منذ الإعلان عن دخول صندوق الاستثمارات والشركاء ضمن صفقة استراتيجية مع شركة Electronic Arts، انتشرت الكثير من التساؤلات والآراء وحتى التخوفات بين اللاعبين والمتابعين لصناعة الألعاب حول ما إذا كان هذا الاستثمار سيُحدث تحولاً في هوية الشركة وطريقة إدارتها لأعمالها الإبداعية. فشركة EA تعد من أهم الأسماء في عالم تطوير الألعاب ونشرها، مع تاريخ طويل يمتد لعقود، وقد أثرت في تجارب الملايين بفضل سلاسل ناجحة مثل FIFA سابقاً التي أصبحت EA SPORTS FC اليوم، Battlefield، Apex Legends، The Sims وغيرها. هذه الخلفية تجعل أي خبر يتعلق بمستقبل الشركة محط نقاش واهتمام واسع. ومع انتشار الإشاعات بشكل سريع، جاء تصريح EA الداخلي ليضع النقاط على الحروف ويقدم إجابة واضحة لكل ما يثار حول فقدان الشركة استقلاليتها الإبداعية، إذ أكدت بأنها ستبقى صاحبة القرار الأول والأخير في الألعاب التي ستطورها وطريقة تقديمها.
تصريح EA لم يكن مجرد بيان رسمي مقتضب، بل رسالة موجهة أولاً إلى موظفيها ثم إلى مجتمع اللاعبين، مفادها أن الاستحواذ أو المشاركة الاستثمارية لن تكون بوابة للتدخل في المحتوى أو التوجه الفني أو نوع الألعاب التي تعمل عليها الشركة. الإدارة أوضحت بشكل مباشر أن حرية التطوير والإبداع ستظل كما هي، وأن سجلها في منح فرقها حرية اتخاذ القرارات الإبداعية سيبقى ثابتاً. والجملة الأبرز التي تردد صداها بين اللاعبين كانت قول الشركة: “ستحافظ شركة EA على التحكم الإبداعي وسيبقى سجلنا في الحرية الإبداعية وقيمنا التي تضع اللاعبين أولاً كما هو دون تغيير”. نقل هذه الجملة كان بمثابة تطمين حقيقي للكثيرين الذين اعتادوا رؤية التغيرات الجذرية التي قد تصاحب الاستحواذات المالية الكبيرة في مجالات أخرى من صناعة الترفيه والتقنية. هناك دائماً خوف من أن يتحول التركيز إلى الأرقام فقط، وهو ما قد ينعكس على جودة التجربة المقدمة للاعبين أو على سياسات الشركة الداخلية.
في الواقع، من يتابع تاريخ EA يعرف جيداً أنها مرت بفترات صعود وهبوط على مستوى علاقتها بالجمهور. فهناك ساعات كان اللاعبون يرون فيها الشركة عملاقاً لا يهتم بالمجتمع ولا يضع احتياجاته في المقدمة، خاصة عند النقاش حول صناديق الغنائم أو سياسات الدفع داخل الألعاب. لاحقاً، وبعد الانتقادات الكبرى التي تعرضت لها EA في أكثر من مناسبة، تغيرت استراتيجية الشركة تدريجياً، وصارت تحاول التوجه نحو تقديم محتوى أكثر نضجاً مع اعتماد أكبر على الاستماع لآراء اللاعبين وإعادة بناء الثقة. رأينا ذلك مثلاً في نجاح Apex Legends وتغيرات عالم The Sims وتطوير محركات لعب جديدة. لذلك، عندما يظهر إعلان من هذا النوع يؤكد أن قيم الشركة ستبقى كما هي وأن اللاعبين سيظلون في المركز الأول، فهذا التصريح يشبه رسالة طمأنة تعني الكثير للاعب الذي تابع مسيرة EA من أيام ألعاب PC القديمة وحتى حقبة PlayStation وXbox الحالية.
وبينما يتجادل البعض حول تفاصيل الصفقة وأبعادها، هناك زاوية يجب ألا يتم تجاهلها، وهي واقع صناعة الألعاب اليوم. التنافس شديد، والتطوير أصبح أكثر تكلفة وتعقيداً، واللاعبون باتوا أكثر وعياً بمحتوى الألعاب وأساليب الربح المستخدمة. أي خطوة استراتيجية في هذا القطاع حالياً ليست مجرد محاولة توسع مالي، بل غالباً ما تكون جزءاً من خطة لضمان الاستمرارية ومواكبة التغيرات الكبيرة، سواء على مستوى التكنولوجيا مثل AI السحابية والواقع الافتراضي أو على مستوى الاقتصاد والتوزيع الرقمي. من هنا، يبدو تصريح EA منطقياً جداً، فهي تدرك أن قوتها تكمن في قدرتها على التحكم الإبداعي وعدم السماح لأي جهة بتقييد رؤيتها، خصوصاً أن تاريخ الشركات يثبت أن المؤسسات التي تفقد روح الابتكار أو تتجاهل جمهورها عادة ما تتراجع حتى لو كانت ضخمة. هناك أمثلة كثيرة في مجال الترفيه والتقنية لشركات تضررت عندما فرضت عليها سياسات استثمارية توجهاً بعيداً عن هويتها الأصلية.
علاوة على ذلك، يلاحظ أن تصريح EA ليس فقط محاولة لتهدئة اللاعبين، بل أيضاً رسالة داخلية للفرق العاملة. فالمطورون والفنانون والكتاب داخل الشركات هم أساس الإبداع الحقيقي. أي شعور بضغط خارجي أو تقييد قد يؤثر في بيئة العمل ويخلق جواً من التردد والخوف من التجريب. بقولها العلني أن الأمور ستبقى كما هي، فإن EA تحاول ترسيخ الاستقرار داخل البيت الداخلي، وتشجع الفرق على الاستمرار في العمل بثقة والشعور بأن الابتكار لا يزال أساس الثقافة المؤسسية. وعلى المستوى التسويقي، هذه خطوة ذكية كذلك، فاللاعب اليوم لا يشتري لعبة فقط لأنها تحمل اسم شركة كبيرة، بل يبحث عن العاطفة والهوية في التجربة. وعندما يسمع أن الاستديو مطلق اليد في تطوير مشروعه، يزداد حماسه وثقته في النتيجة.
لا يمكن إنكار أن هذا الإعلان جاء في توقيت حساس، فالكثير من اللاعبين أصبحوا يخشون من هيمنة رؤوس الأموال الضخمة على قطاع الألعاب. رأينا تغييرات شملت شركات شهيرة خلال السنوات الأخيرة، بعضها أثبت أن الاستحواذ قد يكون فرصة إيجابية عندما تُحفظ هوية الشركة، وبعضها الآخر تسبب في توتر الجمهور أو تغيير طريقة إدارة الألعاب والدعم. وحتى مع هذه الضغوط، توجد أمثلة مشرقة على نجاح إدارة الشركات للاستثمارات دون فقدان مرونتها، مثل ما حدث مع بعض استوديوهات PlayStation الداخلية التي احتفظت بروحها وغرستها بشكل أقوى بعد الدعم المالي والتقني الكبير. من الواضح أن EA تحاول اتباع نفس النهج، أي الاستفادة من رأس المال كشريك داعم وليس كقائد بديل، وبالتالي الحفاظ على فلسفتها الإنتاجية وبناء مستقبلها على أسلوبها الخاص.
في نهاية المطاف، تبقى الحقيقة الأساسية هي أن اللاعبين سيتابعون الأمر بعين مفتوحة. التصريحات وحدها لا تكفي ما لم تثبت الأفعال صحتها. الجمهور سيقيّم كل خطوة وكل مشروع جديد من EA خلال الأشهر والسنوات القادمة، خصوصاً مع انتظار الإصدارات الرئيسية المقبلة في عالم EA SPORTS FC وBattlefield وApex Legends وربما مشاريع جديدة غير معلنة. الاستحواذات والشراكات ليست دائماً سبباً للخوف إذا تمت إدارتها بعقلانية واحترام للهوية، والأهم الحفاظ على الإبداع كمحرك رئيسي. والوقت وحده سيكشف كيف ستترجم هذه الوعود إلى نتائج ملموسة، لكن يمكن القول إن EA بدأت الخطوة الأولى بالطريقة الصحيحة، عبر تأكيدها أن اللاعب سيظل في المقدمة، وأن قرارها الإبداعي سيبقى في يدها، وهذه النقطة قد تكون حجر الأساس لعلاقة جديدة مبنية على الثقة بين الشركة ومجتمع اللاعبين. ومع كل ذلك، يظل السؤال الذي يردده الكثيرون اليوم في المنتديات ومجموعات الألعاب: هل نشهد حقبة أكثر نضجاً لشركة EA، أم أن المشهد سيحمل مفاجآت أخرى؟ الأيام المقبلة وحدها ستجيب عن هذا التساؤل.