في عالم ألعاب الفيديو، يظل اسم CD Projekt Red مرتبطا دائما بالمشاريع الضخمة التي تبقى حاضرة في الذاكرة لسنوات طويلة. يكفي ذكر ألعاب مثل The Witcher 3 حتى يستحضر اللاعبون تجربة عالم واسع التفاصيل، وصناعة دقيقة، وقصصا قادرة على البقاء في ذهن اللاعب إلى الأبد. الأمر نفسه حدث مع Cyberpunk 2077، اللعبة التي شغلت الإعلام واللاعبين قبل إصدارها بمدة طويلة. ورغم العثرات التقنية التي رافقت انطلاقتها، فقد تمكنت من استعادة ثقة الجماهير تدريجيا، خصوصا بعد التحديثات الكبرى وإصدار توسعة Phantom Liberty التي ساهمت في تحسين التجربة بشكل واضح. كل هذه التطورات دفعت فريق CD Projekt Red ليعلن رسميا، قبل مدة، أنه بدأ رسم ملامح الجزء الثاني من Cyberpunk والذي عرف داخليا باسم Project Orion. لكن الإعلان الأخير الذي خرج به الاستوديو أعاد هذه الإثارة إلى الواجهة من جديد. فقد أكد الفريق أن اللاعبين لن يضعوا أيديهم على اللعبة قبل سنة 2028، وهو تصريح أثار الكثير من النقاشات، خاصة بين محبي السلسلة والمهتمين بمشاريع الاستوديو المستقبلية.
عندما ننظر إلى تاريخ تطوير الألعاب الكبرى، نكتشف أن الفترات الطويلة بين إصدار وآخر أصبحت أمرا طبيعيا، سواء تعلق الأمر بألعاب العالم المفتوح أو الألعاب التي تعتمد سردا عميقا يحتاج إلى عمل طويل على كتابة السيناريو. ومع ذلك، فالانتظار حتى سنة 2028 يبدو زمنيا بعيدا نوعا ما. فالمسافة بين الجزء الأول والجزء الثاني ستكون أكثر من ثماني سنوات، وهي مدة كافية لتغيّر تقنيات الصناعة بالكامل. وربما لهذا السبب بالتحديد، قد يكون الفريق في CD Projekt Red يريد أن يتأنى في خطواته حتى يقدم لعبة لا تعيد أخطاء الماضي. لقد صرح أحد مسؤولي الاستوديو في جلسة حديثة بكلمة أصبحت متداولة بين اللاعبين بعد انتشارها بشكل واسع، إذ قال: “لن نكرر الأخطاء التي وقعت في الماضي مهما كلفنا الأمر”. ورغم بساطة العبارة، إلا أنها تحمل أكثر من معنى. فهي تعكس إدراكا تاما لحجم الانتقادات التي طالت Cyberpunk 2077 عند إطلاقها، كما تشير أيضا إلى نية واضحة في إعادة بناء الثقة وتقديم تجربة تستحق فعلا حمل اسم Cyberpunk من جديد. هذه النقطة بالتحديد هي ما يجعل كثيرين يتوقعون أن Cyberpunk 2 ستكون أول مشروع يضع الفريق فيه جهدا مضاعفا على الجانب التقني قبل أي شيء.
لكن ما الذي جعل الفريق يعلن عن هذا التأجيل منذ الآن؟ الإجابة تتعلق بالمشروع الأكبر الذي يعمل عليه الاستوديو حاليا وهو The Witcher 4. هذا المشروع، الذي انتظره عشاق السلسلة سنوات طويلة، أصبح الآن محور العمل الأساسي داخل CD Projekt Red. فالفريق نقل الغالبية العظمى من مطوريه إلى تطوير الجزء الرابع من The Witcher، وهذا يعني أن Cyberpunk 2 ليست في مرحلة الإنتاج الكامل بعد. بل إن بعض التقارير تشير إلى أنها ما زالت في مرحلة التخطيط الأولي ووضع التصورات العامة لعالمها وشخصياتها وأنظمة اللعب. ومن الطبيعي أن يحتل The Witcher 4 الأولوية، فالسلسلة تعتبر الركيزة الأساسية التي بُنيت عليها سمعة الاستوديو، وهي التي جعلته واحدا من أهم الأسماء في صناعة الألعاب خلال العقد الماضي. إضافة إلى ذلك، يعتمد الاستوديو على محرك Unreal Engine 5 في تطوير المشروع، وهذا يتطلب وقتا وجهدا لإعادة بناء الأنظمة الأساسية التي ستستخدم لاحقا في Cyberpunk 2 حتى تكون العملية أكثر سهولة وترابطا.
ومع كل هذا، يبدو أن CD Projekt Red تتعامل بحذر شديد مع التواصل الإعلامي. فالاستوديو تعلم، بعد تجربة Cyberpunk 2077، أن تقديم وعود مبكرة قد يتحول إلى سلاح ضده. لذلك اتخذ خطوة الإعلان عن موعد بعيد حتى يضمن هامشا كبيرا من الراحة في عملية التطوير. وبينما قد يشعر بعض اللاعبين بالإحباط من تأخر إصدار Cyberpunk 2 إلى غاية 2028، يرى آخرون أن هذه الفترة ستسمح للفريق ببناء تجربة أعمق، أقوى، وأكثر نضجا من الجزء الأول. فاللعبة الأولى باعت أكثر من 35 مليون نسخة، ما يعني أن الجمهور كبير ومتحمس ومستعد لإعطاء فرصة جديدة لهذا العالم المستقبلي الغامض والمليء بالأفكار الفلسفية. ويبدو واضحا أن الاستوديو يستوعب تماما حجم هذا الانتظار وأنه يريد تقديم تجربة تضيف شيئا حقيقيا إلى مسيرة Cyberpunk بدل مجرد الاكتفاء بصيغة محسنة من الجزء السابق.
ولعل ما يجعل الانتظار مقبولا لدى الجمهور، هو أن اللاعبين يعرفون تماما أن CD Projekt Red حين يأخذ وقتا طويلا في تطوير مشروع ما، فهو غالبا ما يبحث عن الجودة القصوى. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك داخل تاريخ الشركة. فبين The Witcher 2 و The Witcher 3، مرت سنوات طويلة، لكن النتيجة كانت لعبة أصبحت نموذجا يحتذى به في تصميم العالم المفتوح ورواية القصص. الأمر نفسه قد ينطبق على Cyberpunk 2. فالفريق لن يكتفي بمجرد تحسين الأداء هذه المرة، بل ستكون أمامه فرصة لبناء عالم أكثر تفاعلا، وتقديم شخصيات جديدة ذات عمق، إضافة إلى قصة تسير بمنطق محكم يجعل اللاعب يشعر أنه جزء من الصراع الدائر داخل مدينة مستقبلية تفيض بالحياة المظلمة. وحتى لو كانت سنة 2028 تبدو بعيدة، إلا أن الاستوديو يريد أن يجعل منها موعدا يستحق الوقوف عنده، حتى يشعر اللاعب أن الانتظار لم يكن بلا معنى. وربما يكون المشهد العام لألعاب الفيديو بعد سنوات مختلفا تماما. وقد نصل إلى زمن تصبح فيه Cyberpunk 2 واحدة من الألعاب التي تعتمد تقنيات جديدة بالكامل، سواء على مستوى الرسوم أو الذكاء الاصطناعي أو حتى طريقة التفاعل مع العالم. كل شيء وارد في هذه الصناعة التي تتغير بوتيرة مذهلة. ومع تزايد توقعات اللاعبين وارتفاع سقف الجودة عاما بعد آخر، يصبح من الضروري أن يأخذ المطورون وقتا كافيا لابتكار تجارب قادرة على الصمود في سوق لا يرحم أي مشروع ضعيف. لهذا السبب، قد يكون قرار الانتظار إلى سنة 2028 خطوة مدروسة أكثر مما تبدو عليه في الوهلة الأولى.