حين يلتقي مطوّر شاب بدأ رحلته بمفرده في أروقة الجامعة بمصمم أسطوري صنع بعضًا من أكثر لحظات الأكشن أيقونية في تاريخ الألعاب، لا يمكن أن يكون الناتج إلا حوارًا مثيرًا حول الماضي والمستقبل. هذا ما حدث بالفعل عندما جمع النقاش بين Felix Schade، مؤسس استوديو Screen Juice، وبين Hideki Kamiya، العقل الإبداعي خلف ألعاب مثل Bayonetta وDevil May Cry وViewtiful Joe. اللقاء كان تحت مظلة الحديث عن مشروع Schade الجديد Morbid Metal، اللعبة التي تنشرها Ubisoft وتَعِد بأن تقدم تجربة أكشن roguelite بمفهوم مختلف تمامًا.
منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أن المشروع ليس مجرد لعبة أكشن عابرة، بل هو خلاصة سنوات من الشغف. Felix بدأ تطويرها أثناء دراسته الجامعية، كفكرة بسيطة عن شخصية قادرة على التحوّل خلال القتال. لكن الفكرة نمت بسرعة مع كل اختبار تقني وتجربة تصميمية، إلى أن تحولت إلى مشروع طموح يقوده اليوم فريق صغير بروح كبيرة. بالنسبة له، لم تكن “Morbid Metal” وسيلة لإثبات نفسه فحسب، بل محاولة لفهم كيف يمكن لجوهر ألعاب الأكشن أن يتطوّر دون أن يفقد تلك “الطاقة الخام” التي جعلت عناوين مثل Ninja Gaiden وDevil May Cry أسطورية.
Felix قالها بوضوح في المقابلة:
“تاريخ الألعاب ليس مجموعة نقاط منفصلة، بل هو خط متصل من الإلهام والابتكار.”
هذه الجملة وحدها تلخّص فلسفة اللعبة. فـ”Morbid Metal” ليست مجرد محاكاة لأسلوب القتال السريع والمركّب، بل محاولة لربط الأجيال لتذكيرنا بأن كل ضربة سيف وكل حركة مراوغة تحمل صدى ماضٍ طويل من التجارب.
Hideki Kamiya، الذي ترك مؤخرًا PlatinumGames ليبدأ مسيرة جديدة مستقلة، نظر إلى مشروع Schade بعين الخبير الذي رأى كل شيء تقريبًا في هذه الصناعة. لكنه رغم ذلك، لم يُخفِ إعجابه بجرأة الشاب الألماني الذي اختار تطوير لعبة أكشن معقدة في وقت أصبحت فيه الشركات الكبرى تميل إلى الآمن والمضمون. Kamiya تحدث عن “العقلية المفقودة” في تصميم الأكشن، تلك التي كانت تسعى دومًا إلى مخاطبة إحساس اللاعب بالتحكم والمهارة، لا فقط إبهاره بالمشاهد أو المؤثرات.
ما جمع الرجلين هو احترام عميق لتاريخ الألعاب، وإيمان مشترك بأن الأكشن الحقيقي لا يُقاس بعدد الانفجارات أو مدى واقعية الجرافيكس، بل بمدى الإحساس الذي تمنحه اللعبة للاعب عندما ينفّذ حركة مثالية في اللحظة المناسبة. هذا الشعور الذي وصفه Kamiya بأنه “الانسجام بين اللاعب والنظام”، هو ما يحاول Felix اليوم إحياؤه بطريقته الخاصة عبر “Morbid Metal”.
تقوم فكرة اللعبة على التحوّل الديناميكي بين أربع شخصيات مختلفة في أثناء المعركة، لكل منها أسلوبها ومهاراتها الخاصة، مما يخلق مزيجًا متواصلًا من الاستراتيجيات والإيقاعات القتالية. لكن الأهم، كما يقول Schade، هو أن “التحوّل” ليس مجرد عنصر بصري أو أسلوب قتال؛ بل هو تمثيل لفكرة التطوّر نفسها — كيف يتعلّم اللاعب من الموت، يعيد المحاولة، ويتحوّل من داخله قبل أن يتحول جسده في اللعبة.
Kamiya وجد في ذلك تشابهًا واضحًا مع الفلسفة التي كان يتّبعها في بداياته داخل Capcom. فقد روى كيف كان تطوير Devil May Cry أشبه بتجربة فنية أكثر منها مشروعًا تجاريًا، وكيف كان الفريق يجرّب بلا خوف أو قوالب جاهزة. بالنسبة له، أكشن اليوم فقد شيئًا من تلك “الروح الجامحة” — تلك التي كانت تجعل المصمم يغامر بمفهوم جديد حتى لو كان غير مألوف. وهنا وجد Felix نفسه متفقًا معه تمامًا، مؤكدًا أن كل محاولة جديدة لا بد أن تمر بمرحلة من الفوضى، لأنها جزء من رحلة الإبداع.
ما يجعل “Morbid Metal” مثيرة للاهتمام أيضًا هو تلك التوليفة الغريبة بين التقنية الحديثة والروح القديمة. فبينما تعتمد اللعبة على تقنيات متقدمة في الإضاءة والذكاء الاصطناعي وسلاسة الانتقال بين الأشكال، فإن فلسفتها التصميمية تبدو متجذّرة في مدرسة الأكشن الكلاسيكية المدرسة التي تضع اللاعب في صميم التجربة، وتمنحه شعور السيطرة الكاملة.
Kamiya تحدث عن هذه النقطة بتأمل، مشيرًا إلى أن التكنولوجيا ليست الهدف، بل الأداة: “في نهاية المطاف، التقنية لا تصنع المتعة. ما يصنعها هو ما تشعر به عندما تدرك أنك أنت من يوجّه الإيقاع.”
هذه الرؤية أثّرت بعمق في Felix، الذي رأى في كلامه تذكيرًا بأن الجيل الجديد من المطورين يجب ألا ينسى أن كل تقدم بصري أو ميكانيكي لا قيمة له إن لم يكن في خدمة إحساس اللاعب.
ورغم أن اللقاء لم يكن نزالًا بين جيلين بقدر ما كان تلاقيًا فكريًا، إلا أنه كشف بوضوح كيف تتغير الصناعة، وكيف تتبدل أولوياتها مع الزمن. في الماضي، كانت الفرق الصغيرة تصنع ألعابًا خالدة بموارد محدودة، بينما اليوم، باتت المشاريع الضخمة تحتاج إلى جيوش من المطورين. ومع ذلك، يبقى الإبداع الفردي — ذلك الشرارة الأولى التي دفعت Felix لتصميم نموذجه الأول — هو ما يجعل هذه الصناعة تنبض بالحياة.
ربما ما يميز Schade عن غيره أنه لا يحاول تقليد Kamiya، بل يسير على خطاه بطريقته. فهو يدرك تمامًا أن السحر لا يكمن في محاكاة أسلوب Bayonetta أو Okami، بل في فهم المنطق العميق الذي جعل تلك الألعاب خالدة. لهذا يؤمن أن “Morbid Metal” ليست لعبة تستعير الماضي، بل لعبة تتحدث معه.
كل من تابع المقابلة خرج بانطباع واحد: أن Felix Schade لا يسعى لأن يكون خليفة أحد، بل أن يثبت أن الجيل الجديد قادر على تقديم أكشن بنفس الصدق والشغف، حتى في زمن يغلب عليه الطابع التجاري. من جانبه، بدا Kamiya متفائلًا بالمستقبل، بل واعتبر أن ظهور مطورين شباب بهذا الفكر دليل على أن الأكشن ما زال حيًا، وأن الخط الممتد من الماضي إلى الحاضر لم ينقطع بعد.
https://x.com/Stealth40k/status/1980608856863473853
إن لقاءهما، في جوهره، لم يكن مجرد حديث بين مطورين، بل درس صغير عن معنى التطور في عالم الألعاب. كيف تبنى الأفكار الجديدة على إرثٍ طويل دون أن تنسخه، وكيف يُعاد اكتشاف الحماس ذاته الذي جعل اللاعبين في التسعينات يرفعون أيديهم فخرًا بعد تنفيذ combo مثالي.
وفي زمن أصبح فيه التركيز على الواقعية والرسوم المبهرة هو القاعدة، تأتي ألعاب مثل “Morbid Metal” لتذكّرنا بأن السحر الحقيقي لا يُقاس بالدقة أو الإطارات في الثانية، بل بقدرتها على إشعال تلك الشرارة التي تجعل اللاعب يبتسم عندما يتقن حركة صعبة، أو عندما يشعر للحظة أنه اندمج تمامًا مع عالم اللعبة.
في النهاية، ما يجمع بين Kamiya وSchade ليس العمر أو الخبرة أو عدد الألعاب التي صدراها، بل إيمان مشترك بأن الفن الحقيقي في صناعة الألعاب هو القدرة على جعل اللاعب يشعر أنه جزء من الحكاية — لا متفرجًا عليها.
وربما لهذا السبب تحديدًا، تبدو “Morbid Metal” أكثر من مجرد مشروع جديد من Ubisoft، بل رسالة واضحة: أن الأكشن لا يموت، بل يتطور باستمرار، من جيل إلى آخر، ومن قلبٍ مفعم بالشغف إلى آخر لا يزال يتعلم كيف يصنع المتعة.