تستعد Sega لإحياء سلسلة Virtua Fighter من جديد عبر مشروع New VIRTUA FIGHTER الذي يشرف عليه Ryoichiro Yamada. هذا العمل ليس مجرد محاولة لإعادة تقديم لعبة قتالية كلاسيكية بلمسات حديثة، بل هو رحلة طويلة للبحث عن المعنى الحقيقي لكلمة واقعية داخل عالم الألعاب القتالية. الأمر لا يتعلق بتكرار الحركات الواقعية أو تصويرها كما هي، بل يتعلق بتقديم تجربة يشعر اللاعب خلالها أن ما يحدث أمامه ممكن، حتى لو خرج أحيانا عن حدود الواقع اليومي. هذا النوع من الواقعية يتطلب الكثير من التفكير والجرأة والاختبارات المتواصلة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بسلسلة تركت أثرا ضخما في تاريخ الألعاب منذ إطلاقها الأول سنة 1993. يشرح Yamada خلال حديثه معنا كيف ينظر الفريق إلى هوية اللعبة، وكيف يحاول رسم خط واضح يوازن بين المتعة والإحساس الحقيقي، وبين القتال كفن والقتال كمنظومة قواعد داخل لعبة فيديو.
بدأ Yamada مسيرته داخل Sega أواخر التسعينات، وشارك في تطوير مجموعة واسعة من العناوين التي تراوحت بين الألعاب المنزلية وتطبيقات الهواتف، قبل أن يغادر الشركة لفترة قصيرة وينضم إلى Warner Bros. Entertainment، ثم يعود إلى Sega خلال غشت 2023. هذه العودة لم تكن عادية، فبمجرد دخوله إلى الشركة وجد نفسه يشرف على مشروع إعادة بناء Virtua Fighter، وهو تحد وصفه بأنه طبيعي ومثير في الوقت نفسه، لأن السلسلة تستحق العودة بشكل يليق بتاريخها وتأثيرها على عالم القتال ثلاثي الأبعاد. يؤكد أن المشروع جديد بالكامل وليس مجرد تحديث أو تطوير لنسخة سابقة، رغم أنه يأتي بمتابعة مباشرة لروح Virtua Fighter 5 R.E.V.O. التي عمل عليها Ryu Ga Gotoku Studio أيضا. لكن الجديد هنا، كما يقول، هو محاولة الإجابة على سؤال ظل يرافق السلسلة منذ بدايتها. ما هو الشيء الذي يجعل Virtua Fighter لعبة مختلفة عن غيرها، وما هو العنصر الذي يجب الحفاظ عليه مهما تغيّرت الأجيال؟
من منظور Yamada، يمكن اختصار جواب هذا السؤال في كلمة واحدة هي الواقعية. لكنه يوضح أن المقصود ليس الواقعية الحرفية، بل ذلك النوع من الإيهام الذي يجعل اللاعب يشعر بأن ما يحدث طبيعي، حتى لو لم يكن كذلك فعليا. يضرب مثلا بسيطا. لو كانت الفكرة هي نقل فنون القتال كما هي، لكان الأمر أشبه بصنع لعبة مخصّصة لفن قتالي محدد، وهذا يناقض فكرة Virtua Fighter التي تجمع بين مدارس متعددة، لكنها تقدّمها بأسلوب يوازن بين الإحساس الحقيقي والمرح. يرى Yamada أن السلسلة لطالما امتلكت نكهة خاصة. ليست سهلة التوصيف مثل ألعاب Street Fighter مثلا، وليست مبنية على حركة مبالغ فيها مثل عناوين أخرى. لذلك فإن تعريفها في جملة واحدة كان دائما صعبا، وهذا ما يجعل الالتزام بروح السلسلة تحديا حقيقيا. يقول إن الواقعية التي يتحدث عنها هي تلك الطبقة الرفيعة بين ما يمكن أن يفعله الإنسان فعلا وبين ما يمكن أن يحدث فقط داخل لعبة فيديو، ومع ذلك يبدو مقنعا للمشاهد. هذه المنطقة الرمادية هي ما يسميه الفريق بالخط الفاصل، وهي أساس المشروع الجديد.
أحد أكبر التحديات التي يركّز عليها الفريق هو إيجاد توازن بين اللعبة كمنتج ترفيهي يحتاج للوضوح وسهولة الفهم، وبين اللعبة كمنظومة تنافسية تحتاج إلى عمق حقيقي. لطالما واجهت Virtua Fighter انتقادات بأنها لعبة معقّدة، رغم اعتمادها ثلاثة أزرار فقط. لكن مع تراكم الإصدارات، بدأت بعض العناصر تصبح معقدة على اللاعبين الجدد، وهذا ما يريد الفريق تغييره دون التضحية بالعمق الذي تشتهر به اللعبة. يؤكد Yamada أن الهدف في New VIRTUA FIGHTER ليس تبسيط السلسلة أكثر من اللازم، بل إزالة تلك التعقيدات التي تشوّش على جوهر اللعب. في الوقت نفسه، يعتقد أن أحد أوجه القصور التاريخية في السلسلة هو غياب الحضور القصصي للشخصيات. لكل مقاتل خلفية مكتوبة، لكنها لم تظهر طوال اللعبة، ما جعل الشخصيات تبدو مجرد أدوات للقتال. هذه المرة يريد الفريق تعزيز هذا الجانب، ليس عبر قصة ضخمة، بل عبر إشارات وإضافات تمنح الشخصيات حضورها الخاص، وتبرر مظهرها وأسلوبها وتطورها. يعطي مثالا بالمصارع Wolf الذي حصل في النسخة الجديدة على تصميم أقرب إلى المصارعة الأمريكية التقليدية، لكن هذا الاختيار لم يكن عشوائيا. فالفريق أعاد بناء خلفيته بالكامل ليوافق هذا المظهر، بحيث يصبح اللاعب قادرا على تخيّل حياته وسبب اختياره لهذا الأسلوب.
في مطلع يناير الماضي نشرت Sega فيديو قصيرا كان بمثابة مادة تصورية للمشروع الجديد. الفيديو اشتمل على مشاهد قتال مستوحاة من أفلام الكونغ فو الكلاسيكية، وقد أثار ردود فعل واسعة بسبب طبيعته السينمائية والحيوية التي قدمها. يوضح Yamada أن هذا المقطع لم يكن مجرد ترويج، بل كان أساسا داخليا استخدمه الفريق لتحديد نبرة المشروع. الحركة السلسة، السرعة المضبوطة، والإيقاع السينمائي كانت عناصر يريد الفريق اختبارها لمعرفة ما يمكن نقله فعلا إلى اللعبة وما يجب تركه. بطبيعة الحال، لا يمكن تطبيق كل ما يظهر في الفيديو كما هو، فالألعاب القتالية تعتمد على الإيقاع، وأي حركة تبطئ اللعب من أجل الاستعراض تصبح عبئا. ومع ذلك يرى Yamada أن هذه المادة كانت بمثابة بوصلة تشير إلى ما يجب التفكير فيه أثناء التطوير. الهدف ليس تقليد الفيلم، بل الاقتراب من الشعور الذي ولّده، ذلك الشعور الذي يجعل اللاعب يحس بأن الحركة لها وزن وتأثير.
التعاون مع Ryu Ga Gotoku Studio كان جزءا مهما من المشروع. هذا الفريق معروف بقدرته على بناء عوالم واقعية تبدو كأنها جزء من مدينة موجودة فعلا. يلاحظ Yamada أن الفريق يمتلك قدرة غير عادية على خلق أماكن تحمل روح الحياة اليومية، حتى عندما تكون مجرد خلفية للقتال. يذكر أن تصميم حي الفقراء الذي ظهر في الفيديو التصوري تم إنجازه خلال شهر واحد فقط، ومع ذلك يبدو كحي حقيقي بكل تفاصيله. يرى أن هذا التوجه يمكن أن يرفع مستوى Virtua Fighter بصريا، ويمنح ساحات القتال شخصية أقوى، دون أن يؤثر ذلك على سرعة اللعب. بالنسبة إليه، الفكرة ليست في ملء الشاشة بالتفاصيل، بل في جعل الخلفية تضيف إحساسا بالمكان والجاذبية البصرية دون أن تسرق الانتباه.
[/embedpress]
في المقابل، يدرك الفريق أن ألعاب القتال تعتمد بشكل كبير على وضوح الحركة وسلاسة عرض الإطارات. لذلك يصرّ Yamada على أن أي تأثير بصري يوقف اللعب أو يشتت اللاعب لحظة واحدة غير مقبول. يشير إلى أن فريق التطوير يركز على إبقاء الإيقاع دون توقف، وأن كل العناصر الزخرفية يجب أن تظهر فقط عندما لا يشترك اللاعب في أي قرار. مثال ذلك اللقطات الخاصة عند الفوز، مثل الإخراج المشابه للمشاهد السينمائية التي تظهر بعد تنفيذ ضربة قاضية. هذه اللقطات لا تؤثر على اللعب لأن المباراة انتهت أصلا. هذا النوع من التوازن هو ما يجعل الواقعية في المشروع واقعية محسوبة، لا تحاول التظاهر بالدقة العسكرية، ولكنها تتقن الإيقاع وتمنح اللاعب سيطرة كاملة في اللحظات التي تهمه فعلا.
يتحدث Yamada أيضا عن تصميم الشخصيات في المشروع الجديد، ويقول إن الفريق احتاج إلى وقت طويل لإيجاد درجة التوازن المناسبة. شخصيات Virtua Fighter التقليدية لم تكن يوما مبالغ فيها مثل ألعاب أخرى، لكنها أيضا ليست مجرد نماذج بشرية عادية. هناك دائما لمسة فنية تجعل الشخصية مميزة. في النسخة الجديدة، حاول الفريق منح الشخصيات مظهرا أكثر واقعية، لكن دون فقدان تلك الملامح التي تعطي لكل مقاتل حضوره الخاص وسط ساحة القتال. يقول إن شخصية Akira، على سبيل المثال، تمثل هذا التوازن بشكل مثالي، فهو في النسخة الجديدة يبدو أكثر نضجا وقوة، ومع ذلك يحتفظ بروحه القديمة التي جعلته أيقونة السلسلة. نفس الأمر ينطبق على Wolf الذي قدّم بشكل يشرح تاريخه وشخصيته بطريقة لم تكن موجودة من قبل.
في نهاية الحديث، يوضح Yamada أن New VIRTUA FIGHTER ليس موجها للمخضرمين فقط، بل يريد الفريق أن يشعر اللاعب الجديد أن اللعبة تستقبله دون تعقيد، وفي الوقت نفسه توفر مساحة واسعة للاعب المحترف كي يبرع ويبتكر. ما زال المشروع في مرحلة مبكرة نسبيا، لكن الفريق سيكشف المزيد خلال الفترة القادمة، وأن التطوير يسير وفق ما يطمح إليه أعضاء الفريق. يَعِد Yamada بأن المشروع سيكون خطوة جديدة في مسار السلسلة، خطوة تجمع بين تاريخ Virtua Fighter وتجربة حديثة تحاول أن تكون أكثر قربا من اللاعب وأقل صرامة من الماضي، دون أن تفقد هويتها. بالنسبة له، الواقعية ليست شكلا بصريا، بل هي شعور يرافق اللاعب وهو ينفذ ضربة أو يتجنب أخرى. هذا الشعور هو ما يحاول الفريق بناؤه بعناية خلال الأشهر القادمة.
![]()
![]()