في تطور يعكس حجم التوتر المتزايد بين الحكومة المصرية ومنصات التواصل الاجتماعي، باتت منصة TikTok في مرمى نيران الرقابة بعد إعلان مجلس النواب المصري عن مهلة نهائية تمتد لثلاثة أشهر فقط من أجل “تعديل المحتوى المنشور بما يتوافق مع القيم والأعراف المحلية”. وجاء هذا الإعلان من خلال تصريحات أدلى بها النائب أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، الذي أكد أن القرار جاء عقب تلقي عدد من البلاغات القانونية من محامين مصريين بشأن ما وصفوه بـ”محتوى مخالف” يجتاح المنصة.
هذا التصعيد لم يكن وليد اللحظة، بل جاء تتويجًا لسلسلة من الاجتماعات المكثفة جمعت أعضاء مجلس النواب بالمدير الإقليمي لـ TikTok في مصر وشمال أفريقيا، حيث ناقش الطرفان مستقبل المنصة في السوق المصري، وإمكانية توافق محتواها مع المعايير الثقافية والاجتماعية التي تعتبرها الدولة خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها. وبحسب ما أفاد به بدوي، فإن المكاسب المالية الكبيرة التي تحقّقها بعض صيغ المحتوى المسيء تمثل المحرّك الأساسي لاستمرار هذا النوع من المنشورات، ما يضع المنصة في موقف حساس أمام السلطات الرقابية.
رد الفعل الرسمي لم يتوقف عند مجرد التحذيرات، بل تم دعم هذه التوجهات عبر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، الذي بدأ بالفعل باتخاذ خطوات تنفيذية لتنبيه إدارات المنصات بشأن المحتوى المرفوض، كما أشار بدوي إلى تطبيق القانون على منصات سابقة أُجبرت على تعديل أنظمتها التشغيلية أو تم حظرها بالكامل. من جهة أخرى، شهدت الأيام الأخيرة موجة من الاعتقالات طالت عددًا من المؤثرين على TikTok، بسبب نوعية المحتوى الذي يقدمونه، ما اعتبره البعض تمهيدًا فعليًا لخطة الحظر إذا لم تُنفّذ التعديلات المطلوبة.
رغم هذا التحرك الحكومي الصارم، فإن ردود الفعل الجماهيرية كانت متباينة، إذ يرى بعض المستخدمين أن TikTok يشكل منصة ضرورية لصناع المحتوى الإيجابي والمبتكر، في حين يرى آخرون أن الحظر وحده ليس حلًا كافيًا للحد من الظواهر السلبية المنتشرة عبر المنصة. بل يُفضّل البعض العمل على إطلاق حملات توعية واسعة المدى ترفع من وعي المستخدمين وتمكنهم من تمييز المحتوى القيّم عن الآخر المسيء.
التحديات التي تواجه TikTok داخل مصر تختلف كثيرًا عن تلك التي تصطدم بها المنصة في الولايات المتحدة أو أوروبا، حيث تتركز القضايا هناك على أمن البيانات والخصوصية والمراقبة التقنية، في حين تركز الحكومة المصرية على معايير أخلاقية واجتماعية ترى أنها تتعرض للاختراق المستمر. ويشير مراقبون إلى أن هذه الخطوة قد تشكل بداية مرحلة جديدة في علاقة مصر بالمنصات الرقمية، خصوصًا في ظل فوارق السياسة التحريرية بين النسخة العالمية من TikTok ونظيرتها الصينية المعروفة بـDouyin، والتي تخضع لمعايير صارمة جدًا تتماشى مع قوانين الصين المحلية، ما يطرح تساؤلات عميقة حول كيفية بناء نموذج موحد للمحتوى في بيئات ثقافية وقانونية متباينة جذريًا.
الملف لم يُغلق بعد، لكن بوادره تؤكد أن TikTok أمام مفترق طرق داخل مصر. فإما أن تخضع المنصة لضغوط السلطة وتعيد هيكلة آلياتها بما يتماشى مع المتطلبات المحلية، أو تدخل في مواجهة مفتوحة قد تنتهي بسحبها من المتاجر الرقمية داخل البلاد. لكن السؤال الأكبر يبقى: هل فعلاً يمكن التحكم بمحتوى بهذا الاتساع، أم أن عصر المنصات المفتوحة أقوى من أن يُروض بالقوانين؟