جديد أخبار مجالات ألعاب الفيديو والتقنية والسينما أول بأول
يبدو أن عالم ألعاب الأكشن والمنصات على وشك استقبال تجربة مثيرة جديدة مع إعلان فريق التطوير Redstart Interactive عن لعبته القادمة Gnaw، وهي عنوان ميترويدفينيا واعد يجمع بين حس المغامرة الكلاسيكي والإبداع البصري الحديث. تأتي اللعبة لتضعنا في قلب مدينة تسكنها كائنات الديناصورات، حيث وقعت أحداث غامضة وتحوّلات مقلقة تسببت في خلل رهيب غيّر طبيعة الحياة هناك، لتبدأ رحلة اللاعب في التحقيق، والاكتشاف، والمواجهة. ما يثير الانتباه أن الفريق المطور أطلق بالفعل النسخة التجريبية على الحاسب الشخصي، مما أتاح للاعبين تذوق لمحة مبكرة من هذا العالم الغريب قبل إصدار اللعبة الكامل المنتظر خلال العام المقبل.
من الوهلة الأولى، يُدرك اللاعب أن Gnaw ليست مجرد لعبة ميترويدفينيا تقليدية تقتصر على التنقل بين الممرات وجمع القدرات، بل هي محاولة فنية وجريئة لصناعة عالم ينبض بالغموض والرمزية. التصميم الرسومي في اللعبة يخرج عن المألوف، في مزيج بين الطابع الكرتوني الداكن وأسلوب الرسوم اليدوية الذي يُذكّر ببعض الأعمال الكلاسيكية في تسعينيات القرن الماضي، وكأنها لوحة فنية تفيض بالحياة والقلق في آن واحد.
تسعى Redstart Interactive إلى جعل Gnaw تجربة تتحدث من خلال أجوائها البصرية دون الحاجة إلى حوارات كثيرة، فالمدينة نفسها تحكي قصتها — مدينة الديناصورات التي كانت يومًا ما مركزًا نابضًا بالحياة، لكنها أصبحت اليوم مختبرًا كبيرًا لتجارب غير مفهومة.
النسخة التجريبية التي طُرحت على الحاسب الشخصي تكشف عن مزيج مثير من أسلوب اللعب التقليدي المألوف لمحبي ألعاب مثل Hollow Knight وOri and the Blind Forest، مع لمسة خاصة تجعل اللعبة تتميز عن أي مشروع آخر. فالتحكم في الشخصية يبدو انسيابيًا، والاستجابة السريعة للحركات تمنح إحساسًا رائعًا بالدقة والإيقاع. ورغم أن النسخة ما تزال في طور مبكر، إلا أن الجودة التقنية التي ظهرت فيها تبشّر بتجربة ناضجة عند الإصدار النهائي.
يُقال إن الفريق المطور ركّز على مفهوم «التحقيق» بقدر تركيزه على الأكشن، ما يعني أن اللاعب لن يقضي وقته فقط في القتال، بل في فكّ رموز المدينة الغامضة وفهم طبيعة الكارثة التي أصابت سكانها. هذا التوازن بين الحركة والاستكشاف يمنح اللعبة بُعدًا أعمق من مجرد الركض والقتال، ويحوّلها إلى تجربة تتطلب الفضول والذكاء في آن.
من حيث القصة، لا تفصح Redstart Interactive كثيرًا عن تفاصيل الأحداث، لكن كل ما ظهر حتى الآن يوحي بأن المدينة المليئة بالديناصورات كانت مسرحًا لتجارب علمية خرجت عن السيطرة، وربما تلاعبًا جينيًا أفضى إلى تشوهات وتحولات غريبة. اللافت في الأمر أن اللعبة لا تروي القصة بأسلوب مباشر، بل تترك للاعب مهمة إعادة بناء الصورة من خلال الاستكشاف والتفاصيل الصغيرة المنتشرة في العالم. هذا الأسلوب، المعروف في عالم الميترويدفينيا، يُعزز من ارتباط اللاعب بالعالم ويجعله جزءًا من عملية السرد نفسها، كما حدث في ألعاب مثل Blasphemous وAxiom Verge.
واحدة من النقاط التي لفتت انتباه محبي النوع هي الموسيقى التصويرية التي تُرافق Gnaw، حيث اختار الفريق مزيجًا من الإيقاعات الإلكترونية والأنغام المزعجة عمدًا لإثارة التوتر النفسي، مما يخلق أجواء خانقة تُناسب تمامًا الطابع الكئيب للمدينة. بعض التجارب في النسخة التجريبية أظهرت كيف تتبدل النغمة الموسيقية تبعًا للمناطق التي يزورها اللاعب، في حين تزداد سرعة الإيقاع عند اقتراب المعارك أو عند ظهور مخلوقات ضخمة. يمكن القول إن الصوت هنا ليس مجرد خلفية، بل عنصر درامي يشارك في بناء الإحساس بالخطر والغموض.
أما على صعيد الرسوميات، فقد قدّمت Redstart Interactive أسلوبًا فنيًا فريدًا لا يسعى إلى الواقعية، بل إلى الجمالية التعبيرية. فالألوان في اللعبة تتراوح بين ظلال بنفسجية قاتمة وأضواء ساطعة حمراء، تُذكّر بأعمال الفن السريالي. كل مشهد يبدو كأنه لوحة تجريدية، ما يضفي على اللعبة طابعًا سينمائيًا يميّزها عن كثير من ألعاب المنصات الحديثة. الشخصيات مرسومة بعناية، والتحريك اليدوي يمنحها حسًا عضويًا يجعلها أقرب إلى شخصيات فيلم رسوم متحركة أكثر من كونها نماذج رقمية جامدة.
المدينة، التي تُعد قلب اللعبة، تم تصميمها لتكون بيئة حية نابضة بالتفاصيل، فكل ركن يحمل أثرًا لما كانت عليه من قبل. الجدران المتهالكة والكتابات القديمة ومعدات المختبرات المهجورة كلها عناصر تسرد الحكاية دون الحاجة إلى كلمات. من الواضح أن المطورين يستلهمون فلسفتهم من ألعاب مثل Metroid Dread وEnvironmental Storytelling التي تجعل البيئة نفسها وسيلة للسرد.
يُذكر أن الفريق المطور Redstart Interactive ليس غريبًا عن الساحة، فقد سبق له العمل على مشاريع مستقلة ناجحة رغم صغر حجمه، ويبدو أن Gnaw هي رهانهم الأكبر حتى الآن. تصريحات المطورين تشير إلى أنهم يريدون إعادة تعريف مفهوم “الظلام الجميل” في الألعاب ثنائية الأبعاد، عبر تقديم عالم موحش لكنه مليء بالجمال البصري والدرامي. أحد أعضاء الفريق قال في مقابلة:
“نريد أن يشعر اللاعب بأنه مراقَب طوال الوقت، وأن المدينة تتنفس من حوله، كما لو أنها كائن حي يترصده في كل زاوية.”
هذه الجملة وحدها تختصر فلسفة اللعبة بالكامل — الخطر ليس في العدو الذي تراه، بل في المدينة ذاتها التي تتحول إلى كابوس حيّ.
التوقعات تشير إلى أن اللعبة ستصدر خلال العام المقبل على جميع المنصات، بما في ذلك PlayStation 5 وXbox Series X|S وNintendo Switch إضافة إلى PC عبر Steam. ورغم أن الموعد الدقيق لم يُعلن بعد، إلا أن وجود النسخة التجريبية يبعث الثقة في أن التطوير يسير بوتيرة مستقرة. ومن المثير أن ردود الفعل الأولى من اللاعبين الذين جرّبوا الديمو كانت إيجابية إلى حدّ كبير، إذ أشادوا بإحساس الحركة والانسيابية في القتال، وكذلك بالأجواء المظلمة التي تجمع بين الرعب والدهشة.
من زاوية أخرى، يرى بعض اللاعبين أن Gnaw تمثل عودة قوية للمدرسة الكلاسيكية لألعاب الميترويدفينيا بعد موجة من الألعاب التي ركزت على القتال فقط دون روح الاستكشاف. اللعبة تُعيد الاعتبار لفكرة الاكتشاف المتدرج والعودة إلى المناطق السابقة بعد اكتساب قدرات جديدة، مما يمنح إحساسًا دائمًا بالتطور والنمو داخل العالم. هذه البنية تُشجع على التعمق في كل زاوية، والبحث عن الأسرار والقصص الصغيرة التي تُغذي التجربة العامة. وفي ظل التوجه الحالي للألعاب الضخمة نحو العوالم المفتوحة العملاقة، فإن لعبة مثل Gnaw تمثل عودة مُرحّب بها إلى التجارب المركّزة التي تعتمد على الذكاء الفني بدل الضخامة التقنية.
النقاش الدائر بين متابعي الألعاب يشير أيضًا إلى أن Gnaw قد تصبح مفاجأة العام عند صدورها، خصوصًا إذا واصلت الحفاظ على التوازن بين السرد الغامض والميكانيكيات الدقيقة. هناك من يرى فيها “الوريث الروحي لـHollow Knight” نظرًا للتقارب الجمالي والميكانيكي، لكن آخرين يعتبرونها تجربة أكثر رمزية ونضجًا من حيث الموضوع. مهما كان الرأي، فإن ما تقدمه اللعبة حتى الآن يكفي لجعلها في دائرة الضوء منذ الآن.
في نهاية المطاف، تبدو Gnaw وكأنها مشروع خرج من شغف حقيقي وليس بدافع تجاري، وهذا ما يميزها عن كثير من العناوين التي تُكرر نفسها في السوق. فكل ما فيها — من الألوان إلى الإيقاع إلى طريقة كشف القصة — يوحي بأن المطورين أرادوا ابتكار عالم يشعر فيه اللاعب أنه ضائع لكنه مأخوذ بسحر ما يراه. لعبة تجمع بين الفن والدهشة، بين الغموض والفضول، بين الرعب والجمال. ومع اقتراب موعد الإصدار، يمكن القول إن عشاق ألعاب الميترويدفينيا على موعد مع مغامرة تُعيدهم إلى جوهر النوع الذي أحبوه، ولكن بلمسة جديدة تضع Gnaw في مصاف التجارب التي تُتذكر طويلًا.