبحسب خبرتي المحدودة بمجال الإلكترونيات وتقنيات تصنيعها والبرمجيات، لا يخفى حجم الجهد المبذول من جانبكم في تصميم اللوحات الإلكترونية وتطوير البرامج بما يتماشى مع الإطار العام لخطتكم التسويقية بمروركم عبر مراحل عديدة ومعقدة وصولاً للمنتج النهائي..
ألا تحمل تلك المشروعات طابع مخاطرة عالية المستوى؟ وكيف كانت خطتكم للسيطرة على مراحل الإنتاج المختلفة وتقليل الهدر فيما بينها؟
سؤالك يلامس جوهر التحدي في عملنا. نعم، ما ذكرته دقيق جدًا؛ منتجاتنا لم تكن مجرد حلول جاهزة مستوردة. كنا نسعى لتقديم إصدارات مخصصة (Customized) للسوق السعودي لتناسب هوية المستهلك، وهذا تطلّب بالفعل جهدًا هائلاً في تصميم اللوحات الإلكترونية وتطوير البرامج.
لا يخفى أن هذه المشروعات كانت تحمل طابع مخاطرة عالية المستوى، وذلك لعدة أسباب:
•الاستثمار الأولي الكبير:تخصيص المنتجات يتطلب استثمارًا كبيرًا في البحث والتطوير، وتصميم القوالب، وتعديل البرمجيات، مما يزيد من التكلفة الأساسية للمشروع.
•تعقيد سلسلة الإنتاج:التحكم في التصنيع يتطلب التنسيق مع مصانع تايوانية لضمان تنفيذ التعديلات المطلوبة على اللوحات الإلكترونية (Hardware) والبرمجيات (Software)، وهذا يزيد من احتمالية الأخطاء والتأخير.
•المخاطر الفنية والمالية: أي خطأ في التصميم أو التنفيذ يمكن أن يؤدي إلى هدر كبير في المواد والوقت، ويستلزم إعادة دورة الإنتاج، مما يترتب عليه خسائر مالية فادحة .
•حداثة السوق:كون السوق في السعودية كان ناشئًا لهذه المنتجات المخصصة، لم تكن هناك بيانات تاريخية كافية لتقييم حجم الطلب بدقة، مما يزيد من مخاطر عدم تحقيق المبيعات المتوقعة.
رغم هذه المخاطر، كان لدينا نهج عملي للسيطرة على مراحل الإنتاج وتقليل الهدر، يعتمد على:
- الإشراف المباشر والمكثف:كنا نؤمن بضرورة الإشراف الشخصي والمباشر على عملية التصنيع. كنت شخصيا أسافر إلى تايوان برحلات مكوكية لمتابعة مراحل الإنتاج خطوة بخطوة، وخاصة فما يتعلق بالبرمجيات العربية . هذا الوجود الفعلي سمح لنا بتحديد المشكلات فور ظهورها وتصحيحها على الفور.
- الخبرة الفنية الداخلية:امتلاكنا لفريق ذي خبرة عالية في الإلكترونيات والبرمجياتفي تايوان والصين لاحقا ، مكننا من فهم التفاصيل التقنية الدقيقة للمنتج. هذا الفهم العميق سمح لنا بوضع مواصفات دقيقة للمصنعين، والتعامل بفعالية مع أي تحديات هندسية أو برمجية تظهر خلال التصنيع.
- التعاون الوثيق مع المصانع:لم يكن تعاملنا مع المصانع مجرد علاقة مورد-عميل، بل كنا نُقيم شراكة وثيقة مبنية على الثقة والتعاون. هذا سمح بتبادل الخبرات والمعلومات بسلاسة، مما قلل من سوء الفهم والأخطاء.
- الاختبارات المتكررة والدقيقة:بعد كل مرحلة من مراحل الإنتاج، كانت تُجرى اختبارات صارمة ودقيقةمن قبل الفريق التايواني على عينات من المنتج. هذه الاختبارات لم تكن مقتصرة على جودة التصنيع المادي، بل امتدت لتشمل أداء البرمجيات، توافقها مع المكونات، وسهولة الاستخدام. أي خلل كان يُعاد تصميمه أو تصنيعه.
- المرونة في كميات الإنتاج الأولية:في البداية، كنا نتعامل بحذر من خلال طلب كميات إنتاج أولية محدودة (Batch Production) . هذا سمح لنا بتقييم المنتج في السوق الفعلي وتلقي الملاحظات قبل الدخول في الإنتاج الكمي الكبير، مما قلل من حجم الهدر المحتمل في حال وجود مشاكل غير مكتشفة.
- التركيز على التفاصيل الدقيقة:إيمانًا منا بأن الجودة تكمن في التفاصيل، كنا نولي اهتمامًا بالغًا حتى لأصغر المكونات في اللوحة الإلكترونية وأدق سطور الشفرة البرمجية، لضمان منتج نهائي خالٍ من العيوب قدر الإمكان.
باختصار، كانت خطتنا تعتمد على المتابعة اللصيقة، والخبرة المتعمقة، والعلاقات القوية مع الشركاء، والاختبار المستمر، وروح المغامرة المحسوبة، كل ذلك ضمن إطار استراتيجي يهدف إلى تقليل المخاطر وتحقيق الجودة المطلوبة لمنتج يتناسب مع تطلعات المستهلك السعودي.
5- قيمة مقابل السعر.. ابتكار.. جودة.. ما هو السر التجاري الذي تعتبرونه مؤثرًا بشكل كبير في تعزيز القيمة التنافسية لمنتجاتكم آنذاك؟ وهل كان تعريب الألعاب وكسر حاجز اللغة أحد تلك الأدوات؟
سؤالك هو بيت القصيد لاستراتيجيتنا في سوق يتسم بالمنافسة الشديدة؛ فبناء قيمة تنافسية قوية لمنتجاتنا كان أمرًا حاسمًا. السر التجاري الذي نعتبره مؤثرًا بشكل كبير في تعزيز هذه القيمة آنذاك يكمن في ثلاثة محاور رئيسية، وكان تعريب الألعاب وكسر حاجز اللغة بالتأكيد أحد أقواها:
1. القيمة مقابل السعر (Value for Money):لم نركز على تقديم أرخص المنتجات، بل سعينا لتقديم أفضل قيمة ممكنة مقابل السعر المدفوع. هذا يعني أن منتجاتنا كانت تتميز بجودة مقبولة وموثوقية في الأداء إلى حد ما ، ولكن بأسعار في متناول شريحة واسعة من المستهلكين. كان التوازن بين الجودة والتكلفة هو مفتاح جذب العملاء في سوق حساس للأسعار.
2. التعريب والتخصيص (Localization & Customization):كان هذا هو الركن الأساسي والأكثر تأثيرًا في تعزيز قيمتنا التنافسية. في الوقت الذي كانت فيه معظم المنتجات الإلكترونية والبرمجيات قادمة باللغة الإنجليزية أو الصينية أو اليابانية، كنا نحن نقدم منتجات مخصصة بالكامل للسوق السعودي والعربي.
o تعريب الألعاب: لم يكن مجرد ترجمة، بل كان يتضمن تعديل الرسومات والنصوص لتناسب الثقافة العربية ، وابتكار أسماء شخصيات عربية ، مما خلق تجربة تفاعلية وشخصية لا تتوفر في المنتجات المستوردة.
o كسر حاجز اللغة: قدمنا أجهزة ناطقة وبرامج تعليمية باللغة العربية، مما فتح آفاقًا جديدة للأطفال والأسر الذين كانوا يجدون صعوبة في التعامل مع التقنية الأجنبية. هذا الجانب وحده منح منتجاتنا ميزة فريدة يصعب على المنافسين التقليديين في تلك الفترة محاكاتها بسهولة.
3. الابتكار في التوظيف والحلول (Innovative Application): لم يكن ابتكارنا يقتصر على المنتج نفسه، بل امتد إلى كيفية توظيف التكنولوجيا المتاحة لخدمة احتياجات محلية. على سبيل المثال:
• إنشاء قاموس جيب إلكتروني ثنائي اللغة يعالج مشكلة شائعة.
• تقديم أجهزة تعليمية تتجاوز مجرد التسلية إلى التعليم الهادف باللغة الأم.
• ساعة مواقيت الصلوات (يدوية وطاولة).
• مفكرة المسلم الإلكترونية التي تجمع بين التنظيم والمحتوى الديني.
باختصار، سرنا التجاري كان يكمن في تقديم قيمة ممتازة بسعر تنافسي، مع التركيز بشكل خاص على التعريب والتخصيص العميق للمنتجات، مما كسر حاجز اللغة والثقافة ولبى احتياجات لم يكن المنافسون قادرين على تلبيتها بنفس الفعالية. هذا المزيج سمح لنا ببناء ولاء قوي لدى العملاء وتوسيع حصتنا السوقية في ذلك الوقت.
6- تايوان وشركة رامار الدولية (رينكو).. ما هو سر اختياركم لتايوان بالتحديد رغم وجود عروض أخرى للتصنيع في كوريا وسنغافورة والصين والفلبين؟
كان اختيارنا لتايوان، وتحديدًا شركة رامار الدولية (رينكو)، لعمليات التصنيع في تلك الفترة استراتيجياً للغاية، ولم يكن قرارًا عشوائيًا رغم توفر عروض من دول أخرى مثل كوريا، سنغافورة، الصين، والفلبين. السر وراء هذا الاختيار يكمن في عدة عوامل جوهرية كانت تايوان تتفوق فيها آنذاك:
1. الخبرة المتخصصة في أجهزة 8-بت: في تلك الحقبة (أواخر الثمانينات وبداية التسعينات)، كانت تايوان رائدة عالميًا في تصنيع وتطوير الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وخاصةً في مجال أجهزة 8-بت مثل أجهزة الألعاب المنزلية (Famicom clones) والكمبيوترات التعليمية. كانت لديها الخبرة الفنية والبنية التحتية المتخصصة في هذا القطاع بالتحديد، وهو ما كنا نبحث عنه.
2. المرونة وسرعة الاستجابة للمشاريع المخصصة (Customization): على عكس بعض الدول الأخرى التي كانت تركز على الإنتاج الضخم للمنتجات القياسية، أظهرت المصانع التايوانية – ومنها رامار الدولية -Ramar International Co.Ltd.مرونة عالية وقدرة ممتازة على التكيف مع متطلباتنا الخاصة. كنا نحتاج إلى تعديلات جذرية على اللوحات الأم (Hardware) والبرامج الثابتة (Firmware) لتعريب الأجهزة وتخصيصها للسوق العربي، وتايوان كانت مستعدة وقادرة على تلبية هذه المتطلبات المعقدة بكفاءة.
3. جودة التصنيع الموثوقة: بالرغم من أن الصين كانت بدأت تظهر كبديل محتمل، إلا أن الجودة في تايوان كانت تُعتبر أكثر موثوقية واستقرارًا في ذلك الوقت. كنا نبحث عن شريك يضمن لنا جودة تصنيع عالية لمنتجاتنا المخصصة لتجنب مشاكل ما بعد البيع ، أما الدول الآسيوية الأخرى فكانوايميلون نحو الإنتاج بكميات أكبر وبتكاليف أعلى.
4. الاستعداد للتعاون التقني (Technical Collaboration): لم يقتصر الأمر على التصنيع فقط، بل كنا نحتاج إلى تعاون تقني حقيقي. المصانع التايوانية كانت أكثر انفتاحًا على العمل معنا جنبًا إلى جنب في مرحلتي البحث والتطوير، مما سمح لنا بتقديم منتج متكامل يتناسب مع رؤيتنا.
5. التكلفة التنافسية (Competitive Cost) مع الحفاظ على الجودة: مقارنة بدول الآسيوية الأخرى وخاصة اليابان وكوريا ، كانت تايوان تقدم مزيجًا ممتازًا من الجودة العالية والخبرة التقنية بأسعار تنافسية جدًا، مما كان يتناسب مع استراتيجيتنا لتقديم منتجات بأسعار معقولة للسوق العربي.
لذا، كان اختيار تايوان ورامار الدولية Ramar International Co.Ltdمبنيًا على علاقة متينة جمعتنا لأكثر من عقدين من الزمن. هذه العلاقة تميزت بالخبرة المتخصصة في أجهزة 8-بت، والمرونة في التخصيص، والجودة الموثوقة، والاستعداد للتعاون التقني، كل ذلك بأسعار تنافسية. هذا المزيج الفريد جعلها الخيار الأمثل لتحقيق طموحاتنا في تلك الفترة .
7- سمعنا من أحد قدامى المطورين في تايوان عن علاقتكم الطيبة برئيس شركة رامار الدولية (رينكو)، الأستاذ لاري وومي شينغ كما تبين من اسمه في الجهاز الناطق كمنتج للعبة بروس لي LARRY WU.. هل لنا أن تحدثنا عن هذه الشخصية الفريدة؟
نعم، ما سمعتموه صحيح تمامًا. علاقتي بالسيد Larry – Wu Mei Ching، رئيس شركة Ramar Internation Co., Ltd (RINCO)، بدأت بالفعل من بداية الثمانينات، وكانت علاقة مميزة جدًا. بالنسبة لي، لم يكن مجرد شريك عمل، بل كان أستاذًا وملهمًا بحق.
كان لاري وو Larry Wu يتميز بصفات فريدة جعلت العمل معه تجربة استثنائية:
•الإبداعية والرؤية: كان شخصًا مبدعًا للغاية ولديه نظرة ثاقبة للأسواق الناشئة. لم يخشَ استكشاف أفكار جديدة أو الاستثمار في تعديلات مخصصة لمنتجاته، وهو ما كان ضروريًا لنجاح مشاريعنا خاصة في تعريب الأجهزة والبرامج.
•الإخلاص في العمل: كان ملتزمًا جدًا بالجودة والمواعيد. عندما يعطي وعدًا، يمكنك الاعتماد عليه لتنفيذه بأقصى درجات الإتقان، وهذا هو أساس أي شراكة ناجحة، خاصة في مجال يتسم بالتعقيد التقني.
•المرونة والدعم: كان مستعدًا دائمًا للاستماع إلى أفكارنا، وتقديم الدعم الفني اللازم، والبحث عن حلول للتحديات التي تواجهنا في عملية التخصيص والتعريب. هذه المرونة والدعم جعلا التعاون معه سلسًا ومثمرًا للغاية.
•الثقة المتبادلة: بنيت علاقتنا على أساس قوي من الثقة المتبادلة. هذه الثقة مكنتنا من تجاوز العديد من العقبات والتحديات التي قد تواجه أي علاقة عمل طويلة الأمد.
•كان لاري وو Larry Wu شريكًا بكل معنى الكلمة، وساهم بشكل كبير في قدرتنا على تقديم منتجات مبتكرة ومخصصة للسوق العربي. ورود اسمه كمنتج للعبة بروس ليBruce Lee في الجهاز الناطق ما هو إلا شهادة بسيطة على عمق علاقته بتلك المشاريع وحضوره المؤثر فيها .
8- على مستوى البرمجيات وضمان جودة التنفيذ Quality Assurance في غياب وسائل الاتصال المباشرة وقتها.. كم مرة تطلب ذلك تواجدكم شخصيًا في تايوان؟ وهل كانت لزياراتكم المتكررة هناك دور في ابتكار أفكار جديدة لمنتجاتكم؟
بالفعل، في ظل غياب وسائل الاتصال المباشرة الفعّالة التي نعرفها اليوم، كان ضمان جودة البرمجيات وتنفيذها (QA) تحديًا كبيرًا يتطلب منهجية مختلفة تمامًا. وكما ذكرت سابقًا، رحلاتي إلى تايوان، ومن بعدها الصين، كانت تتسم بالمكوكية، وهي لم تكن مجرد زيارات روتينية، بل كانت ضرورة حتمية لتحقيق أهدافنا.
عدد الزيارات ودورها في ضمان الجودة (QA):
لم يكن هناك عدد محدد للزيارات؛ فكل مشروع، وكل مرحلة من مراحل التطوير، كانت تتطلب تواجدًا شخصيًا. يمكن القول إننا كنا نسافر عدة مرات لكل مشروع رئيسي، وأحيانًا بشكل متكرر خلال المراحل الحرجة مثل:
•وضع المواصفات الأولية: للتأكد من فهم المصنعين لرؤيتنا بدقة.
•مراجعة النماذج الأولية (Prototypes): لاكتشاف الأخطاء وتعديلها في أقرب وقت ممكن.
•متابعة الإنتاج التجريبي: لضمان أن عملية التصنيع الكمي ستتم بالجودة المطلوبة.
دور الزيارات المتكررة في ابتكار أفكار جديدة:
بالتأكيد، كانت لزياراتنا المتكررة هناك دور محوري في ابتكار أفكار جديدة لمنتجاتنا. لم نكن نذهب فقط لمتابعة الإنتاج، بل كانت هذه الزيارات بمثابة نافذة على عالم التكنولوجيا المتطور في تايوان تحديدا . من خلالها:
•الاطلاع على أحدث التقنيات: كنا نرى أحدث الشرائح الإلكترونية، والنماذج الأولية للأجهزة، والتقنيات قيد التطوير. هذا الاطلاع المباشر كان يغذي أفكارنا حول المنتجات المستقبلية الميادين التي يمكننا دخولها.
•فهم عمق التصنيع: التعمق في عمليات التصنيع سمح لنا بفهم أفضل للقيود والإمكانيات، مما ألهمنا طرقًا جديدة لتصميم المنتجات بشكل أكثر كفاءة وابتكارًا.
الجلوس مع الفرق التقنية: كان الجلوس المباشر مع فريقنا التايواني أو الصيني وغيرهم من الشركات المتعاونة أساسيًا. هذه الجلسات فتحت لنا أبوابًا لمناقشات تقنية عميقة، وغالبًا ما كانت تُفضي إلى أفكار جديدة لمنتجات يمكن تطويرها أو تعديلها لتناسب احتياجات السوق العربي .
باختصار، كانت رحلاتنا المكوكية إلى تايوان والصين حجر الزاوية في استراتيجيتنا لضمان الجودة، وفي الوقت نفسه، كانت بمثابة مصدر إلهام لا ينضب لابتكار وتطوير منتجاتنا.
9- في ظل سوق ناشئ، كانت لأفكاركم الثورية ونجاحها أصداء ملهمة للكثيرين، ولاحظنا إصدارات رديئة من منافسين تحاول تقليد ما صنعتموه.. هل شكّل تفوق منتجاتكم من كافة النواحي الفنية والتقنية عقبة أمام التقليد الأعمى؟ وما هي وسائل الحماية الأخرى التي ساهمت في حفظ العلامة التجارية (رينكو والصقر(؟
بالتأكيد، في ظل سوق ناشئ ومتنامٍ مثل ذلك الذي عملنا فيه، كان من الطبيعي أن تظهر محاولات للتقليد الأعمى للمنتجات الناجحة. لقد شكل التفوق الفني والتقني لمنتجاتنا عقبة حقيقية أمام هذا التقليد الرديء، ولكن الأمر لم يقتصر على ذلك؛ فقد كانت لدينا وسائل حماية أخرى ساهمت في حفظ علامتنا التجارية (رينكو والصقر) ومكانتنا.
التفوق الفني والتقني كحاجز ضد التقليد الأعمى:
•التعقيد الهندسي والبرمجي: منتجاتنا، خاصة الأجهزة المعرّبة والمخصصة مثل الأجهزة الناطقة، لم تكن آنذاك مجرد تجميع لقطع جاهزة. لقد تطلبت تصميمًا دقيقًا للوحات الإلكترونية (Hardware) وبرمجة متقدمةFirmware و Softwareلدمج اللغة العربية والمحتوى الثقافي. هذا التعقيد جعل التقليد السطحي صعبًا ومكلفًا على المنافسين الأقل خبرة في تلك الفترة.
•ضمان الجودة (QA): نظام ضمان الجودة الصارم الذي اتبعناه، والذي تضمن الإشراف المباشر والرحلات المكوكية لمصانع التصنيع، ضمن أن منتجاتنا كانت ذات جودة عالية وموثوقية في الأداء بمقاييس تلك الفترة . المنتجات المقلدة غالبًا ما كانت تفشل في محاكاة هذه الجودة، مما أثر على سمعتها.
•الاستمرارية في الابتكار: لم نتوقف عند منتج واحد. كنا نعمل باستمرار على تطوير وتحسين منتجاتنا وتقديم ميزات جديدة، مما جعل من الصعب على المقلدين اللحاق بالركب والحفاظ على نفس مستوى الابتكار.
•التحسين المستمر للأداء: حتى في نفس المنتج، كنا نسعى لتحسين الأداء الفني، سرعة المعالجة، ووضوح الصوت، مما خلق فجوة نوعية بين منتجاتنا والتقليد الرخيص الذي كان غالبًا ما يعاني من مشكلات فنية واضحة.
وسائل الحماية الأخرى للعلامة التجارية (رينكو والصقر):
إلى جانب التفوق التقني، اعتمدنا على عدة وسائل لحماية علامتنا التجارية:
1.تسجيل العلامة التجارية وحقوق الملكية الفكرية:قمنا بتسجيل علاماتنا التجارية رينكو والصقربشكل قانوني في الأسواق التي نعمل بها. هذا التسجيل منحنا الحماية القانونية اللازمة لمقاضاة المقلدين والموزعين لمنتجاتهم.
2.التعبئة والتغليف الاحترافية:استثمرنا في تصميم أغلفة وتعبئة ذات جودة عالية ومميزة بمقاييس تلك الفترة ، مما جعل منتجاتنا سهلة التمييز عن التقليد الرديء الذي غالبًا ما كان يأتي بتعبئة بسيطة وغير احترافية. كانت التعبئة بمثابة “بطاقة تعريف” لمنتجنا الأصلي.
3.بناء سمعة قوية في السوق:على مدار سنوات، بنينا سمعة ممتازة لمنتجاتنا في السوق السعودي والعربي كمنتجات موثوقة وعالية الجودة إلى حد ما وذات قيمة تعليمية وترفيهية حقيقية. هذه السمعة كانت حصنًا ضد المنتجات المقلدة؛ فالمستهلك كان يثق في اسمنا ويُفرق بين الأصلي والتقليد بناءً على التجربة والجودة.
4.الصيانة ما بعد البيع:كانت هذه نقطة قوة حاسمة في تعزيز ثقة المستهلك وحماية علامتنا التجارية. مهما كانت كمية المنتجات أو مكانها في المملكة، كنا نلتزم بإصلاح العطل المصنعي مجانًا ، حيث كان لدينا “مركز رينكو للصيانة” بمدينة جدة ، الذي قدم دعمًا فنيًا ممتازًا، وقمنا أيضًا بالتعاون مع متعهد صيانة في القاهرة لصيانة أجهزتنا. وقد أكد هذا للمستهلك أن منتجنا ليس مجرد عملية بيع، بل هو التزام بالجودة والدعم طويل الأمد.
باختصار، كانت استراتيجيتنا لحماية علامتنا التجارية تعتمد على مزيج من التفوق الهندسي والبرمجي الذي يصعب تقليده، والحماية القانونية، والتسويق الاحترافي، وبناء سمعة راسخة مبنية على الجودة والقيمة، بالإضافة إلى خدمة الصيانة الممتازة ما بعد البيع، مما جعل منتجاتنا متميزة وصعبة المنافسة عليها بالتقليد الأعمى.
10- حاليًا في ظل حالة تشبع السوق بمختلف المنتجات، وعوامل أخرى مثل التضخم وتآكل القدرة الشرائية، وانتشار ممارسات غير مهنية في التسويق المضلل، مثل بناء سمعة وهمية لمنتج ما بناءً على حسابات وهمية بمواقع التواصل الاجتماعي، وبث الإشاعات عن المنافسين لعجز البعض عن سد فجوة كبيرة في قدراتهم الإنتاجية.. بم تنصح المستثمر الذي ينوي خوض غمار التحدي وسط عواصف التقلبات الاقتصادية والأخلاقية خاصة إذا ما اقترن ذلك بمنتجات تعتمد على الابتكار والإبداع؟
نصيحتي وخاصة الشباب ، إن كنتم تهدفون إلى خوض غمار الاستثمار في السوق الراهن، خاصة مع منتجات أو خدمات تعتمد على الابتكار والإبداع، فإن المسيرة قد لا تكون سهلة، لكنها ليست مستحيلة. فالسوق اليوم يتسم بالتشبع، وتتآكل فيه القدرة الشرائية بفعل التضخم، وتنتشر فيه ممارسات تسويقية مضللة كبناء سمعة وهمية عبر وسائل التواصل أو بث الإشاعات عن المنافسين.
لكن لدي نصيحة لكم لتمكينكم من تجاوز هذه التحديات:
1. التركيز على القيمة الحقيقية والجودة الفائقة:
• دعونا لا نبتكر لمجرد الابتكار
عندما نفكر في أي فكرة جديدةفالأهم أن نحدد مشكلة حقيقية يواجهها المستهلكون، ونقدم لها حلًا عمليًا ومبتكرًا. صدقوني، أي منتج أو خدمة تقدم قيمة ملموسة وتفيد الناس بصدق، هي التي تصمد وتستمر في أي ظروف صعبة. والسوق اليوم للأسف يعج بالكثير من المنتجات المتواضعة أو المقلدة؛ لهذا السبب، ستكون الجودة الفائقة رهانكم الرابح دائمًا. ابذلوا قصارى جهدكم لضمان جودة منتجاتكم وخدماتكم في كل تفصيلة، فالجودة هي التي تبني الثقة والولاء بينكم وبين عملائكم، وهي حصن لا يمكن لأي تضليل أو إعلانات وهمية أن تهزه.
oمثال بسيط (في سياق تعلم اللغة الإنجليزية):
تخيلوا أنكم لاحظتم أن العديد من متعلمي اللغة الإنجليزية في عالمنا العربي يواجهون صعوبة في النطق الصحيح، وأن معظم تطبيقات تعلم اللغة تركز على القواعد والمفردات دون تقديم تدريب كافٍ على النطق والتصحيح الفوري. هنا، بدلًا من إنشاء تطبيق قاموس آخر أو تطبيق قواعد ممل، يمكنكم ابتكار فكرة ذكية: تطبيق لتعليم النطق الإنجليزي يعتمد على تقنية التعرف على الصوت المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
في هذا المثال، أنتم لا تنشئون أي تطبيق وحسب، بل تسدون فجوة كبيرة ومهمة جدًا، وتوفرون حلًا حقيقيًا لمشكلة يعاني منها كثيرون، وهذا ما يمنح منتجكم قيمة حقيقية وقوية ز
2. بناء علامة تجارية أصيلة وموثوقة:
في عصر يكثر فيه التضليل التسويقي، كونوا شفافين وصادقين في كل تواصلكم. فسمعة الشركات الوهمية سرعان ما تتهاوى. ركزوا على بناء علاقة قائمة على الثقة مع جمهوركم. اسردوا قصة حقيقية وملهمة حول منتجكم وقيمه؛ فالمستهلكون يبحثون عن المنتجات التي تحمل روحًا وهدفًا. اجعلوا خدمة العملاء استثنائية؛ فالدعم المتميز بعد البيع يمكن أن يكون العامل الحاسم في كسب ولاء العملاء والتوصيات الشفهية التي لا تُقدّر بثمن.
oمثال بسيط:
لنفترض أنكم تطلقون برمجية أمان إلكتروني (مثل برنامج مكافحة الفيروسات أو أمن المعلومات). بدلًا من مجرد الترويج لبرمجيتكم بأنها “الأقوى” أو “الأسرع” دون دليل، ابنوا علامتكم التجارية على الأصالة والثقة:
•الشفافية: كونوا صريحين بشأن كيفية عمل البرمجية، وما هي أنواع التهديدات التي تعالجها، وأي قيود قد تكون موجودة. يمكنكم مشاركة تقارير أداء مستقلة، أو عرض كيف يتم تحديث قاعدة بيانات التهديدات لديكم باستمرار، ليطمئن المستخدم.
•القصة الحقيقية: احكوا قصة شغفكم بحماية بيانات المستخدمين، وكيف بدأت فكرتكم من تحدٍ أمني واجهكم شخصيًا، أو من رغبتكم في توفير حلول أمنية موثوقة للأفراد والشركات الصغيرة في عالم رقمي متزايد التعقيد. هذه القصة تضفي بعدًا إنسانيًا على برمجية تقنية.
•خدمة عملاء استثنائية: إذا واجه المستخدم مشكلة تقنية أو شك في وجود تهديد، قدموا له دعمًا فنيًا سريعًا ومتاحًا على مدار الساعة. ساعدوه على حل المشكلة خطوة بخطوة، وقدموا له نصائح وقائية إضافية. هذه اللمسات تجعل المستخدم يشعر بالأمان والدعم، ويتحول إلى مدافع عن برمجيتكم ويوصي بها الآخرين.
بهذه الطريقة، أنتم لا تبيعون مجرد برنامج، بل تبيعون حلًا أمنيًا مبنيًا على الثقة والشفافية والجودة المدعومة بخدمة عملاء لا تُنسى، مما يجعل علامتكم التجارية أصيلة ويصعب تقليدها، ويضمن ولاء المستخدمين في سوق حساس للأمان.
3. تبني استراتيجيات تسويقية ذكية وأخلاقية:
بدلًا من التسويق الصاخب أو المضلل، ركزوا على إنتاج محتوى ذي قيمة يثقف المستهلك ويوضح فوائد منتجكم بشكل حقيقي. ابحثوا عن المؤثرين الحقيقيين الذين يؤمنون بمنتجكم، لا مجرد من يتقاضون أجرًا. فالمصداقية هي الأقوى على المدى الطويل. كونوا يقظين في مراقبة السوق؛ فالوعي بالتغيرات في سلوك المستهلك والتقنيات الناشئة ضروري. المرونة والقدرة على التكيف السريع هما مفتاح الاستمرارية.
oمثال بسيط (تعريب لعبة):
دعونا نتخيل أنكم قمتم بتطوير لعبة فيديو رائعة تعتمد على قصة أو ألغاز مثيرة، وترغبون في تسويقها بنجاح في سوقنا العربي بعد تعريبها بالكامل (نصوص، أصوات، وحتى تعديل العناصر الثقافية بما يتناسب معنا)، مع الحرص الشديد على تجنب أي محتوى يتنافى مع ثقافتنا العربية والإسلامية. هنا، بدلًا من الاعتماد على الإعلانات التقليدية المباشرة أو شراء التفاعلات الوهمية، يمكنكم اتباع هذا النهج:
•ركزوا على المحتوى ذي القيمة: أنشئوا سلسلة من الفيديوهات الجذابة على يوتيوب أو ابدأوا مدونة تستعرض “الكواليس” الشيقة لعملية تعريب اللعبة. أظهروا الصعوبات التي واجهتموها في ترجمة الحوارات الطويلة، وكيف أبدعتم في تكييف بعض الألغاز لتناسب ذائقتنا الثقافية، أو حتى كيف تم اختيار الأصوات العربية المميزة للشخصيات. يمكنكم أيضًا تقديم نصائح وحيل قيّمة داخل اللعبة (Game Guides) التي تُبرز بشكل خاص متعة اللعب باللغة العربية.
•اختاروا المؤثرين الموثوقين: ابحثوا عن صانعي محتوى ألعاب عرب (Gamers/Streamers) لهم شهرة حقيقية ولديهم متابعون مخلصون. أرسلوا لهم نسخًا مجانية من اللعبة المُعرّبة ليلعبوها ويقدموا مراجعاتهم الصادقة. تخيلوا مدى التأثير الهائل عندما يركزون في مراجعاتهم على جودة التعريب، ومدى اندماجهم في القصة بفضل اللغة العربية الفصحى، والأهم من ذلك، تأكيدهم على أن اللعبة تتوافق مع قيمنا الثقافية والدينية. هذا التفاعل الصادق من جمهورهم سيصنع فرقًا كبيرًا.
•راقبوا السوق وكونوا مرنين: كونوا على اطلاع دائم بأحدث الألعاب الرائجة في السوق العربي، وأنواع الألعاب التي يفضلها اللاعبون هنا. إذا ظهرت تعليقات بأن اللاعبين يفضلون لهجة معينة في التعريب، أو يطالبون بإضافة عناصر ثقافية جديدة، فكروا في تحديثات مستقبلية تلبي هذه الرغبات. تابعوا أيضًا ما يفعله منافسوكم في مجال تعريب الألعاب، مع الأخذ في الاعتبار دائمًا معايير التوافق الثقافي والديني في كل خطوة.
بهذا النهج، أنتم لا تبيعون مجرد لعبة، بل تبنون مجتمعًا من اللاعبين العرب الأوفياء الذين يثقون في علامتكم التجارية، لأنكم قدمتم لهم تجربة لعب غامرة بلغتهم الأم، وشاركتوهم الشغف، وتتفاعلون معهم لتلبية احتياجاتهم المتطورة، كل ذلك ضمن إطار قيمنا الثقافية والدينية التي نعتز بها.
4. التفكير في الاستمرارية والنمو المستدام:
لا تركزوا على الربح السريع. في بيئة متقلبة، الاستثمار طويل الأمد وبناء أساس قوي هو الأهم. حافظوا على وتيرة الابتكار؛ فالسوق لا ينتظر. قدموا تحديثات وتطويرات مستمرة لمنتجاتكم للحفاظ على مكانتها وتجاوز المنافسين. ابحثوا عن شراكات استراتيجية يمكنها إضافة قيمة حقيقية لمنتجكم، سواء في التصنيع، التوزيع، أو التطوير التقني، لتوزيع المخاطر وتعزيز القدرات.
في الختام، إن العواصف الاقتصادية والأخلاقية عابرة. وما يبقى هو المنتج ذو القيمة الحقيقية، والعلامة التجارية الموثوقة، والسمعة الطيبة. استثمروا في هذه الأساسيات، وستتمكنون من بناء عمل تجاري يصمد وينمو حتى في أصعب الظروف.