لم يكن اسم Teruyuki Toriyama يومًا غريبًا على مجتمع الألعاب الياباني والعالمي، فهو أحد أولئك الأشخاص الذين يقفون خلف الكواليس ليصنعوا الفارق دون أن يطلبوا الأضواء. وعلى الرغم من أن الأسماء الكبرى مثل Hidetaka Miyazaki أو Shuhei Yoshida تحظى بالشهرة في المشهد العام، فإن توريياما كان ولا يزال أحد الأصوات الإبداعية التي ساهمت في تشكيل هوية الألعاب اليابانية الحديثة. اليوم، يعود الرجل إلى الأضواء مجددًا مع إعلان تأسيس Sirius Studio في العاصمة اليابانية طوكيو، وهو استوديو جديد يتطلع إلى رسم مستقبل الألعاب بأسلوب يجمع بين التقاليد العريقة والابتكار التقني.
بدأت القصة قبل سنوات، عندما كان Toriyama يعمل في Sony Japan Studio، أحد أقسام Sony Interactive Entertainment التي كانت تُعد القلب النابض لإبداعات PlayStation في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. اشتهر الاستوديو بإنتاج سلاسل مميزة مثل Gravity Rush وApe Escape، لكنه أيضًا كان الحاضنة التي أنجبت مشاريع ضخمة مثل Demon’s Souls وBloodborne، وهما العملان اللذان ارتبط بهما اسم Toriyama ارتباطًا وثيقًا. لقد كان منتجًا يتمتع برؤية فنية حساسة، ويمتلك قدرة نادرة على خلق توازن بين جماليات العالم الافتراضي وصعوبة التحديات التي تصوغ هوية ألعاب FromSoftware.
عام 2020 كان لحظة تحول في مسيرة Toriyama، إذ أعلن مغادرته Sony بعد أكثر من عقدين من العمل المتواصل. في تلك الفترة، كانت اليابان تشهد تحولات كبيرة في صناعة الألعاب، حيث اندفعت الشركات نحو دمج تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) في مشاريعها. لم يبتعد Toriyama عن الساحة طويلًا، بل انضم سريعًا إلى استوديو Thirdverse، وهو فريق ياباني متخصص في تطوير ألعاب الواقع الافتراضي التفاعلية. هناك، عمل إلى جانب Hikaru Okamura، المنتج المعروف بابتكاراته في تصميم تجارب الواقع الغامر، وHideki Irie، المدير التنفيذي السابق في Sega وصاحب خبرة طويلة في إدارة المشاريع الضخمة. هذا الثلاثي، كما يبدو اليوم، كان البذرة التي نمت منها فكرة Sirius Studio لاحقًا.
بعد أربع سنوات من التجارب والتخطيط، أعلن Toriyama رسميًا في أكتوبر 2025 عن تأسيس Sirius Studio في طوكيو، بمشاركة شركائه السابقين Irie وTomohiro Suzuki. هذا الأخير يتولى منصب الرئيس التنفيذي للاستوديو، بينما يعمل Irie كنائب للرئيس ومنتج تنفيذي، في حين يتفرغ Toriyama للإشراف الإبداعي على المشاريع الجديدة. يتبع Sirius Studio لمجموعة Gz Group، وهي شركة مقرها أوساكا متخصصة في تطوير الألعاب القائمة على تقنيات الواقع الافتراضي والمعزّز، وتطمح من خلال هذا الفرع الجديد إلى توسيع نشاطها ليشمل ألعاب الكونسول والكمبيوتر الشخصي.
في بيان التأسيس، وصف الفريق رؤيته بأنها “تجربة تعيد تعريف العلاقة بين اللاعب والعالم الافتراضي”. فبينما تركز أغلب شركات الألعاب اليابانية حاليًا على إعادة إحياء عناوينها الكلاسيكية أو إنتاج نسخ محسّنة منها، يسعى Sirius Studio إلى بناء مشاريع أصلية بالكامل، تعتمد على أسلوب لعب جديد وبيئات ثلاثية الأبعاد واقعية إلى حدّ يصعب تمييزها عن العالم الحقيقي. ويبدو أن الفريق يستهدف فئة اللاعبين الباحثين عن العمق القصصي والابتكار الفني في الوقت ذاته، وهي الفئة التي لطالما شكّلت قاعدة محبي ألعاب مثل Bloodborne وDemon’s Souls.
اللافت أن توجه Sirius لا يقتصر على الواقع الافتراضي أو المعزز فقط، بل يمتد ليشمل تطوير ألعاب “تقليدية” بمعايير الجيل الجديد. إذ أكد Toriyama في أحد اللقاءات الصحفية أن الفريق يعمل على بناء محرك تطوير خاص به يسمح بدمج عناصر VR في تجارب اللعب العادية دون أن يشعر المستخدم بانفصال بين العالمين. ويضيف: “هدفنا ليس فقط أن نجعل الألعاب أكثر واقعية، بل أن نجعلها قادرة على لمس قلب اللاعب، على أن تُحدث فيه إحساسًا حقيقيًا بالدهشة.”
هذه العبارة أصبحت بمثابة شعار غير رسمي للاستوديو، وهي تذكّرنا بما حققته Bloodborne من تأثير عاطفي وفني عميق لدى محبيها، حيث جمعت بين القتامة والجمال في تجربة واحدة فريدة. بالنسبة لتوريياما، اللعبة لم تكن مجرد مشروع ناجح تجاريًا، بل كانت برهانًا على أن ألعاب الفيديو يمكن أن تكون فنًا بصريًا وسرديًا يوازي السينما والأدب.
من ناحية أخرى، يشير تأسيس Sirius Studio إلى أن اليابان تدخل مرحلة جديدة من المنافسة في سوق الألعاب. فبعد أن هيمنت شركات مثل Capcom وSquare Enix وFromSoftware على المشهد العالمي لسنوات، بدأ جيل جديد من الاستوديوهات المستقلة ذات الطموحات الكبرى بالظهور. هذه الفرق الصغيرة نسبيًا، التي يقودها مخضرمون من شركات كبرى، تمتلك مرونة أكبر وقدرة على التجريب بعيدًا عن القيود التجارية. Sirius يبدو اليوم مثالًا حيًا على هذا الاتجاه، إذ يهدف إلى صناعة ألعاب “بمواصفات عالمية” تُعرض دوليًا بدل الاكتفاء بالسوق اليابانية.
التوجه الدولي لـSirius ليس وليد الصدفة. فالإحصاءات الحديثة تشير إلى أن أكثر من 80% من سوق الواقع الافتراضي تتركز في البلدان الناطقة بالإنجليزية، خصوصًا في أمريكا الشمالية وأوروبا. لذا يسعى الفريق إلى مخاطبة هذا الجمهور مباشرة من خلال إنتاج ألعاب تحمل طابعًا عالميًا في القصة والأسلوب والتقديم. هذا التوجه يعكس إدراك Toriyama أن النجاح في السوق الحالية لا يمكن أن يُبنى على الحنين إلى الماضي فقط، بل على الابتكار المستمر والانفتاح على الثقافات المختلفة.
في المقابل، لم تغب عن المشهد المنافسة التقليدية بين Sony وNintendo، خصوصًا بعد العرض الأخير لمنصة Nintendo Switch 2 الذي شهد الكشف عن مشروع The Duskbloods الجديد من FromSoftware. اللعبة أثارت عاصفة من التوقعات على الإنترنت، إذ ظن كثير من اللاعبين أنها تتمة غير مباشرة لـBloodborne. هذا الجدل أطلق موجة من الحنين بين الجمهور، وأعاد تسليط الضوء على أعمال Toriyama السابقة. البعض اعتبر أن الوقت قد حان لتوريياما كي يقدم شيئًا يوازي تأثير تلك اللعبة الخالدة، وربما يتجاوزها على مستوى الإبداع.
وفي سياق موازٍ، ما تزال Sony تمتلك قائمة طويلة من العناوين الناجحة مثل God of War وThe Last of Us وGhost of Tsushima، إلا أن الشركة لم تُخفِ إعجابها بنجاح أسلوب “Soulslike” الذي أصبح علامة تجارية قائمة بذاتها. ولعل تأسيس Sirius Studio يأتي أيضًا كاستجابة غير مباشرة لتلك الموجة، إذ يسعى لتقديم رؤية جديدة تجمع بين الواقعية السينمائية والتحدي النفسي العميق الذي يميّز هذه الألعاب.
كما لا يمكن تجاهل العلاقة الوثيقة التي تجمع Toriyama بشركات أخرى مثل FromSoftware وSega، وهو ما قد يفتح الباب أمام تعاونات مستقبلية مثيرة. بعض المحللين يتوقعون أن يُقدّم Sirius في أولى مشاريعه تجربة مستوحاة من عالم الخيال المظلم، لكن بلمسة عاطفية أكثر دفئًا، تعكس نضج Toriyama الفني بعد سنوات من العمل خلف الكواليس.
من الواضح أن تأسيس Sirius ليس مجرد خطوة مهنية جديدة لتوريياما، بل هو إعلان عن مرحلة جديدة في مسيرته. فهو اليوم يمتلك الحرية الإبداعية الكاملة، دون الالتزام بإملاءات شركة عملاقة أو توجه تجاري محدد. وهذه الحرية، كما يصفها هو نفسه، تمثل الجوهر الحقيقي للإبداع. “نريد أن نصنع ألعابًا تجعل قلوب اللاعبين تتألق” — هكذا قال في حواره الأخير، وهي عبارة تختصر فلسفته الجديدة في العمل. فبينما يركّز كثير من المطورين على الأرقام والمبيعات، يظل Toriyama وفيًّا لرغبته في بناء عوالم تُلهم وتُدهش، حتى لو استغرق ذلك سنوات من التطوير.
ربما لا يعلن Sirius عن أولى مشاريعه الكبرى قريبًا، لكن وجود أسماء بهذا الثقل في فريق واحد يكفي لإثارة الترقب. فـToriyama، وIrie، وSuzuki يمتلكون خبرة تمتد عبر مؤسسات مثل Sony وSega وThirdverse، وهي مزيج نادر من الخبرة التقنية والرؤية الإبداعية. وإذا نجحوا في تطبيق ما يطمحون إليه، فقد يشهد العالم ولادة استوديو ياباني جديد قادر على منافسة عمالقة الصناعة، أو على الأقل تقديم رؤية مختلفة تعيد تعريف ما يمكن أن تكون عليه ألعاب الجيل القادم.
تجربة Toriyama تُذكّرنا بأن الإبداع لا يموت بخروجك من شركة كبرى، بل قد يبدأ من لحظة التحرر منها. فبعد عقد كامل من النجاحات داخل منظومة Sony، قرر الرجل أن يسلك طريقه الخاص، تمامًا كما فعل Jason Blundell، أحد مطوري Call of Duty Zombies، عندما أسس استوديوه الخاص Dark Outlaw بالتعاون مع PlayStation. يبدو أن هذا النمط من الانفصال الإبداعي أصبح ظاهرة جديدة في الصناعة، حيث يسعى المطورون إلى التحرر من القيود المؤسسية لصناعة تجارب أكثر شخصية وإنسانية.
في النهاية، من المبكر الحكم على مستقبل Sirius Studio، لكن المؤشرات الأولى تدعو إلى التفاؤل. فالفريق يمتلك طموحًا واضحًا، وخطة استراتيجية تركز على الجودة والابتكار والانفتاح على السوق العالمية. وإذا كان الماضي دليلًا على شيء، فإن أعمال Toriyama السابقة تؤكد أنه لا يغامر عبثًا، بل يختار مشاريعه بعناية ويبنيها ببطء وثقة. ولذلك، ربما تكون السنوات القليلة المقبلة شاهدة على ولادة مشروع يترك بصمة جديدة في تاريخ الألعاب اليابانية، ويعيد تعريف الطريقة التي ننظر بها إلى هذا الفن التفاعلي.
حتى ذلك الحين، يبقى Toriyama رمزًا للمطور الهادئ الذي يعمل في الظل لكنه يغيّر قواعد اللعبة بصمت. قد لا نعرف بعد ما الذي سيقدمه Sirius في مشروعه الأول، لكن يكفي أن نعلم أن وراءه فريقًا من المبدعين الذين يريدون أن يجعلوا “قلوب اللاعبين تتألق”.